أقلام حرة

أحاديث على بوابة قمة بغداد (2) / ما بين سرت وبغداد

أولهما مؤتمر القمة العربي السابع الذي جرت اعماله في الأيام ( 2-5) من شهر تشرين الثاني عام 1978 م، والثاني مؤتمر القمة العربي غير العادي السابع الذي عقد في الفترة (28-30) ايار 1990 م . غير أن الشئ المميز لقمة بغداد المنتظرة هو انعقادها وسط متغيرات تميزها عن الظروف التي كانت تؤطر قمم العرب في نسخها القديمة، وفي مقدمة ذلك غياب بعض من الزعامات التقليدية التي كانت مؤثرة في صناعة قرارات ما أقيم من قمم عربية على خلفية ابرز النتائج المباشرة لتداعيات ماجرى الإشارة أليه باسم (الربيع العربي )،تعبيرا عن موجة التغيير التي شهدتها بعض البلدان العربية في العام الماضي 2011 م، في أعقاب شرارة (البوعزيزي) التي أشعلت الشارع التونسي، وأيقظت في نفوس شعب تونس الخضراء عناصر مهمة إجبار زعيمها زين العابدين بن علي التخلي عن كرسي الرئاسة والرحيل خارج البلاد، فكان ان غادرها مكرها بعد إعلانه مقولته الشهيرة (أنا فهمتكم الآن)، ثم مالبث أن اضطر الرئيس المصري محمد حسني مبارك إلى مغادرة القصر الرئاسي وتسليم مقاليد الأمور إلى نائبه الذي سرعان ما اضطر للتنازل عنها أمام الضغط الشعبي إلى قيادة الجيش التي لم ترق هي الأخرى إلى اغلب الشرائح الاجتماعية . أما الزعيم الليبي معمر القذافي الذي ضيف الملوك والرؤساء والأمراء العرب في قمة سرت التي تعد قمة تاريخية، بوصفها آخر القمم العربية التي عقدت في مرحلة ما قبل الثورات الجماهيرية (الربيع العربي )، فقد انتهت ولايته التي تجاوزت الأربعة عقود من الزمان بتدخل حلف الناتو إضافة إلى جهد بعض البلدان العربية في مهمة الإطاحة بعرشه الذي كان شديد التمسك به، ومن ثم اغتياله على أيدي (ثوار ليبيا) على خلفية تدمير موكبه بصواريخ طائرات حلف شمالي الأطلسي .وقد كان آخر ضحايا الربيع العربي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي لم يكن راغبا  بتسليم مقاليد السلطة لولا الضغط الخليجي الذي خرج من معطف المبادرة الخليجية، وربما لا يكون صالح الزعيم العربي الأخير ؛ فالقادم من الأيام يحمل بين ثناياه الشئ الكثير في زمان اعد له أن يحمل مختلف السيناريوهات من اجل إحلال التغيير في المنطقة العربية .

وبصرف النظر عما آلت أو ما ستؤول أليه مجريات الربيع العربي، فان قمة بغداد المنتظرة تكتسب أهميتها من طبيعة الظروف الموضوعية المحيطة بالفضاء العربي، التي تستلزم استلهام القادة العرب موجبات التغيير وضروراته، إضافة إلى الحرص على اعتماد الخيارات السليمة نهجا قويما لضمان تحرير العقل العربي من مختلف العقد والرواسب في السلوك والتفكير.

أيام قليلة تفصلنا عن افتتاح قمة بغداد ونحن نتطلع إلى موقف عربي متوازن يتجاوز التوجهات العقيمة التي تعود بنا إلى صلات مع تاريخ ضارب بخفايا الفرقة والنزاعات والاتهام بالمؤامرات وغيرها من النشاطات التي تسببت في أباحة الدم الفلسطيني والمتاجرة بالقدس الشريف والتراب الفلسطيني، فضلا عن الإضرار بوعي العرب لدورهم الإنساني والحضاري.

ترى هل سينجح القادة العرب في الاتفاق على إعادة اللحمة العربية وإحلال مصالح بلدانهم محل مصالحهم الشخصية ؛ من اجل صياغة توصيات تغاير بمضمونها نتاج القمم السابقة، وتخفف من هموم الإنسان العربي المثقل بجراحات الماضي؟ وهل سنشهد بادرة تثلج صدر المواطن العربي وتزيح عنه ما علق به من ركام آثام السياسة ومكابداتها ؟.

إنها أمانة في أعناق القادة العرب، تستلزم صيانتها صدق النوايا والحرص على استقلالية القرار الوطني، وتلك الأيام نداولها بين الناس .


المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب صحفي .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2069 السبت 24 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم