أقلام حرة

المالكي في مدينة التعايش السلمي .. كركوك / مهدي الصافي

على الرغم من ذكريات التهجير ألقسري (الاجباري- القصري) إبان النظام البعثي البائد (للمكون التركماني والكردي من هذه المدينة)،

بقيت تحتضن أبنائها دون تمييز بين طائفة، أو قومية أو دين، حتى بدأت أصوات الفتنة ترتفع فيها، التي ادعت إنها ستقاتل من اجل قدس كردستان، فأصبحت بعد ذلك قدس كل العراق، محذرة من عواقب تعصف بالعملية السياسية برمتها، إلا إن صبر العراقيين طويل على مثل هكذا مزايدات انتخابية.

لا احد يستطيع أن يفسر سبب ذهاب التيار الصدري بشخصية زعيمه السيد مقتدى إلى أربيل، ليشارك الحزب الديمقراطي بقيادة السيد مسعود البرزاني، والقائمة العراقية بقيادة السيد علاوي، والسيدين رئيس البرلمان والجمهورية، فوقع معهم وثيقة الشروط الغريبة المخالفة للدستور، والمحددة بمدة معينة من قبل السيد مقتدى، فكانت وقفة سياسية خاطئة أحرجت جماهير التيار الصدري، وستسبب لهم أزمة انتخابية مستقبلية (انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان القادمة)، ولانعرف لماذا دائما اربيل وليس بغداد

(هل لأنها مصدر المشاكل والأزمات السياسية، وإلا كيف يمكن ان يكون مركز الثقل السياسي الرسمي في العاصمة بغداد، وهو أيضا مصدر هذه الأزمات، مع انه النظام الديمقراطي السليم في بلادنا، والمعني بالاستقرار الأمني والسياسي والحكومي أكثر من غيره)، ولماذا السيد المالكي رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة المنتخب شعبيا وشرعيا عبر البرلمان دكتاتور!

وحكومة إقليم كردستان التي عبدت طريق السيطرة على الحكومة عبر عقدين من الزمن، بالدم وبالقذائف والصواريخ والاقتتال الداخلي الكردي -الكردي(وأحداث اربيل1996 معروفة للمعارضة العراقية، بعد دخول قوات صدام إلى المناطق المحررة)، هي تمثل النموذج الديمقراطي الصحيح في العراق (وأحداث السليمانية العام الماضي، وكثرة عمليات التصفيات الجسدية والاغتيالات للمعارضين، دليل على نموذج الحكم الحديدي هناك)!

الغريب أيضا تصريح القائمة العراقية حول زيارة السيد المالكي الضرورية إلى مدينة كركوك ووصفها بالاستفزازية، مما سببت إحراجا لهم وللكتلة العربية المغلوب على أمرها في كركوك، ’وستكون أيضا سببا لازمة حقيقة لهم في الانتخابات القادمة،

(الكتلة العربية الكركوكية هي أكثر الكتل ترحيبا بزيارة السيد المالكي إلى مدينة الفوضى الإدارية، لان هناك سيطرة واضحة للأحزاب الكردي في تلك المحافظة، والتي قيل إنها كانت وراء حملات الاعتقالات والتهديد والتخويف المستمر للعوائل العربية والتركمانية بغية حملها على الهجرة، وكذلك مساهمتها في استيلاء بعض المواطنين الأكراد على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التابعة للمواطنين للعرب أو التركمان، وهذا ما يٌصرح به يوميا عبر مجلس النواب بعض أعضاء تلك المدينة من الكتلة التركمانية والعربية)

العراقيين جميعا دون استثناء يتمنون ان تنجح فكرة الأقاليم والنظام الفيدرالي في بلادهم، وينظرون إلى تجربة كردستان على إنها النموذج الحي والتجربة الواقعية، التي إن ثبت نجاحها فسوف يكون نموذجا مشجعا لبقية المحافظات الراغبة بالتحول إلى إقليم،

