أقلام حرة

الذي لا نفهمه (الاخيرة) / حسن حاتم المذكور

الأزمة المفتعلة التي تعصف الآن بالعملية السياسية والمستقبل الديمقراطي في العراق ليست جديدة على الواقع العراقي ’ انها اشكالية ابتدأت ولأسباب عديدة مع بداية تشكيل الدولة العراقية ’ وسوف لن تهدأ ولن تترك للعراق فرصة الأستقرار ليتفرغ العراقيون لأعادة اعمار بلدهم واصلاح مؤسسات دولتهم .

الأزمة الأخيرة التي يتصدرها السيد مسعود البرزاني وبعثيي القائمة العراقية وقرباج (الأربعين) مقعداً، اشعلتها حصراً تدخلات ودعم انقره والرياض وعواصم اخرى يهما التدخل سلباً في الشأن العراقي، حلقة من مسلسل تاريخي يجب ان تتكرر فصوله قدر اسود على الواقع العراقي، انها منطقة احتكاك واشتعال واستنزاف تحت الطلب بين مشروعين، قومي كوردي ووطني عراقي، فالسيد مسعود البرزاني، استورث المشروع القومي الكوردي من اجل الأستقلال واقامة الكيان (الدولة) الكوردي، مدعوماً من قبل الرأي العام لأكراد الأقليم، يقابله على الصعيد العربي رئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي ممثل لمشروع الدولة العراقية في نظر الملايين وخاصة في الجنوب والوسط، واصبح مدعوماً من قبل اغلبية الراي العام العراقي وتلك حقيقة لا ينفع معها التجاهل .

المشروع القومي الكوردي عانا ويعاني من داخله اشكالية الجحوش الأكراد، كذلك القضية العراقية ومشروعها الوطني تعاني من داخلها ذات الأشكالية مع ثلة الجحوش العرب، بين هؤلاء واولائك سقطت حكومات بعضها وطنية كان مقدراً لها لو تواصلت، ان تضع العراق على طريق السلم والأزدهار والتقدم دولة ومجتمع، لكن هذا الأمر ولأسباب عديدة غير مسموح به اقليمياً ودولياً، من بينها الخصائص التاريخية والحضارية والجغرافية والأقتصادية التي يتمتع بها العراق .

ليس غريباً ان تلتقي الآن ذات الأطراف والأدوات الشباطية التي اسقطت ثورة 14 / تموز / 1958، في مهمة لا تشرف مدينة اربيل ان تكون وكراً لها دون ان تحقق انجازاً لقضية الشعب الكوردي، وقد تسبب لها تراجعات مخيفة او تبقيها على حالها بيضة قبان للأستعمالات الخارجية في ارباك مشروع الدولة العراقية  .

ان محاولات اسقاط الحكومة الراهنة ـــ ورغم كثرة المآخذ عليها ـــ لا تعبر عن خلفيات نزيهة ولا تحمل نوايا صادقة للأصلاح واعطاء المثل النموذجي للدفع نحو الأفضل، خاصة وجميع الفرقاء شركاء في تلك الحكومة، انهم الآن يؤدون وظيفة غير وطنية لأضعاف ثم اسقاط الدولة العراقية وبأي ثمن حتى ولو سقطوا معها ــ علي وعلى اعدائي ــ .

لو افترضنا ان الحكومة قد سقطت، وهذا احتمال غير وارد لحد الآن ... فمن الذي سيسقط معها ... ؟؟؟ .

1 ـــ السيد مسعود البرزاني وكذلك السيد جلال طالباني : سوف لن يسقطا حتى ولو تراجعت قضية شعبهم وفقدت بعض المكاسب التي حصلت عليها، لأنهما يتصدرا المشروع القومي الكوردي ويحظيا بتأييد ودعم الرأي العام لأكراد الأقليم وستحتفظ قضيتهم على شرف دور بيضة القبان للأيتزاز والمساومات والحصول على بعض المكاسب العائلية والعشائرية الحزبية .

2 ـــ رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي : سوف لن يسقط حتى ولو سقطت حكومته، فهو الآن ـــ رغم تجاهل البعض لتلك الحقيقة ـــ، يمثل مشروع الدولة العراقية ويحظى بتأييد ودعم الرأي العام العراقي اكثر من اي وقت مضى، ولا يعني سحب الثقة عنه نهاية لدوره، لقد كانت لقاءات اربيل ارضية لنقلة نوعية لشعبية السيد المالكي، جعلته المؤهل مرحلياً لأعادة تشكيلها .

3 ــ ثلة جحوش من عرب السنة والشيعة، وحدهم سيسقطون وهم الآن يتهاوون، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل وعلى اصعدة القيم والمبادي والأخلاق، انهم لس اكثر من علاسة ووكلاء لأنظمة يرفضها المجتمع العراقي بكافة مكوناته، فبعثيي القائمة العراقية قد استهلكوا ادوارهم حتى نهايتها، ومقتدى الصدر و(الأربعين ...) قد سقطت عنهم رقعة التوت، ومن يعتقد ان في عرينه شبلاً ’ فسيصحى على بيضة فاسدة .

الذي لا نفهمه : فضيع ومرعب، كيف يتقبل الشعب الكوردي وخاصة نخبه السياسية والثقافية، ان تصبح اربيل قاطرة لتجميع جحوش الطائفيين والعنصريين والتوجه فيها نحو بغداد بغية اسقاط حكومتها وهم اطراف فيها ’ وهذه المرة ليس في قطار او دبابة، بل (مع الأسف) قاطرة اربيلية محملة بجحوش العملية السياسية، والبيان الأول سيعلن ليس من الأذاعة كما هو متعارف عليه، بل من داخل قبة مجلس (بزار) عرض المستهلكات غير النافعة  .

لا نتمنى لأربيل، التي مفروضاً ان يكون مستقبل القضية الكوردية بوصلة اتجاهها، ان تصبح خيمة تجمع فيها جحوش انقرة والرياض، ويكون حصادها تكرار المآسي الكوردية ومتاعب اضافية للعراق بعد اكمال عرس الجحوش من داخلها .

لقد اخطأ السيد مسعود في حساباته، فالذي استطاعه في عاد 2005، ليس بالضرورة ان يستطيعه الآن، والعراق ليس اقليماً يتسع له جيب الرئيس .

 

......................

ـــ  كركوك المدينـة المخترقـة :

كركوك المدينة البريئة ذات الهويات والخصوصيات والتقاليد والأعراف العريقة وكذلك الثروات، زرتها فوجدتها ليس كما تصورتها، خائفة مذعورة تعيش يومها بكل تفصيلاته واحتمالاته، مشروع خدمي يوفر لأهلها فرص عمل كريمة، اتفاق انساني بين الأطراف المتنازعة عليها من خارجها يخفف عنها ثقل حصارات التصعيد المفروض عليها، عملية اغتيال او تفجير نوعي يهز كيانها، ورغم حالة التوتر فأهلها صابرون متصالحون يحتمون ببعضهم متماسكون حول مشتركاتهم، وعبر تاريخ عريق، جمعهم نسيج عائلي واجتماعي وصلات قربى جميلة، حريصون للحفاظ على ما هم عليه، حقيقة اوجاعهم، انهم ينتمون الى مدينة ثريـة حصتهم فيها الخوف والرعب والتخلف .

كمدينة تاريخية حضارية غنية، لا نستكثر عليها ولا ننكر تعدد الخصوصيات والثقافات واللغات والتقاليد والأمزجة المتباينة لمكوناتها، ومن تداخل وتفاعل تلك الطبيعة، تشكلت الهوية الكركوكية للمدينة، ولا يوجد من اهلها من يتحمل مسؤولية قطع تلك الشرايين التي تجمعهم  .

المتطفلون على ثرواتها، لم يتكرموا عليها بفرصة مراجعة كي تمارس حقها في تذوق ثرواتها الأقتصادية والثقافية والمعرفية في اجواء الأمن والمحبة والحرية والصدق والبناء .

الذي لا نفهمه : نجد من خارجها من يدعيها ويختلف حولها ويتنازع عليها، والبعض لا يمنعه ضمير عن ان يجعلها مدينة من بارود، ومن ثرواتها ومعاناتها وخوفها وقلقها على مصيرها، اضافات مجانية الى مؤسسات عرش امبراطوريات السلطة والمال، البعض يستنزفها ويكذب عليها ثم يستهلك عافيتها دون رحمة، ومن خارجها فقط يتسلل لها الخانق من ازماتها .

كركوك لا يمكن لها ان تكون غير ما تكونت عليه ’ كركوك لأهلها، ولا يمكن لهويتها ان تكون الا عبر اندماج خصوصيات وثقافات وعادات وتقاليد ومشتركات جميع مكوناتها، ستمر العواصف المجنونة، وتبقى كركوك ثابة على الأرض .

02 / 06 / 2012

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2139 السبت  02 / 06 / 2012)

في المثقف اليوم