أقلام حرة

عبد الكريم قاسم .. النزاهة الاسطورية / مصدق الحبيب

في دائرته البسيطة والتي لاتزيد بأي اعتبار من الاعتبارات عن اي دائرة لموظف صغير في اقصى ناحية من نواحي العراق. ينام برغد بين شرشفين متواضعين مثل الملايين من اشراف العراق البسطاء. فلا قصور مزينة بالعاج والمرمر او محاطة بغابات اوبحيرات اصطناعية، ولااثاث باذخة مستوردة، ولااساطيل من المرسيدسات المدرعة، ولا طائرات خاصة، ولانواد او جزر معزولة للراحة والاستجمام ،  ولاعطل او اجازات مترعة بالترف والاسراف ، ولاجوارٍ اوخليلات او عاشقات ، ولافيالق من رجال الحماية المدججين بأعتى الاسلحة، ولافرق من الطباخين المتخصصين لتحضير عشرات الوجبات اليومية للتحسب والحيطة!! كتلك التي كانت ترمى في المزابل كل يوم في عهد المجرم الخسيس صدام في وقت ينام فيه الملايين من اطفال العراق جياعا وهو الذي يتكرم احيانا على بعض المواطنين المحظوظين بزيادة مخصصاتهم الشهرية بربع كيلو شكر او بنصف صابونة كمكرمة جمهورية في بلد يغص بالثروات!!

 782-musadaq1

لقد كان الزعيم قاسم بحق ابن الشعب البار،وهو الابن لاب عربي سني وام كردية شيعية، الامر الذي جعله رمزا لوحدة الدم العراقي وتلاحم قومياته. القائد الشجاع المخلص الذي ستكن له الاجيال الحاضرة والقادمة من العراقيين كل الفخر والاعتزاز، وتتشرف بكونه من قاد ثورتهم الحقيقيقة الشعبية الاصيلة واسس جمهوريتهم الاولى، ذلك الرجل ، المثال الصادق للوطنية والعفة والاباء.

 

لقد قيل وكتب الكثير عن قاسم وقيادته للثورة وزعامته للحكومة، واختلف الاكثرمن العراقيين حول سياساته وتقلباته واخطائه، وماتحمله من قسط فيما لحق بالثورة من خراب وماادى الى اجهاظها. ولكن لم يختلف احد منهم قط على شرفه وصدقه واخلاصه للوطن والشعب، واعترف العدو والصديق بزهده ونزاهته الاسطورية التي قاربت نزاهة الانبياء! واستقلاليته السياسية الحقيقية فهو رجل الدولة الفريد الذي لم يرتبط لابالمعسكر الغربي ولا الشرقي ولم تشده وشائج المصلحة والانتفاع لاي طرف، ولم يشتر ذمم احد ولم يساوم على شرف وكرامة شعبه.  ولذلك فلم يكن يدرك البعض المجحف المعنى الحقيقي لكلمة الدكتاتور او الطاغية حين وصموه زورا وبهتانا بهما ذلك لانهم لم يكونوا قد عرفوا بعد الدكتاتور الحقيقي والطاغية الاصلي الذي جثم بعدئذ على صدر البلاد كـ (غولٍ من حديد من حجار..سف الحياة، فلا حياة من المساء الى النهار!!)

هل من احد ان يدلني على اي سياسي او رجل دولة في التاريخ الحديث لم ينتفع حتى بفلس واحد من موقعه السياسي؟ فأي دكتاتور ذلك الذي يموت ولم يترك سوى ستة عشر دينارا وهو ماتبقى من راتبه الشهري الذي كان يتقاسمه مع اخته التي اهتمت بطعامه وحاجاته الشخصية! واي دكتاتور هذا الذي لايكلف الدولة حتى ثمن نفر الكباب الذي كان يرسل الجنود لشرائه من ساحة الميدان؟ واي دكتاتور ذلك الذي لم يستخدم المخصصات الشخصية المتعددة المتوفرة لمنصبه الاعلى، وليس له ملكا عقاريا، ولاحسابا مصرفيا، ولامدخرات. كما ان ليس هناك احد قط ممن استفاد زورا من افراد عائلته واصدقائه وابناء مدينته او عشيرته! فذاك اخاه الذي عاش ومات كاسبا بسيطا ، وتلك اخته التي طالبت يوما بتمليكها بيتا فما كان منه الاان يأخذها الى مدينة الثوره ليريها آلافا من صرائف الفقراء المعدمين ويقول لها: انظري كم من هذا الشعب ليس لديهم بيوتا. ستملكين بيتا حين يتمكن هؤلاء الناس من امتلاك بيوتهم . اليس هذا من قبيل مافعل الامام الجليل علي في زمن خلافته حين وضع الجمرة في كف اخيه ردا على ماطلب منه من مال؟؟ وقال له ان اي درهم اعطيك انما هو من اموال الامة التي ليس لدينا اي حق في الاستحواذ على اي منها!! واي دكتاتور وطاغيه ذلك الذي فاض عفوه وتسامحه فأفرط بشمول اولئك الشراذم الذين تلبسوا بجرائم الخيانة الوطنية الكبرى!!

782-musadaq2وليس هناك اختلاف لدى العراقيين على شجاعته واقدامه. فهو الوحيد من بين نخبة كبيرة من المع الضباط الاحرار الذي حاز على ثقة واحترام الجميع واستحق الاضطلاع بدور القيادة وتمكن فعليا بتفجير الثورة بكفاءة مشهودة. وكرئيس للحكومة كان شجاعا في مجابهة اذناب الاستعمار والنفوذ الجبار لشركات النفط وقوة الاقطاع الضاربة التي حولها المستعمر الانكليزي الى غابة من الثعابين الشرهة التي امتصت حياة الفقراء وذللتهم الى العدم! ولاينسى احد مقاومتة الفردية الباسلة في وزارة الدفاع خلال اليومين الاخيرة من حياته وهو الرجل الصائم في شهر رمضان. وحين غرر به المجرمون وقرروا اعدامه ورفاقه الثلاثة، واجه النهاية المحتومة بشرف وبسالة، فرفض ان يشدوا جسده على الكرسي اويعصبوا عينيه . اليس ذلك مثالا في الشجاعة والاقدام ان يصر على النهوض هاتفا بحياة الشعب العراقي قبل ان ينهال على صدره وابل الرصاص؟

فليبقى للشهيد البطل المجد والخلود ابد الدهر، وليس لقتلته المجرمين الخاسئين غير الخزي والعار.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2026 الجمعة 10 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم