أقلام حرة

خيارات فوق الأزمة .. المالكي والآخرون / مهدي الصافي

إلا إنها خلقت انطباعا داخليا وخارجيا، بأن الوضع السياسي في العراق هشا، لأسباب غريبة ومبهمة وغير واضحة، عنوانها العريض استفراد رئيس الوزراء المالكي بالحكومة،

مع إن ابسط تعريف للحكومة الحالية هي إنها حكومة الشراكة الوطنية، وهذا معناه إن المناصب الحكومية والسيادية توزع وفقا لنظام النقاط والمحاصصة البرلمانية، ولكن من الصعب إيجاد تعريف مقبول للشراكة السياسية لمنصب رئاسة الوزراء،

هذا فضلا عن إن بدلاء الحكومة الحالية (القائمة العراقية-التيار الصدري-الحزب الديمقراطي وبعض أفراد الاتحاد الوطني الكردستاني) تثار حولهم عدة علامات استفهامية خطيرة،

التيار الصدري:الحزب أو الحركة أو التيار العراقي الوحيد بعد حزب البعث كان قد رفع السلاح بوجه أبناء شعبه(كانت أول ضحاياهم السيد مجيد الخوئي وبعض ضحايا المحاكم الشرعية الشبيه بمحاكم التفتيش السابقة في أوربا)، وكانت مليشيات جيش المهدي تقاتل في المناطق الشيعية كما تقاتل فلول الإرهاب في مناطق أخرى، صحيح إن التيار الصدري رفض وطرد وعزل بعض الأجنحة المتهمة بتلك الأعمال الخطيرة، إلا انه لم يثبت بعد انه قد تحول إلى تيار سياسي منضبط وقادر على تدبير شؤون أفراده،

فلازالت مسألة الانشقاقات والاتهامات المتبادلة بينه وبين الجماعات المنشقة عنه متواصلة، وذهابه إلى اربيل للضغط على حكومة المالكي دليل على قصور سياسي واضح، فقد وقع أسير الخدعة التي روج لها بخبث والمتعلقة بقبول تلك الأطراف بإعطاء منصب رئاسة الوزراء للكتلة الصدرية،

ولذلك هم مطالبين بالعودة لصفوف الشعب والتراجع عن تلك المخططات والخطوات المتعجرفة والغير مدروسة (مع إنهم  فرحين بطرح البديل الجاهز السيد الجعفري، والذي سحب منه بساط مجلس الوزراءسابقا،  لنفس الأسباب التي يراد للمالكي ان ينفذها،  أو ان يواجه مصير سحب الثقة المعقد والشائك حاليا)

القائمة العراقية:يصعب علينا تقبل الصورة العشوائية الفوضوية التي تكونها تلك القائمة، ويتعذر علينا ايضا قبول وجهات النظر السياسية المتناقضة التي تطرحها القيادات المهيمنة على قرارات تلك الكتلة، كيف يمكن لنا ان نتقبل بان يكون لبقايا البعث البائد وجودا في العملية السياسية، أو ان يتهم القضاء العراقي بأنه مسيس وتابع إلى الحكومة، مع وجود الأدلة الدامغة على جرائم الإرهابيين، لاسيما قضية نائب رئيس الجمهورية السابق الهاشمي الهارب من وجه العدالة والمطلوب دوليا، ولماذا استطاع مجرمو عرس الدجيل إن يتلقطوا صورة تذكارية مع رئيس القائمة السيد علاوي،  بينما تعذر لهم ذلك مع السيد المالكي،

إضافة إلى إن رئيس القائمة العراقية قد استوطن إقليم كردستان وبدأ بتوجيه خلافاته السياسية من هناك، على الرغم من مخاطر الطرح الكردي القاضي بانتزاع حقوق سيادية مركزية وتحويلها إلى سلطاتهم الداخلية المحلية (عقود النفط والغاز وشروط تمرير قوانينهما، انتزاع المناطق المتنازع عليها-التدخل في المناطق العربية ديالى والموصل-تكريد محافظة كركوك-الخ.)،

وهي قائمة تفككت لأسباب داخلية أهمها مخالفة قيادات القائمة لرغبات منتخبيهم، فهي انتقدت مثلا زيارة رئيس مجلس الوزراء بكابينته إلى كركوك، بينما اغلب أعضاء الكتلة العربية الموجودة في مجلس محافظة كركوك (من القائمة العراقية) كان مرحبا بالزيارة.....................

التحالف الكردستاني:اخذ حقوقا أكثر من حجمه ونسبته السكانية، تحملنا مشاكل بعض وزراءهم وسفراءهم ومدراء هم العامين إضافة إلى كتلتهم البرلمانية، الذين يعملون بنفس وافق عرقي  محدود وضيق بل وحتى مغلق،

لقد كانوا حاضرين في مجلس الحكم وكتابة الدستور، وهم وحدهم من أصر على وضع فيتو الأقليات حول التشريعات الدستورية (ثلاث محافظات لها حق نقض أي مشروع دستوري)،

ولكن كل هذه الحقوق الممنوحة لهم و المبالغ فيها، لم نشهد أية تطمينات كردية تعكس اندماجهم الفعلي والواقعي بالجسد  العراقي الرسمي الواحد،

أزمات، ومشاكسات،  واعتراضات، وتوترات، وتصريحات نارية، كلها تهديد صريح للوحدة الوطنية، وللأمن والسلم الأهلي، إضافة إلى مشاركتهم القائمة العراقية في الخروج على القانون والقضاء العراقي المستقل، هم بأنفسهم يذهبون إلى المحكمة الاتحادية لحل النزاعات الدستورية ومشاكلهم مع الحكومة المركزية،

فلماذا تقبلون ببعض وترفضون البعض الأخر،

إن إصرار المكون العربي (الشيعي السني)على وحدة وسلامة الأراضي العراقية، لاتعني إنها تمس الوجود أو المكون الكردي أو أية أقلية أخرى، لان النظم والآليات الديمقراطية الفيدرالية تكفل للجميع حقوقه دون استثناء، ولاتسمح بعودة ظاهرة التفوق العرقي أو التسلط الحكومي،

علما إن إقليم كردستان هو المساحة الجغرافية الوحيدة المشكوك بصحة تطبيقات النظام الديمقراطي فيه، لان الأحزاب الكردية المهيمنة على قمة هرم السلطة هناك، هي أحزاب تملك قوات أو مليشيات مسلحة تابعة لهم، وتمارس ضغوطا كبيرة على بقية التيارات السياسية الموجودة فيها، فضلا عن بقية المنغصات والمضايقات وحتى الاغتيالات التي يتعرض لها بعض المعارضين لحكومة الإقليم(المقيدة دوما ضد مجهول).................

الخيارات المتاحة امام السيد المالكي وكتلة المواطن أو دولة القانون هي خيارات وطنية تخدم الجميع، وتخرج العراق والعملية السياسية من نفقها المظلم،

أولا:إذا كانت الكتل البرلمانية المعارضة لتجديد ولاية رئيس الوزراء وتحديدها بولايتين فقط وبأثر رجعي، نقول إن الأمر ليس معقدا، بل يحتاج إلى تعديل بعض مواد الدستور، وعليه فنحن أيضا نقول للكتل البرلمانية الوطنية،

بأن تمارس دورها في تعديل الدستور العراقي بشكل يكفل استقرار البلاد ويمنع مبدأ المحاصصة، وذلك بإلغاء النظام البرلماني وجعله رئاسيا، أي بمعنى إن المواطن العراقي يحق له ان يختار رئيس الجمهورية عبر الانتخاب المباشر، كما يمارس دوره الطبيعي في اختيار أعضاء مجلس النواب،

وبالتالي سوف يكون بمقدور كل الشخصيات السياسية بمافيهم السيد علاوي،  والسيد  جلال الطالباني،  والسيد المالكي وآخرين من دخول حلبة التنافس الوطني المشروع حول منصب رئاسة الجمهورية، بالطبع هذه العملية تحتاج إلى تعديلات أخرى،  تتعلق بصلاحية رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة،  الذي سيكون بمقدوره طرح كابينته الوزارية  بحرية،

لان الديمقراطية التوافقية أثبتت فشلها في الحد من الخلافات،  والتداخل في الصلاحيات، وسيبقى العراق أسير التجربة اللبنانية حتى ينهار تماما، فلماذا الانتظار، مادام هناك فرصة للتعديل قبل ان يجرف تيار الفوضى الجميع......

ثانيا:الخيار الأخر هو خيار حل البرلمان العراقي وإجراء انتخابات مبكرة، تكون محطة فاصلة في مسيرة كل الحركات والأحزاب والكتل السياسية، التي انكشف الغطاء عنها وعن مخططاتها وبرامجها ومصالحها، وصار بمقدور المواطنين اختيار ممثليهم بحرية، والبقاء للأصلح كما يقال مع انه ليس قاعدة،

مع التعجيل بتمرير قانون الأحزاب والانتخابات (الدوائر الانتخابية المتعددة وليس الشاملة)

ليس هناك حلولا سحرية يمكن ان ننتظرها إن تخرج من هنا وهناك، لأننا في النظام الديمقراطي الحقيقي، لانحتاج إلى الوقوف طويلا عند الأسماء والأحزاب والشخصيات السياسية، بل علينا ان نفتش عن البرامج الحكومية الفعالة،  التي يمكن لها ان تخدم المواطنين بصورة عامة،  وتوفر لهم ابسط وسائل العيش الكريم، إضافة إلى توفير  بقية الخدمات العامة،

إن عصرنا ليس عصر الدويلات أو الأقاليم المضطربة المجزئة المتناحرة، ولاهو زمن الدكتاتوريات القبلية والعرقية، بل هو زمن المجتمعات الحاكمة لنفسها، فهي وحدها صاحبة القرار الوطني الداخلي.

 

مهدي الصافي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2128 الثلاثاء  22 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم