أقلام حرة

صورة لها دلالا ت...تركيا تتوسط العراق وسوريا في مقر الجامعة العربية

عند المواطن العربي العادي وايمان قاطع ان الصراع او المعارك التي كانت قائمة هي من جانب واحد، أي بمعنى ان الدول العربية كان واجبها فقط ان تعلن قبولها بما يمليه عليها الطرف الاخر، وكأنه قدرا محتوما هذا طبعا بعد أن تدخل معركة تعبأ لها أعلاميا ثم يتحول الأمر تدريجيا الى قبولا تكتيكيا بالأمر الواقع ثم انسحابا ايضا تكتيكيا من المعركة للمحافظة على مقدرات الامة والتحضير لجولة اخرى وهي في الحقيقة هزيمة اخرى سياسية وعسكرية؛ ولو حدث ان سوق نصرا ما فهو في الحقيقة بقاء السلطة أو ما يسمى خطأبالنظام في الحكم فهذا هو النصر عند السلطات العربية، وإذا أردنا أن نتجاوز النصف الأول من القرن العشرين نجد إن الهزائم هي المسيطرة على مجريات الامور في الوطن العربي فابتدءا من فقدان فلسطين في 1948 ومرورا بعدوان 1956التي شاركت فيه كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل ولولا الإنذار السوفيتي لحلت الكارثة في مصر ثم الهزيمة الكبرى في 1967وفقدان سيناء والجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والتي سميت نكسة تخفيفا على ذهنية المتلقي، ثم الضربات الجوية الإسرائيلية على العمق المصري أثناء ما أطلق عليه حرب الاستنزاف التي وصلت الامور فيه إلى حد تدمير الدفاع الجوي المصري عام 1969 ثم جاءت حرب اكتوبر أو حرب تشرين عام 1973والتي أبلى فيها المقاتل العربي وخصوصا المصري والسوري بلاءا حسنا لكن كانت النتائج سياسيا هي هي وذلك لان القائمين على الأمر آنذاك أرادوها حربا محدودة لاحربا طويلة الأمد تتحقق فيها الأهداف التي ترجوها الجماهير ؛فقد دخلت الساحة العربية بعد حرب تشرين مرحلة قبول الإسرائيلي كشريك كامل الشراكة في المنطقة والشراكة الكاملة تعني الشراكة الثقافية والاقتصادية بالإضافة إلى الشراكة السياسية وقد لعب هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في عهد نيكسون دورا مهما في هذا المجال حيث رعى اتفاقيات فض الاشتباك بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ثم بعد استلام جيمي كارتر الإدارة في أمريكا تولى هو شخصيا هذه المهمة، ورغم ذلك كان التطبيع الذي تطالب به كل من إسرائيل وأمريكا يصطدم بتراكمات كبيرة ثقافية ودينية وسياسية كان من الصعب على المواطن العربي العادي أن يستسيغها في الوقت الذي كانت فيه أوساط التطبيع تركز على ان الحاجز نفسي وليس ثقافي لكن كانت النتيجة اجتماعيا هي عينها، رغم ان السلطة العربية وفي كل ارجاء الوطن العربي عندما تريد شيئاما فانها تسوقه على انه الحق المبين ولابد ان يقبل من قبل ابناء البلدعلى عواهنه ؛لكن القضية مع اسرائيل كانت مختلفة، خصوصا عند الشعب المصري فانه رافض باغلبيته لهذه الخطوة أي خطوة التطبيع مع اسرائيل ، لكن امام هذه الخطوات العربية ماذا كانت ردود اسرائيل؟هوالامعان في سياسة العدوان والضغط حيث قامت إسرائيل بغزو جنوب لبنان عام 1978وسط سكوت أنظمة التطبيع وتفرج أنظمة كانت تقول إنها تتهيأ للحرب لكن عندما جاءت الحرب اّثرت هذه الأنظمة الصياح فقط ثم وصلت الامور إلى عام 1982 عام الغزو للبنان والوصول إلى بيروت وإبعاد منظمة التحرير الفلسطينية من هذا البلد وقد حدثت في هذه الأثناء مجزرة صبرا وشاتيلا، على يد ميليشيات القوات اللبنانية وبإشراف شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بعد ذلك جاء دور العراق وحربه مع إيران وغزوه للكويت عام 1990ومن ثم ضربه من قبل ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة ثم جاء الحصار على العراق في كل شيء وعلى كل شيء انتهى بغزو هذا البلد المهم واحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 .الى هنااتوقف في سرد الأحداث وأورد هذا السؤال ماذا كان دور الجامعة العربية بمؤسساتها وقممها ومؤتمراتها ؟اما بالنسبة لفلسطين فهي عموما كانت صدى للأنظمة العربية والتي هي بنفس الوقت صدى لمن نصبها فكانت المسارات تسير بمعزل عن هذه المؤسسة التي وقفت متفرجة كما وقفت متفرجة على موقف الحكام عندما تقوم إسرائيل بأي عملية عسكرية ضد أي دولة عربية بعد ذلك تحولت هذه المؤسسة إلى جسر للوصول إلى إسرائيل من جعل المبادرات الشخصية إلى مبادرات مصدق عليها من قبل مؤسسة القمة العربية كما حدث مع مبادرة عبدا لله بن عبد العزيز في بداية العقد الأول من القرن (21) فتحولت من مبادرة الامير او الملك عبد الله فيما بعد الى المبادرة العربية والتي ما ان اعلن عن جعلها عربية من خلال القمة العربية حتى ضيق الخناق اكثر على ياسر عرفات كاشارة من اسرائيل بانها هي وامريكا التي ترسم السياسات في المنطقة وليس الجامعة العربية، ويجب ان لاننسى حرب تموز عام 2006 على لبنان والعدوان على غزة اواخر 2008 وبداية 2009والحقيقة ان دولاغير عربية كان لها موقفا قويا في هذا المجال اشرت العديد من النقاط ومن هذه المواقف موقف تركيا فقد اخذ الدور التركي يثير التساؤل ويجب ان يثير اكثر من سؤال، لماذا تركيا ؟ولماذا الان ؟قد يجاب عن هذين السؤالين ب الم تكن تركيا دولة مسلمة وجارة للعرب ويهمها مايهم العرب فتتوسط بينهم وبين اسرائيل، ومن حق رئيس رئيس الوزراء التركي ان يبدي غضبه تجاه حديث شمعون بيريز في سويسرا ويترك المؤتمر واعني به مؤتمر دافوس والذي حاول امين عام الجامعة العربية ثنيه عن الخروج من المؤتمر دون جدوى، وقد يقول قائل ان تركيا لها الحق بان تهتم بشؤون الدول العربية فهي حكمت المنطقة اربعة قرون ويزيد فأين المشكلة ان تدخلت تركيا او ساهمت في رسم سياسة المنطقة لابل تتوسط بين الدول العربية كما الحال في الازمة بين العراق وسوريا في اعقاب تفجيرات ما اطلق عليه الاربعاء الدامي فعلى الفور تم قبول الدور التركي من قبل الطرفين وسلم الوزير التركي وثائق تدين سوريا وفي صورة لها دلالات عديدة اهمها اعلان مؤسسة الجامعة العربية افلاسها سياسيا ودبلوماسيا او قل شللها التام فقد عقد اجتماع في مقر الجامعة العربية وبرئاسة عمرو موسى يتوسطهم الوزير التركي وقد قام بتسليم الوزير السوري وثائق سلمها اياه الوزير العراقي، ولو عدنا الى تسعينيات القرن الماضي حيث حدثت ازمة بين تركيا او بالاحرى ان تركيا قد احدثت ازمة بينها وبين سوريا حول وجود عبد الله اوجلان الزعيم الكردي التركي المتواجد في سوريا حيث حشدت تركيا جيوشها على الحدود السورية فاراد الرئيس المصري حسني مبارك التدخل لحل الازمة ؛رفضت تركيا الوساطة ؛لابل رفض الرئيس التركي سليمان ديميريل ان يستقبل الرئيس المصري الذي عاد دون ان يخرج من طائرته ؛هل نسيت مصر وسوريا والجامعة العربية هذه الواقعة حتى يتوسط وزير خارجية تركيا الجلسة وهو يستمع الى افادات الوزراء العرب في مقر جامعتهم وبحضور الامين العام، قد يقول قائل مالك تقلب هموما قديمة قد اكل عليها الدهر وشرب ونحن اليوم امام تحديات كبيرة ومن نوع اخر ؟اقول ان المسالة هي في الارادات والستراتيجيات ؛فتركيا وان نعتقد انها تتحرك بمباركة امريكية فهي عنصر فاعل في الحلف الاطلسي، ولها علاقات وثيقة تجارية وعسكرية وطبعا سياسية مع اسرائيل، كما انها تقف بمنافسة على النفوذ في المنطقة مع الضد المذهبي والقومي والمنافس التاريخي لها واعني ايران، لكنها في نفس الوقت امة لها ثوابتها السياسية ولها تطلعاتها التي لاتحيد عنها ولها نظامها السياسي المعروف والثابت حيث نجد ان متطلبات توركت اوزال العلماني لاتختلف عن متطلبات نجم الدين اربكان ؛كما ان طروحات حزب الشعب العلماني لاتختلف في الستراتيجيات عن طروحات حزب العدالة والتنمية الامر الذي نفتقده في العالم العربي حيث لاثوابت وحيث لانظام عربي اصلا فما موجود مجرد سلطات وحكام يصارعون من اجل البقاء في الحكم لاغير، ومن المضحكات المبكيات في هذا الامر ان كلا الطرفين المتنازعين العراق وسوريا لهما مشاكل عديدة مع تركيا اهمها مشكلة المياه، والتحدي الاخر بالنسبة لسوريا هي مشكلة الاسكندرونة والعلاقة مع اسرائيل، واما العراق فهناك الموصل وكركوك واطماع تركيا فيهما والتدخل التركي فيما يخص الاقلية التركمانية في العراق، ولاادري كيف سيتصرف المفاوض العراقي والسوري حول المياه مع المفاوض التركي وهما في هذا الضعف الستراتيجي، وان قال قائل ان هذا منفصل عما تتناوله اقول له ان المياه بالنسبة لتركيا واي جانب اخر هي مسالة ثوابت وعنصر ضغظ على الاخر، ان الذي جرى ينبا ان تركيا ستكون موجودة في كل شاردة وواردة في دنيا السياسة العربية، فاوراق ضغطها متعددة واوراق جذبها للمنطقة ايضا متعددة فلديها اوراق ضغط تاريخية وجغرافية (طبيعية وسياسية) والاهم من ذلك اوراق الجذب المذهبية والتي لم تستطع الدول العربية الاان تلعب به فهو وان كان قضية عقائدية لكنه وتر حساس وعاطفي تلعب عليه هذه الحكومات، لاقناع شعوبها بانها تحافظ على كيان الامة.الحقيقة ان الجامعة العربية قد ترهلت وعجزت حالها حال الحكام العرب، وان هي اصلا خلقت كي لاتحل مشاكل العرب، لكن كان بالامكان ان تطور عملها لو توفرت الارادة الرسمية في البلدان العربية او لو تطور او تغير الحال السياسي العربي عما هو عليه الان من عجز يصل حد الشلل التام يعيق عن القيام بكل عمل ولو مجرد التعبير ,ان الصورة التي ظهرت فيها الجامعة العربية في قضية العراق وسوريا يجب ان يكون الاعلان الرسمي لوفاة مؤسسة الجامعة العربية,قبل ان ينبري احدهم ويعتبرها نكسة سياسية .

 

رائد عبدالحسين السوداني

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1196 الثلاثاء 13/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم