أقلام حرة

حملة اجتثاث البعث من وزارة التعليم العالي / مهدي الصافي

انقبض وانشد وجهي وبدني لرؤية بعض الوجوه البعثية المخضرمة فيها، رغم إنني لا اعرفهم لاني لم أزرها مسبقا،

ولكن اللغة والخطاب والاستقبال الوظيفي القديم للبعض منهم، تجده واضحا في تعاملهم مع المراجعين، هذا فضلا عن إن اغلبهم قد عشش في هذه الوزارة، منذ أن كانت تمتنع عن منح الطلبة المغتربين وثائقهم الدراسية، إضافة إلى اشتراكها في جريمة ترقين قيود الطلبة، لزجهم في محرقة قادسية عفلق.

الاجتثاث والاستئصال وقطع الأرزاق عن هؤلاء الموظفين، أو ممن يعملون كأساتذة، أو عمداء، أو في وظائف إدارية مختلفة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات التابعة لها،

أمور مؤذية للشخص (المعني بملاحقة هذه الملفات) النزيه والملتزم بمبادئه الإسلامية، أو الأخلاقية، أو حتى السياسية والفكرية،

لأنها حتما ستطال مستقبل هذه الطبقة المعنية بالاجتثاث، ومستقبل أولادهم وسمعتهم

(لكل عملية ثورية أو تغيير سياسي هائل هناك ضحايا، ولكن هل يمكن اعتبار أزلام البعث بأي شكل من الأشكال ضحايا، أنا لا اتفق تماما مع هذا الرأي)،

ولذلك فهي تعد ظاهريا بمثابة عملية انتقامية، لكنها بالطبع لاتعني ذلك، بل هي عملية تخليص مجتمعنا المظلوم من بقايا هذا الشر الجاثم على صدورنا وعقولنا بذكرياته المؤلمة،

لذلك خضوعها للقواعد القانونية والدستورية ترفع عنها تلك الصفة (كقانون المساءلة والعدالة)،

وعليه فمن واجب كل هذه الأصوات الرافضة لهذه العملية الضرورية لإنصاف بقية شرائح المجتمع، إن تلوذ بالصمت وتبتعد عن وسائل الإعلام، للتصريح ضد هذه الإجراءات (التي هم السبب الرئيسي فيها)، لأنها لاتخدم مصالحهم الشخصية القاضية بالابتعاد عن مواجهة الشعب والقانون والتاريخ.

(مع الملاحظة إن بعض أفراد هذه الشريحة لاينطبق عليها قانون الاجتثاث لأنهم كانوا بعثيين بالاسم فقط، ولم تثبت عليهم إدانات واضحة)

ولكنه أمر رماه لنا مره، يلتف حول أعناقنا أينما ذهبنا، بعض هؤلاء كانوا ولازالوا يعملون بالعقلية البعثية السابقة، ويشكلون بتواجدهم في هذه المؤسسات عقبة حقيقية بوجه الكفاءات والخبرات والطاقات العراقية المحرومة من حقوقها منذ عقود (وهو حرمان متوارث منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة)، الراغبة بالعودة إلى أوطانهم، التي لم تسنح لها فرصة واقعية ملموسة حتى ألان من اجل العودة إلى مراكزها ومواقعها الطبيعية في مؤسسات التربية والتعليم وبقية المؤسسات، وهو أمر تطرقت إليه الحكومة وبعض الشخصيات البرلمانية والسياسية في أكثر من مناسبة، (دمجت المليشيات في المؤسسات العسكرية والأمنية ولم تدمج الكفاءات والطاقات وخريجي الجامعات في مؤسسات الدولة) لكنه لم يفعل بشكل جدي من قبل مجلس النواب ومجلس الوزراء العراقي وكذلك الوزارات المختصة (كتخصيص مكتب أو لجنة وزارية تعنى بالطاقات والكفاءات العائدة من المهجر)

وهذه خسارة وطنية وعلمية وثقافية كبيرة، لان الهجرة لاتُعلم الإنسان أن يذوب في حب وطنه فحسب، وإنما تعطيه تجاربه خبرات الحضارات وثقافات الشعوب التي عايشها وتداخل معها (فضلا عن اقتباس علومها المتطورة، إذا ما قورنت بعراق ماقبل التغيير، المليء بالكوارث والحروب والحصار والانغلاق).

إذا كان طلب استجواب وزير التعليم العالي والبحث العلمي على خلفية تخليص وزارة التعليم العالي من بعض الموظفين والأساتذة (القريبين من سن التقاعد)،

وتغيير دماء المؤسسات التعليمية التابعة لها فهذا أمر مطلوب، بل ودستوري فضلا عن كونه عمل إنساني وأخلاقي

(مع ضمان حقوق من يشملهم الاجتثاث أو الإحالة على التقاعد)،

لانه سيقف مع إرادة الشعب والمجتمع العلمي والتربوي

(دون ان تكون دوافع الاستجواب في البرلمان الخاصة بوزير التعليم العالي-

السيد علي الأديب متعلقة بقضايا فساد مالي أو إداري، فهذا بحث أخر ليس هنا مجال الحديث عنه، وهو أمر قضائي ومتعلق بهيئة النزاهة، مع إنها لازالت قضية اخذ ورد مع المحكمة الاتحادية )

 

أما الحديث عن طائفية الفعل وأبعاده الانتقامية، فهذه مسائل لايمكن الجزم بها، مع إن خلفية الوزير أو الحكومة لابد إن تكون من الأغلبية السكانية الحاكمة،

والعراق لايحكم كما يعرف الجميع بهذه الطريقة الديمقراطية الحديثة المعتادة، بل أحيانا نشعر إن بعض الأقليات والمكونات الطائفية أو العرقية قد تساوت في تقاسم السلطة مع الأغلبية.

(وفي دول الأغلبية لايمكنها إن تكون طائفية، لأن حكم الاغلبية هو احد اركان اللعبة الديمقراطية، وهذا ما يعمل به في معظم الدول الغربية التي يتواجد فيها أقليات عربية أو مسلمة تفوق حتى نسبة الأقليات الموجودة في العراق، ولكنهم لايشعرون بشكل مباشر بوجود ثقافة عنصرية، لأنهم مؤمنون بحقوق الأغلبية السكانية في الحكم، مع ملاحظة اختلاف وحساسية الاعتبارات الأخرى الثقافية والدينية لهذه المكونات المقيمة في بلادهم)

الكل (داخليا وخارجيا) يدافع عن البعث وبقاياه!

ولا احد يدافع عن الضحايا والمحرمين وفقراء العراق!

الكل يتباكى على الجلاد !

ومقابر الشهداء لم تحفر جميعها!

هل يعلم السادة المدافعون عن البعث، كم عائلة عراقية لأتعرف حتى مكان رفات أبنائها الشهداء؟

وهل كانت ضمائرهم حية أم ميتة عندما سحقتنا الحروب وكوارث النظام البائد دون رحمة؟

هل جاعوا مثلنا أيام الحصار الاقتصادي؟

أم كانت ألسنتهم القذرة مشاركة في ثقافة السب والشتم الموجه لإبطال العراق المعارضين للحكم البعثي الاستبدادي

(كانوا ينادوننا بالقشمر - شروكية - كردي - يا ول - غوغاء-خونة)، لم تتوقف ألسنتهم النجسة عن قذفنا بتهم باطلة،

ويقولون نحن عرب نحمي البوابة الشرقية للأمة العربية بسواعد قائد الضرورة (الذي أخرجوه كالجرذ من حفرته)،

وهل سمعتم في تاريخ العرب إنهم كانوا جبناء يخافون الطفل والشيخ والمرأة العجوز؟

أو يسجن شيخهم أو كبير قومهم،  طفلا أو شيخا أو امرأة دون ذنب

(حتى قبل الجاهلية لم نسمع بما فعله جلاوزة البعث-اغتصبوا النساء في السجون-اعتقلوا الأطفال والنساء والشيوخ لوزر لم يكن لهم فيه دخل، لان ابنهم معارض للنظام)،

كانت الجامعات والمعاهد وحتى المدارس العراقية بما فيها المراحل الابتدائية، مؤسسات بعثية بامتياز، مغلقة فيها المناصب الإدارية والوظيفية الخاصة لمن ينتمي لحزب البعث

(وبدرجات عضو شعبة أو فرقة لعنهم الله-مع إن الموظفين كانوا شيعة وسنة على حد سواء، لان هناك بعثيين من الشيعة أرذل ما خلق الله)،

كانوا يمنعوننا من حضور المحاضرات لمجرد وجود بعض خيوط السواد من لحى الوجه (وعند سقوط الطاغية أصبح هؤلاء عمداء ومدراء الخ.)،

هؤلاء الذين يحتجون علينا بخبراتهم الوظيفية الطويلة، نقول إن احد أهم أسباب بقاء الروتين الوظيفي المعقد في دوائر الدولة، والمؤذي للمراجعين كثيرا، هي هذه الخبرات المتكلسة المتحجرة البعيدة عن روح العصر الالكتروني المتقدم،

هؤلاء لازالوا متمسكين بالنمط الإداري والوظيفي العتيق (والمنقرض عالميا عدا بعض الدول المتخلفة) حتى مع دخول أجهزة الكمبيوتر، وانتشار علم الشبكات الالكترونية في بعض دوائرهم.

(كان عندنا مدير لإحدى المدارس الثانوية وهو بعثي شيعي، كان يطرد احد الطلاب من مقاعد الدراسة لان ابن عمه اعدم بسبب انتماءه لحزب الدعوة، يطرده ويسجله غياب حتى يفصل من المدرسة، عدى من كان يحارب الطالبات المحجبات، ويمارس مهنة التجسس وكتابة التقارير عن الطلبة الملتزمين دينيا، الخ.)

مع إن الحزب لم يقل له افعل ذلك، وهناك الآلاف البعثيين كانوا يمارسون سلطات قمعية شخصية إضافية من قبلهم على المواطنين بما فيهم طلبة الجامعات)،

التهاون مع بقايا فلول البعث الفاشي، هي جريمة بحق الشهداء وضحايا الإرهاب وبحق التاريخ الوطني العراقي، بل هي إهانة للشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته واثنياته، الخ.

الحكومة العراقية مدعوة إلى النظر بجدية إلى ضحايا النظام البائد، من المواطنين العاديين، وصولا إلى أعلى المستويات العلمية والثقافية والاجتماعية،

وبالأخص العوائل والعقول والشخصيات المهاجرة، وهي دعوة ملحة موجهة أولا إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية، وكذلك بقية الوزارات ذات العلاقة، نحن بحاجة إلى مؤسسات عراقية وطنية لإنصاف هذه الشرائح المهمة.

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2113 الأثنين  07 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم