أقلام حرة

الابتزاز السياسي .. والثقافة المنحطة / مهدي الصافي

كانت حجة للاستبداد السياسي في القرن الثامن عشر، استغلته الحكومات الإمبراطورية (من بروسيا –النمسا إلى روسيا القيصرية) لتبرر دكتاتوريتها،

(ليس على الحكومة ان تعبر عن إرادة الشعب-لان الشعب لايدري قط ما إرادته، وكذلك قوله في إن تملك الحق المقدس للدولة، تملكه بوصفها مرحلة ضرورية من مراحل تطور الحكومة- كتاب المفكرون من سقراط إلى سارتر-هنري توماس ودانالي توماس، ترجمة عثمان نوية)،

لكن الشباب الثوري الذي استلهم التجارب الأوربية الأخرى(تجربة بريطانيا البرلمانية، وجمهورية فرنسا) استطاع أن يوظف نفس تلك العبارات للانقضاض على حصون القياصرة وتدميرها، واستبدال تلك المفاهيم وأشكال الأنظمة الإمبراطورية البائدة بدولة المؤسسات والسلطات المنفصلة المستقلة أو ما يسمى بدولة المواطنة.

لقد ساهم الشعب العراقي مساهمة مباشرة في إيصال العملية السياسية الحالية إلى هذا المأزق الحرج، لأنه استخدم حقه الدستوري وصلاحياته الكاملة بحرية في انتخاب ممثليه الشرعيين للبرلمان العراقي، لكنه أهمل ذلك الحق عن قصد أو بدونه، وتجاهل مقومات ومبادئ وأصول اللعبة الديمقراطية المتعلقة بنتائج تلك الممارسات الدستورية، وابتعد عن المصلحة الوطنية العليا بضرورة الإمعان والتفكر والسؤال عن الشخصيات المرشحة للانتخابات البرلمانية، بغية تطوير عمل المؤسسات التشريعية، وضمان تسليم مفتاح خزينة الدولة، وبقية مؤسساتها وأجهزتها العاملة والتابعة لها إلى أيد أمينة،

لكن الرياح الصفراء حملت وفقا لمبدأ الانتخاب العشوائي (من خلال تحويل المحافظات إلى دوائر انتخابية واحدة) أسماء بلا تاريخ سياسي أو اجتماعي أو حتى ثقافي، لأتعرف معنى الاختلاف في زمن التحديات، تمارس دورا تخريبيا في إشاعة الفوضى السياسية في البلاد، مستخدمة ثقافة الابتزاز السياسي دون اكتراث(ويمكن إن يكون بدون وعي)، فالكتل البرلمانية التي بصمت أو وقعت على سحب الثقة عن الحكومة العراقية ورئيس الوزراء المالكي،

كلها اتخذت قراراتها في أروقة الغرف المظلمة للدول المجاورة (تركيا والسعودية وقطر وحتى إيران)، مدفوعة برغبات انفصالية للتحالف الكردستاني بقيادة السيد البرزاني، الذي أزعجه تساؤل الحكومة المركزية عن نفط كردستان المهرب إلى دول الجوار والأغوار(أفغانستان)، وأثار حفيظته صمود بعض الكتل البرلمانية الوطنية الواقفة ضد تشريع قانون النفط والغاز المتوافق مع الرغبات الانفصالية(ومادة 140 لبيع كركوك وتكريدها-وقوات البيشمركة الغير نظامية-وتغير تسمية المناطق المتنازع عليها، الخ.)، وبطموحات القائمة العراقية العائمة على ذكريات تاريخ الاستبداد الطويل للدولة العراقية الحديثة،

مع إن القائمة العراقية الممثلة للمكون السني هي المتضرر الوحيد من الطلبات والاعتراضات والاستفزازات الكردستانية المتزايدة والخطيرة، واجب عليهم إن يثمنوا جهود السيد المالكي المدافع عن خطوط حدودهم المتاخمة للإقليم الكردي، ومع كل هذا نقول كيف يمكن لعضو برلماني يدعي انه يمثل ناخبيه بأمانه، يمارس ضغوطا سياسية ضد رئيس حكومته وفقا لرغبات الدول المجاورة،

بمعنى أخر لو استطاعت الحكومة الإيرانية إن تضغط على السيد مقتدى الصدر وتياره المتحالف مع القوى الراغبة بسحب الثقة عن الحكومة، وتمارس دورها السياسي والديني (عبر فتاوى بعض المراجع) في تغيير موقفه الداعم لسحب الثقة عن المالكي،

فهل هذه المواقف ستزيد من صلابة ومتانة وقوة الحكومة، أم ستجعلها وفقا لهذه الطريقة البائسة أسيرة لبعض الشروط الإيرانية، لأنها أي الجارة إيران امتلكت احد أضلاع الحكومة المهمة، وهكذا لبقية الدول الغاطسة في المستنقع العراقي(ولا نعلم سر تزامن زيارة نيجرفان برزاني إلى تركيا مع زيارة الصدر لإيران)،

كيف يمكن لحكومة، ولبعض ممثلي الشعب في البرلمان (المفترض إنهم وطنيون ويرعون مصالح بلادهم) الذين يعملون بالأجندات والتوصيات والأوامر والأموال الخارجية، ان يسيروا بالأمة العراقية إلى شاطئ الأمان مع الاخرين،

(ترى هل كان الفيتو الروسي وحتى الصيني المدافع عن النظام السوري منحة مجانية دون مقابل-وهل فعلا باع إخوان المسلمين قناة السويس لقطركما حصل في ليبيا).

إن الانحطاط الثقافي والأخلاقي لبعض أدعياء السياسة تجاوز أقصى حدود المنطق السياسي الواقعي، فلا توجد بين أيدينا مبررات واضحة تستحق ان تكون سببا وجيها لسحب الثقة عن حكومة المالكي،

لم تقدم ألينا أية ملفات تتعلق بقضايا فساد مالي أو إداري، ولكن نسمع من الكتل المعارضة إنها معنية بقانون العفو عن المتهمين بقضايا التزوير والفساد والإرهاب، ونرى إلحاحها الواضح حول طلباتها المتكررة لإلغاء قانون المساءلة والعدالة الخاص بملاحقة مجرمي النظام البائد، ونشاهد ونسمع دفاعها المستميت عن طارق الهاشمي المتهم بقضايا وجرائم إرهابية،

إن الأمر مخيف وخطير، لان الوادي الذي يريد تغيير الحكومة في الأعم الأغلب واد غير مقدس، ولاتوجد فيه ملامح وطنية يمكن ان يطمأن إليها الشعب،

وهذا لايعني بالضرورة صكا مفتوحا ومقدسا للحكومة الحالية، ولكننا نريد من الأعضاء والكتل البرلمانية ان تشرح لنا بشفافية عالية أسباب سحب الثقة عن الحكومة، إن كانت بالفعل هناك أسباب وجيهة،

وإلا فمن الغباء ان يدافع أحدا عن دولة وحكومة دكتاتورية مغلفة بغطاء ديمقراطي شرعي، إن كانت هناك شواهد وأدلة ميدانية ملموسة تكفي لإدانتها،

ولكن إن كانت القوى المطالبة بتغيير الحكومة المالكية الحالية، هي نفسها تدير سدة الحكم بطريقة دكتاتورية قبلية مليشياوية(حكومة إقليم كردستان)، اعتادت على ثقافة الرمز وصناعة السدود والحواجز بين المواطن والمسؤول، فهذا أمر يستحق المراجعة والتحقق والتأني في إطلاق الأحكام العشوائية من قبل أعضاء تلك الكتل وبقية المواطنين المؤيدين لها!

إن الكتل الوطنية المؤمنة بقدسية واجبها السياسي تجاه حماية مصالح شعبها، عليها ان تتخذ إجراءات وخطوات شجاعة تستبق هذا اللغط، وترد بحكمة على تلك اللغة الدائرة والمتلاعبة بالألفاظ، وتعلن عن دورها المصيري في إعطاء فرصة أخرى للشعب العراقي، لكي يعيد حساباته الوطنية والسياسية والاجتماعية، من اجل صياغة فجر جديد لأمة عانت ولازالت تعاني من نكبات الماضي المظلم، عبر تقديم طلب حل البرلمان العراقي وإعادة الانتخابات التشريعية،

لكي تكون عملية مفصلية في تاريخ العراق، مع العمل على تكليف لجنة برلمانية حالية لدراسة إجراء بعض التعديلات الدستورية.

(ومنها تحويل النظام البرلماني الفاشل حاليا إلى نظام رئاسي)،

وإلا فعملية بيع الوطن وقراراته السيادية إلى دول الجوار لن تبني لنا دولة مستقلة قابلة للبقاء طويلا.

(ولنا أسوة ببقية دول العالم أو الجوار القريب–واقرب التجارب ألينا، التجربة التشريعية الكويتية، ولكن يجب إن تمر دون ان تسرق مليارات الدولارات تحت طاولة وصناديق الانتخابات-إنها أوراق مطبوعة طباعة ملونة وأحبار رخيصة الثمن، ومراقبين من موظفي الدولة)

 

مهدي الصافي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2142 الثلاثاء  05 / 06 / 2012)

في المثقف اليوم