ولكن كل الدلائل والإشارات والرسائل والمنغصات الكردية رغم الحقوق السياسية التاريخية التي منحت لهم (رغم إنهم اقلية بسيطة لاتمثل حتى ربع السكان بل هم بين 8-10% من تعداد السكان، هذا فضلا عن وجود الآلاف المواطنين الأكراد من الدول المجاورة يقيمون في المنطقة، وبعضهم كما يشاع في الإعلام حاصل على الجنسية العراقية)،

تدلل على إن هذا الإقليم ذاهب إلى فكرة جهنمية اسمها حق تقرير المصير، وهي عبارة خارجة عن القانون والدستور واللياقة والأدب السياسي

(هل تستطيع حكومة دبي، أو ولاية فلوريدا، أو واشنطن، أو أي ولاية في العالم، ان تقول من حقنا تقرير مصيرنا السياسي والحكومي والجغرافي)،

هذه طريقة غير منطقية، ولاتقترب من أصول الأنظمة الفيدرالية (أو حتى الكونفدرالية)، وهذا ما حصل بالفعل عندما انكشف القناع عن بعض وزراء الحكومة من المكون الكردي، بعد امتناعهم عن حضور مؤتمر الخدمات ومراجعة شؤون المحافظة الذي عقده رئيس الوزراء في كركوك (كما كان قد عرضه من قبل في بعض المحافظات العراقية)، وهو أسلوب غير محبب وطنيا، وبعيد عن دبلوماسية الاحتجاج،

ان طموح الدولة الكردية لن يأتي بهذه الطريقة الاستفزازية المخالفة للقوانين والأعراف المحلية والدولية، إنما تأتي عبر مؤتمرات تاريخية دولية، يمكن ان تشرف عليها الأمم المتحدة، وبحضور جميع الدول ذات العلاقة بالقضية الكردية،

ولهذا يتحتم على الإخوة في التحالف الكردستاني ان يتفهموا مخاوف العراقيين جميعهم، حول مسألة طرح فكرة إقامة دولة كردية على ضفافي نهري دجلة والفرات، من انه أمر لا يمكن ان يسمح أو يوافق به أي عراقي شريف غيور على وطنه وأبناء شعبه،

نحن لدينا مشاكل طويلة عريضة حول مسألة حقوق الدول المتشاطئة (مع تركيا وسوريا وحتى إيران)،

وانتم تحلمون بإقامة دولة ومانع وحاجز أخر، يمنع عنا أخر منابع الحياة مياه دجلة والفرات، ليست المسألة مسألة عقدة قومية أو طائفية، ولكنها عقدة البقعة الجغرافية التي وجدت فيها القومية الكردية،

لايوجد شعب، أو امة مقسمة على أربع دول (كانت تمثل فيما مضى اعرق أربع إمبراطوريات عالمية، الفارسية، الأموية، العباسية، العثمانية) في شريط حدودي مشترك وملتهب كما يوجد في مناطق التواجد الكردي،

وهي أحلام ميتة بحكم حدود هذه الدول(وهذا حديث يكرره السيد جلال الطالباني باستمرار، عندما يقول إن ولادة الدولة الكردية تكون ميتة، لأنها محكومة بطبيعة حدود الدول الأربعة، ولا تملك منفذا بحريا)

الحديث عن دكتاتورية السيد المالكي، يعني إن الدولة تحكم بدون البرلمان، وهذا يعني إننا بحاجة إلى البدء بفكرة حل البرلمان وإعادة الانتخابات،

ولكن نحن نسأل كمواطنين كيف يمكن للكتل البرلمانية إن تشرح لنا دكتاتورية السيد المالكي،

 وماهي القرارات والخطوات والانتهاكات التي حصلت في فترة رئاسته للحكومة،

وكم عدد تلك التشريعات البرلمانية أو الحكومية التي تجاوزها ولم يلتزم بها،

نحن لاندافع عن رئيس الوزراء، إنما نقف مع الحق الوطني والدستوري والجماهيري،

 نشعر بالقلق عندما يقدم لنا رئيس الوزراء وبعض وزراءه (كوزارة النفط، ووثائق السيد الشهرستاني حول تهريب نفط الشمال) وثائق خطيرة عن إقليم كردستان

(تهريب النفط - ملف حقوق الإنسان الكردي-أبرام عقود نفطية دون الرجوع إلى المركز-عدم السماح للحكومة المركزية بالدخول إلى الإقليم- إقامة علاقات واتفاقات دولية بين الإقليم وبقية الدول بعيدا عن أعين السلطة المركزية-تسليح مليشيات البيشمركة-الخ.)

ولانجد جوابا على كل تلك الأسئلة، إلا عبر نفس النبرة والنغمة المكررة

(انفراد بالسلطة والقرارات-عدم استشارتنا بالقرارات المهمة-عدم وجود شراكة حقيقية، الخ.)

وهذه لغة وسياسة خارجة عن السياقات الوطنية المعروفة، وبعيدة عن المبادئ السياسية الديمقراطية، التي لاتسمح أبدا لأي كتلة، أو مكون، أو شخصية، بالتجاوزات الدستورية، أو أن تعمل عبر أي تصرف فردي يمكن أن يسبب أزمة وطنية، واجتماعية، وسياسية، الخ.

نعم لقد كانت زيارة الحكومة العراقية بشخص السيد المالكي إلى مدينة كركوك (الذي لو كان كما يدعون دكتاتوريا، لأصبح من أصحاب المليارات المكنوزة في البنوك الأوربية، كبقية الفاسدين المعروفين، ونتحداكم أن تجلبوا للشعب وثيقة براءة الذمة بأموالكم الحقيقية، لنقارنها ببراءة ذمته المالية)

، تعبير عن موقف وطني صريح، أرسل رسالة شفافة وواضحة إلى كل مكونات الشعب العراقي وأطيافه، كما أرسلت أيضا إلى المتربصين بمستقبل النظام الديمقراطي العراقي الحديث،

بأن كركوك خط وطني احمر لايمكن لأحد إن يعبره أو يتجاوزه، ومن عنده ملفات ومواقف سياسية عليه إن يعرضها أمام الشعب بكل شجاعة (لا يمكننا ان نقول إن الحكومة الحالية منزهة عن الأخطاء، ولكن لا احد يمكنه تقييم عملها في ضل تلك الأجواء المتشنجة، ولايجوز أصلا القول إن رئيس الوزراء هو المسؤول لأنه لم يكن مخولا أصلا باختيار كابينته الحكومية)،

كذلك تقع على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان مسؤولية الإجابة عن أسئلة الفقراء والمحرومين والمبعدين عن هذه المدينة من الأخوة الأكراد والتركمان، بغية إنصافهم وتقديم يد العون والمساعدة لهم، وجعل مدينتهم كركوك مدينة التعايش السلمي، من خلال تطوير مدينة الذهب الأسود، وأبعادها عن شبح الخلافات السياسية.

دعوة الحوار الوطني من قبل بعض الكتل (بما فيهم التحالف الوطني ودولة القانون) في المؤتمر المتعثر انعقاده، هي وسيلة حضارية للحوار، لا ان تذهب كل كتلة أو مكون أو أثنية إلى قواعدها الجماهيرية لإحياء لغة وثقافة الفوضى، وتأجيج مشاعر الحقد والكراهية بينهم وبين بقية المكونات،

ان طاولة الحوار هي دائما وسيلة العقلاء، إن أحسن إدارتها واختيار

عقلاءها، لمن يؤمن بصدق بضرورة إتباع الخطاب السياسي الوطني الهادئ.


مهدي الصافي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2116 الخميس  10 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم