أقلام حرة

الفقر تحت خيمة الاستثمار .. العراق نموذجا / مهدي الصافي

...تهيئة الاقتصاد الوطني لاختراق المال الأجنبي، وتحكمه فيه، مع تخفيضات حادة في خدمة المجتمع، يكرس هذا التقسيم المجتمع إلى اقلية ثرية وأكثرية تعاني الحرمان والفقر المدقع) .. (ماذا يريد العم سام-نعوم جومسكي)

 

لم يكن بريمر حاكما مدنيا أو عسكريا في بلاد الرافدين (بعيد انهيار النظام البعثي البائد2003)، وإنما رجل المهمات الاستثمارية والاستشارية المفروضة على أعضاء مجلس الحكم،  رسخ بعض المفاهيم وأوضح لهم بشكل شفاف اسباب مجيئهم إلى منطقة الخليج، وصيته المشروطة فتح أبواب العراق للاستثمارات الرأسمالية، سمعناه جميعا

حتى كاد صوت السيد الشهرستاني (وزير النفط سابقا-نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حاليا)ينقطع لكثرة وعوده المطمئنة للوحش الإمبراطوري الأمريكي، بفتح باب الاستثمارات النفطية على مصراعيه،

(سوف يصل إنتاج النفط العراقي إلى 12 مليون برميل يوميا-عملية غير مدروسة لاستنزاف الموارد الطبيعية بغية تقليل أسعار الوقود لكي يستفاد منه خارجيا ورأسماليا وامبرياليا، مافائدة من زيادة الإنتاج إن أصبح العائد المادي على سبيل المثال لمليونين برميل يصدران يوميا في مقابل نفس العائد المادي أو أكثر قليلا لثلاثة ملايين برميل، زيادة الإنتاج يعني تقليل الاسعار)،

حول برامج العراق الاستثمارية في مجال النفط والغاز، ولكن لا احد يسأل من أفراد الشعب العراقي المحروم، ما علاقة البنك الدولي وصندوق النقد بالاقتصاد العراقي أو بأسعار الوقود المرتفعة،

ولماذا يزداد الوضع المعاشي سوءا وصعوبة سنويا، ولماذا عجلة الأعمار أصبحت عجلة تخريب وتدمير له ولبلاده، ولماذا بقيت منشاءاته الاقتصادية الصناعية معطلة تنتظر المستثمرين، كل هذه الأسئلة وغيرها من جراحات الشعب لايعرف جوابها إلا الغاطسين في وحل مؤامرة تدمير العراق.

قد لاتكون مسألة تشكيل وتأسيس الشركات المحلية من قبل اغلب المسئولين السياسيين العراقيين(وزراء أو أعضاء مجلس النواب أو المحافظات أو موظفي الدرجات الخاصة بما فيهم السفراء)مرتبطة بالخطة الاستثمارية الدولية المفروضة على العراق،

(بعد تمرير الوعود الدولية المتعلقة بإطفاء الديون المترتبة على بلادنا)،

القاضية بتحرير الاقتصاد وتعبيد طريق دخول الشركات العابرة للسيادات والقارات إليه، لكنها مثال ودليل واضح على فساد مشروع إعادة أعمار البلاد، لأنها كانت أول المستفيدين من هذه الفكرة الخاطئة،

(والأدلة كثيرة يعرفها الشعب من خلال مشاهداته ومعايشته اليومية لمشاريع الشركات المحلية الفاشلة)،

والسبب إن اغلب هؤلاء المسئولين ليسوا من أصحاب الخبرات، ولكنهم يستخدمون وسيلة الرشوة وتحويل المقاولات والمشاريع إلى مقالين ثانويين، اغرب ما في عملية الاستثمار في العراق، هو وقوع الحكومة والسياسيين العراقيين في إشكالية التعريف الواضح لعبارة أو مفهوم الاستثمار،

فالاستثمار يعني انك تطرح مشروع أمام الشركات وأصحاب رؤوس الأموال بغية استثماره أو المشاركة في استثماره مع جهات رسمية  حكومية أو مستقلة، ولكن مايحصل في العراق إنهم يمتلكون الأموال من عائدات النفط، ومن ثم يعلنون عن حاجتهم لتنفيذ مشروع معين،

(تعبيد طريق أو أرصفة أو بناء منشأة أو مدرسة أو جسور أو حتى سوق أو حديقة عامة الخ.)بنفس تلك الأموال ويسمون هذه العملية استثمارا!

بينما تعاني البلاد من فقر مدقع وبطالة هائلة وفساد إداري ومالي كبير،

في حين ان هذه الأموال تكفي لتشغيل نصف إن لم يكن جميع العاطلين عن العمل، في حال استطاعت الدولة ان تمارس دورها في تنفيذ المشاريع الخدمية بواسطة موظفيها،

ترى لماذا يصرون على تسمية هذه الطريقة القريبة من عملية غسيل الأموال المتبعة في اغلب دول العالم على إنها استثمارا، أين هي رؤوس الأموال الخارجية المتدفقة على مدننا البائسة الخربة.

(فالولايات المتحدة الأمريكية عندما استخدمت الشركات الأمنية الخاصة لمساعدة قواتها في احتلال العراق وحماية مواقعها والشركات العاملة معها، هي عملية غسيل أموال، كذلك المنح وأموال المساعدات التي تدفع على طريقة مواد غذائية أو حاجات إنسانية تذهب لشركاتها المحلية وغيرها من الأمور المعقدة ولكنها قانونية وفقا لرؤيتهم وهكذا....، وهذا ماحصل في العراق عندما تبخرت الأموال الأمريكية الخاصة بأعمار العراق)،

لقد ذهبت محافظتي ميسان والناصرية مؤخرا إلى دبي وابو ظبي بحثا عن الاستثمار، ولانعرف كم مستثمر سوف يأتي معهم، وهم يؤكدون بعقدهم للمؤتمر في دولة الإمارات،  على إن بلادنا غير قادرة على تنظيم مثل هكذا تجمع استثماري مهم، فكيف تأتي رؤوس الأموال الجبانة أصلا(علما إنهم أيضا ذاهبون بأموالنا لاستقطاب الشركات الراغبة بالعمل في العراق،  وهذا ليس استثمارا).

إن تغير السياسة الدولية الرأسمالية حول طبيعة الأنظمة التي يمكن لها ان تكون قادرة ومسيطرة وكفيلة بضمان نجاح استثماراتها في تلك الدول الاستهلاكية(بعد انتفاء الحاجة من الأنظمة الدكتاتورية الموجهة ضد المد السوفيتي الشيوعي-الاشتراكية الاجتماعية)، هي التي دعتهم إلى طرح مشروع الديمقراطية العالمية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط،

(صاحبة النسبة الأكبر عالميا في مجال توفر الموارد الطبيعية،  النفط والغاز والمعادن، وتمتلك اكبر الأسواق الاستهلاكية في المنطقة)، ولهذا فهي تعمل بكل جدية من اجل حماية الأنظمة الديمقراطية المتناغمة والمتوافقة مع طموحاتها الاستثمارية،

(هل يعلم المواطن العربي الذي يرى في الاستثمار صورة التكنولوجيا الحديثة والبنايات الشاهقة كناطحات السحاب، إن الشعوب الأوربية أو الأمريكية تعاني وترتجف خوفا عندما تسمع بأن الاستثمار سيأخذ من الحكومة قطاعا معينا كالكهرباء مثلا، لان تجاربهم مريرة وطويلة مع الشركات الاستثمارية الجشعة،

التي لاتقبل بثبات أو استقرار سقف الأرباح الهائلة، وتبحث عن الزيادة المفرطة دوما بغض النظر عن الخدمات المقدمة من قبل مؤسساتها، وهذه هي واحدة من أهم أسباب الأزمة الدولية والاقتصادية التي ستستمر طويلا)،

ولذلك يجب ان تقف الشعوب والأمم صاحبة الموارد الطبيعية (وخصوصا النفط والغاز والمعادن)بوجه الخطوات الحكومية المتعلقة ببيع المؤسسات الخدمية المحلية إلى المستثمرين بغض النظر عن خلفياتهم وجنسياتهم(محليا أو خارجيا)،

لأنها ستزيد من فقر المواطنين وستعلق اغلب الخدمات المجانية المكفولة حكوميا، سوف لن تكون هناك مستشفيات ومدارس وشركات ومصانع ومعامل حكومية، وان وجدت فهي متخلفة وقديمة ولايمكنها ان تنافس المؤسسات الأهلية للقطاع الخاص(وقد مارست وزارة الصحة العراقية في مستشفياتها الحكومية نفس الطريقة، عندما فتحت أجنحة خاصة في نفس المستشفيات)،

 

 مثال بسيط على نجاح شركات الطيران الإماراتية الدولية في استقطاب أعداد مليونية من المسافرين سنويا، لان الاستثمار المطروح في هذه الدولة استثمار مدروس لم يتخلى عن فكرة المشاركة الحكومية في بعض المشاريع الشبه خاصة، مع إنها وفرت بقدر معقول بعض الخدمات المجانية لمواطنيها،

(مع بقاء مبدأ المساعدات وأنظمة الضمان الاجتماعي، وتوزيع المساكن وتوفير فرص العمل للإماراتيين حتى تكاد تنعدم عندهم فئة طبقة الفقراء )،

لان الوقود المزود لطائراتها وقود مدعومة حكوميا، بينما تعاني شركات الطيران العالمية الأخرى من مشكلة أسعار الوقود، بمجرد ان ينقطع الدعم الإماراتي الحكومي لوقود طيران الإمارات سوف تهبط نسبة أرباح تلك الشركة،

إذن نحن لسنا ضد مفهوم الاستثمار بشكله ومفهومه العام، ولكن ضد ازدواجية الفهم الضار بمستقبل بلادنا وثقافة مجتمعه، وضد عملية التعمية المتعمدة لاستغلال ثروات بلادنا لصالح بعض الشركات المحلية الفاشلة(هل يعقل إن تقوم مثلا أمانة بغداد بعملية تأهيل بغداد عبر شركات استثمارية خاصة محلية وهي تمتلك كل هذه الميزانية الهائلة، فهي قادرة على استيراد أرقى واكبر واهم المعدات والآلات والخبرات المتعلقة بمجال الأعمار وتوظيف أبناء العراق وإشراكهم في عملية تنفيذ المشاريع، وهكذا لبقية المحافظات)،

ان العمالة المهاجرة الرخيصة المستوردة مع الخبرات الدولية والأموال الإماراتية أو الخليجية هي التي عمرت شبه الجزيرة العربية، فهل نحن سائرون في طريق تجريد البلاد من ثرواتها، وترك فقراء هذه الأرض المغضوب عليها لقمة سائغة لمن يأتي عابرا إلى كرسي السيادة....................

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2124 الجمعة  18 / 05 / 2012)

مهدي الصافي

في المثقف اليوم