أقلام حرة

الربيع العربي في سوريا .. كيف خدع الأسد / مهدي الصافي

 المتبادلة بين سوريا والمملكة العربية السعودية (حديث فاروق الشرع وزير خارجية سوريا حول السعودية، وعن دورها المشلول أو المعطل أمريكيا، والإحداث المرافقة لاغتيال الحريري وقمة دمشق 2008)،

استطاعت المملكة العربية السعودية أن تخدع النظام السوري وتجر أقدامه إلى المستنقع الإرهابي في العراق، تحت قراءات سياسية سورية خاطئة، فهمت مسألة الرفض السعودي لاستخدام أراضيه منطلقا لضرب العراق عام 2003، على انه اعتراض رسمي ضد عملية تغيير النظام البعثي الحاكم في العراق عسكريا، وعدم رغبة المملكة ودول الخليج بعودة عواصف الصحراء إلى المنطقة، خوفا من النتائج، التي أثمرت بالفعل ربيعا عربيا اقتلع جذور الاستبداد من بعض الدول،

فقد اندفعت المخابرات السورية في اتجاه خسارة اكبر حليف إستراتيجي تاريخي في المنطقة، من خلال استقبال وفتح معسكرات التدريب للانتحاريين القادمين من السعودية وبقية الدول الأخرى (علما إن التواجد السعودي الديني أو الوهابي والسلفي موزع على معظم الدول الإسلامية)، والزج بهم في عمليات ارهابية انعكست سلبا على جميع الدول بما فها سوريا،

الخلل في استقراء وتحليل الوقائع والمتغيرات السياسية التي أعقبت نهاية القطب البارد السوفيتي، هو الذي سمح باندفاع أشرعة الربيع العربي مؤخرا إلى سوريا، ومن الغريب في السياسة العربية الفوضوية، أن نرى وقوف النظام السوري إلى جانب ليبيا في معركة الخلاص من الدكتاتورية القذافية السابقة، بعد أن حاول جاهدا التلاعب بورقة التدخلات الخارجية في الشأن العراقي (ومن قبل اللبناني والفلسطيني، ثم خسر اغلب تلك الملفات، وانسحبت حماس إلى قطر بعد نفاذ الغاية من الوجود في سوريا) ومن ثم عودة العراق الحالي للدفاع عن الدكتاتورية السورية (مع الفرق بين نظام الدولتين)، السبب ان النظام السوري وبقية الأنظمة العربية غير قادرة على فهم الدور السعودي التاريخي في المنطقة، فبعد أن تغيرت لعبة شرطي المنطقة عام 1978-1979 نهاية حكم شاه إيران، وتحول الجار الشرقي إلى عدو أكثر خطورة من الكيان الصهيوني من وجهة نظرهم،

تحولت الأنظار والأفكار لقواعد التخطيط الإستراتيجي الأمريكي في المنطقة العربية والإقليم المحيط به، إلى نظام حسني مبارك السابق والدور السعودي (وهم سواعد الإدارة الأمريكية في المنطقة،  وقصة التجربة الأفغانية الطالبانية، وإحياء مشروع الجهاد العربي معروفة للجميع)،

وعندما أزاحت سواعد الربيع العربي بعض الأنظمة المستبدة ومنها نظام حسني مبارك، أصبحت دفة قيادة المنطقة بيد المملكة العربية السعودية (أنظمت لها قطر مؤخرا)، الاستفاقة المتأخرة لنظام بشار الأسد لايمكن أن يسد أبواب الجحيم المفتوحة عليه، ولا احد يستطيع أن يقف مبدئيا ضد طموحات اي شعب يريد أن يتحول من النظام الشمولي الوراثي إلى النظام الديمقراطي التداولي للسلطة، وهم ينظرون إن وقفة العراق مع الحكومة السورية نابع من منطلق أخلاقي وطائفي، وليس اعتقادا إن النظام القائم هو أفضل الأنظمة، لان الحكمة تقضي ان أي دولة ديمقراطية حديثة، عليها ان تكون حذرة من أي دولة جارة، نظامها السياسي قائم على نظام الحزب الواحد الدكتاتوري (لان التاريخ يشرح خطورة إن يكون قرار بلد بأكمله بيد شخص واحد). على إن الفخ الطائفي الذي ينتظر سوريا في حال انهيار الدولة هناك،  سوف يؤثر على مستقبل العراق والمنطقة برمتها، بمعنى أخر إن القوى البديلة للنظام السوري هو نظام شبيه بدول الربيع السلفي، وهو نظام طائفي خطير، ولهذا تعد المخاوف المتبادلة من قبل الطرفين مخاوف مشروعة، ولكن إلى متى يمكن ان يصمد النظام السوري بوجه الاحتجاجات الجماهيرية الملطخة بالدماء، مع وجود هذا الإصرار الدولي المطلق لتغير النظام، وقلع جذوره إلى الابد (عدا بعض دول الفيتو والمنطقة،  وهي محرجة من مواقفها)، إن دماء العراقيين الأبرياء من ضحايا العمليات الإرهابية القادمة والمدعومة من سوريا، هي التي تنتقم من كل المتورطين فيها، ولكن هل هناك مخارج عملية وأخلاقية للمأزق السوري،  دون ان تسجل خسائر بشرية إضافية، أو بدون وقود الحرب الطائفية، وخصوصا عندما تكون هذه الدولة من دول المواجهة  والمتصدية للخطر العدائي الخارجي(كالعدو الإسرائيلي)، يمكن أن تتقبل الجماهير شكل النظام الشمولي المعتدل لمدة معقولة،  عندما تكون مؤسساته وأجهزته الأمنية والعسكرية مستنفرة بالكامل(طلاب المدارس في سوريا يرتدون الزي العسكري استعداد للطارئ المخيف)، المحتشد والمعبأ والمستنفر داخليا للمؤامرات الخارجية، وإلا فالسعودية والبحرين مثلا أولى بالديمقراطية من غريمتهما سوريا (ولكن الدول الرأسمالية الامبريالية اعتادت على الكيل بمكيالين)،  تبقى معضلة القبول بهذه الصورة القديمة المتخلفة في أنظمة الحكم الحديث (يكاد يخلوا العالم من الدول المستبدة عدا بعض الدول الأفريقية والعربية)، خاضعة للزمن القصير القادم،  فقد صارت القرية الكونية أكثر التصاقا وتماسكا بين قواه الحاكمة، المسيطرة على فلاحي تلك القرية.

إن سفينة الرئيس بشار الأسد يبدوا إنها سائرة إلى طريق الغرق، وسبل تحويل أو تنفيذ بنود خطة عنان بتحويل السلطة للسيد(المختفي)فاروق الشرع هي أفضل السبل الكفيلة بالخروج من نفق انهيار الدولة، لضمان تطبيق عملية انتقال السلطة(على غرار التجربة اليمنية الأخيرة)، لان حظوظ بقاء الأقلية العلوية في السلطة باتت ضئيلة، في مقابل معسكر المواجهة المتمسكة بالحاجة الإنسانية الملحة للتغيير،  وبشرعية مطالب الجماهير، في اختيار ممثليهم بحرية وعبر صناديق الاقتراع، بحيث يمكن ان تصب جهود الحكومة العراقية في إحياء هذا المسار، وتشجيع عملية انتقال السلطة بهدوء مع كفالة بقاء المراتب العسكرية والحكومية على ماعليه سابقا، إضافة إلى أعداد خطة لانتخابات الرئاسية المستقلة، ومن ثم امتصاص غضب المحتجين، وإيصال رسالة اطمئنان لكلا الطرفين، حول مستقبل الاستقرار الاجتماعي والوطني في سوريا.

لقد خدع الرئيس بشار الاسد عندما سمح بتغذية التيارات السلفية والحركات الإرهابية في العراق (والسماح بعودة الحركات السلفية كحركة إخوان المسلمين إلى مراكزهم الأولى)، ضننا منه ان  هذه الرسائل الدموية يمكن لها إن تزعج الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ويمنعه من تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولكن جاءت رياح التغيير من جبهات غير محسوب لها حساب، وما تجربة الأفغان العرب إلا دليل على تقلب أفكار وأراء وفتاوى تلك الحركات، وانقلابها  على الدول العربية الداعمة لها، إن الخطر الوهابي السعودي في المنطقة، هو بمثابة خطر الفتنة الطائفية المستعرة حاليا في عموم الدول العربية والإقليمية، وحملة دعاة عودة الخلافة الإسلامية(الذين اصطدموا فيما بينهم في تلك المسألة)إلى الدول العربية، حملة يراد منها مواجهة مايسمى بالمد الشيعي(الهلال الشيعي)، مع رفع شعار طاعة أولياء الأمر أصحاب السمو والسعادة من ملوك التوريث والاستخلاف، والتحالف مع وعاظ السلاطين للحفاظ على الذات الملكية أو الأميرية المقدسة، وإلا كيف نفهم الانزعاج السعودي الغير مبرر من الحكومة المصرية  حول بعض الأحداث العادية المتعلقة بقضية اعتقال المحامي المصري في السعودية (احمد الجيزاوي واتهامه بحيازة مواد مخدرة بينما الرجل ذاهب لأداء مناسك العمرة، وقد يكون انه حمل معه أدويته الشخصية)، ولكن نحن نفهم تباطأ الدعم السعودي لمصر الجديدة، لأنها تعد خسارة النظام المصري التقليدي، بما فيهم حسني مبارك انهيار لأهم شريك وحليف إستراتيجي،  قاد المنطقة إلى حروب وأزمات وكوارث عبثية (بدأ من حروب الخليج الثلاث1980-1991-2003، وصولا إلى حركة الأفغان العرب، وانهيار احد أعمدتها التاريخية، تلك البوابة المغلقة بوجه دول التحدي والصمود بوجه التوسع الإسرائيلي في المنطقة العربية.

هل سينتهي هذا الملف على خير، أم سننتظر لغة السحل والتدمير والتخريب وهي تطال شام العروبة وتصيب شعبها الطيب بمكروه،  وتحل عليهم شارة بغداد المؤذية.

 

مهدي الصافي


 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2109 الخميس  03 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم