أقلام حرة

اذا فشل الطالباني تصبح كردستان دولة؟ / راضي المترفي

يخفي غضبه خلف ابتسامته ويغلف تشاؤمه بتفاؤل . وخلال سنوات تسنمه سدة الرئاسة كان يضع نفسه دائما فوق المماحكات والاختلافات والخلافات التي تحصل بين السياسيين كتلا وأشخاصا ويسعى لان يكون صمام أمان ووسيطا في فض ما يحصل من نزاعات وسط بسمة ونكتة لاتغيب عن محياه حتى في احلك الظروف وكان توفيقيا وتوافقيا في آن . وفي كل الازمات التي مرت وسواء كان (السيد الرئيس) طرفا او حكما او وسيطا او واقفا على التل  استطاع وبنجاح اطفاء بعض حرائق الاختلافات ولملمت المشاكل والعودة بالفرقاء المتناحرين الى طاولة المفاوضات . ودفع عجلة العملية السياسية الى الدوران . لكن هل مر الطالباني بأزمة مثل تلك التي يمر بها العراق اليوم؟ وماهو موقعه فيها؟ لقد كان هروب الهاشمي بعد اصدار مذكرة القبض عليها واتهامه بدعم او المشاركة بانشطة ارهابية الى كردستان وتحديدا الى حمى الرئيس في السليمانية هو صاعق التفجير ليس لهذه الازمة وحدها وانما لازمات كان قد تم نزع فتيلها بالسابق او تحويلها الى خلية نائمة او ازمة مؤجلة ,وهذا الهروب جعل المواجهة مفتوحة على كل الاطراف وليس بين العراقية ودولة القانون بعدما كان الخصمان المتصارعان طيلة العامين الماضيين وسط سكوت او مباركة او حياد الاطراف الاخرى وكشفت فيها اوراق ونوايا كانت تحت السيطرة طيلة الفترة الماضية ومما يزيدها تعقيدا اصرار دولة القانون  وخلفها الائتلاف الوطني على فصل قضية نائب رئيس الجمهورية عن الوضع السياسي المتفجر وترك القضاء كمتصرفا وحيدا فيها في حين تصر القائمة العراقية على وحدة الخلافات ومن ضمنها قضية الهاشمي وتحاول بنفس الوقت جر الاتحاد الكردستاني الى طرفها بسبب لجوء الهاشمي الى الاقليم . والطالباني يعرف اكثر من غيره ان خلاف العراقية مع دولة القانون ليس على المشاركة بالحكومة لانهم مشاركون فعلا ولهم اكثر من خمسة وزراء لكن اصل الخلاف هو اصرارهم على الزحف نحو مشاركة رئيس الحكومة في صلاحياته او على الاقل غض الطرف من قبله عن مايرغبون تنفيذه وقد اكد ذلك  صالح المطلك يوم اتهم رئيسه بـ(بالديكتاتور) واعتقد جازما ان الرئيس طالباني يعلم ايضا ان دولة القانون والمالكي لم ولن يتنازلون عن بعضا من صلاحياتهم للعراقية ,والعراقية لم ولن تقبل ببقاء المالكي متصرفا مطلقا كما يرون وهم مكتوفي الايدي حتى وان كان ذلك بموجب الدستور كما ان الاطراف الاقليمية تمارس جر خيوط اللعبة تهدئة وتازيما وفقا لمصالحها المتضاربة وحروبها الخفية فيما بينها وسط تحزب ظاهر او وقوفا مكشوفا خلف هذا الطرف او ذاك تبعا للانتماءات المذهبية والعرقية بعد ان تحشدت الاطراف الداخلية تحت هذه المسميات وبوقت مبكر من الازمة .

 واذا كان الرئيس طالباني بالسابق يجمع المختلفين في بيته ويصلح بينهم ولو ظاهريا او تأجيلا للحل الجذري تحت مسمى (من اجل مصلحة العراق) وهو العارف تماما ان لاحلول جذرية بوجود هؤلاء الفرقاء او نواياهم تجاه بعضهم الا باختفاء طرفا منهم عن مسرح الاحداث او التخلي الحقيقي والنهائي عن رغباته وهذا من غير الممكن ان لم يكن من المستحيل . ماذا يفعل الطالباني وهو يواجه ازمة احتملت من وضوح نوايا كل طرف بما يكفي ومن العداء ماهو قادر على تدمير بناء متماسك وليس هشا مثل ماعليه الحالة العراقية الان؟ ان المالكي ومن خلفه دولة القانون والائتلاف الوطني  وربما قسم كبير من الشيعة يصرون على تقديم الهاشمي للقضاء وفي بغداد تحديدا اضافة لعزل القضية عن كل تسوية سياسية قادمة . في حين لاتستطيع العراقية رفض هذا المطلب لكنها تعاملت معه بذكاء من خلال طعنها بالقضاء في بغداد واتهامه بالتبعية السياسية لخصومهم وطلبت نقل القضية الى مكان اخر وتروم ضرب عصفورين بحجر واحد . الاول الطعن باستقلالية القضاء في بغداد والثاني زرع بذور الخلاف بين الاكراد والائتلاف الوطني ومن ثم استمالة الاكراد الى جانبهم وقد تمكنت ماكنتهم الاعلامية مؤخرا من جعل رئيس الاقليم يعلن عدم الحضور الى بغداد فيما لو اقيم  المؤتمر المزمع عقده فيها .

 مع قناعتنا ان السيد الطالباني هو افضل وسيط بالوقت الحاضر بين كل من يتخاصمون بالعراق لما يملك من مؤهلات لكننا نظن انه غير مستحكم على ادوات الوسيط الضامن لنجاح مسعاه في هذه الازمة ومنها قدرة الضغط على الاطراف المختلفة واجبارها على قبول حلوله ومقترحاته وكذلك اصرار كل الاطراف على ان تكون هذه الازمة هي اخر الازمات والتي يجب ان تنتهي اما باستلام الطرف الاخر ورفعه الراية البيضاء او سحقه نهائيا وازاحته عن الطريق . فماذا يفعل الوسيط الطالباني بعد ان اعتاد في السنوات الماضية جمعهم كأخوة واشاعة اجواء مرحة بينهم وأخذ من هذا الى ذاك  ودعوتهم لتقبيل بعضهم ومن ثم جمعهم على وليمة طالبانية عامرة بما لذ وطاب ثم يودع بعضهم بعضا بعد ان انقلبوا الى اعداء ودق بينهم (عطر منشم)؟ اذا لم يفلح الطالباني في هذا المسعى وهذا متوقع اظن ان الطريق تصبح سالكة ليس لحرب اهلية كما يتوقع البعض وانما لوضع كردستان على بداية الطريق كدولة مستقلة عن العراق وقد يصطرع السنة والشيعة على ما تبقى ويصلون في النهاية الى بوابات الحرب الاهلية وتصفية الحسابات بقوة السلاح او الانشطار الى دولتين ويصبح العراق سائرا على خطى يوغسلافيا . فهل يعي المتناحرون ذلك؟ وهل يعرف الرئيس طالباني صعوبة المهمة  وخطورتها؟

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2001 السبت 14 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم