أقلام حرة

قانون منع التكفير .. والخرافة والسحر والشعوذة / مهدي الصافي

الفت قصة كاذبة وعدتها واقعية) في وسائل الإعلام الأجنبية، مما حدا بالدولة التي تقيم فيها هذه المتطفلة على الكتابة ان تعلن سحبها للقصة أو الكتاب من الأسواق ودور النشر،

ولكن من يكترث للكم الهائل من ثقافة التجهيل المتعمدة التي تحيط بأبناء امتنا العربية والإسلامية، ومن يستطيع ان يوقف هذا الكم الهائل من برامج التنجيم وقراءة الأبراج وطالع الحظ!

أصبحت ظاهرة أو مقولة لا رافضي ولا ناصبي مؤخرا، عبارة العقلاء بين الأوساط الإسلامية المعتدلة، وقد تكون المقاصد من وراء هذا الإعلان الصريح للبراءة من معظم التصرفات والأعمال والممارسات الطقسية (المسماة عند الطوائف السنية بالبدع)، هي صحوة ضمير متأخرة، وطريقة حضارية للتخلص من تراثيات الماضي السيئة، لكنها أثبتت ان الوعي الالكتروني قد أثمر في تصحيح مسارهم الفكري.

الرافضي وفقا لهذه العقول المستنيرة لايعني بالضرورة إنها تشمل كل أبناء المذهب الشيعي (مع إن لها تعريف أخر في عرف التيار الأموي)، وإنما يصرح البعض بأنهم يقصدون من يمارس لغة القذف والقدح والسباب للخلفاء الراشدين (ابو بكر وعمر وعثمان رض)، وكذلك من يمارس ثقافة الغلو بحب أهل البيت ع عبر منابر الوعظ الحسيني، ويعطيهم مقام ارفع من مقام الأنبياء ع، وفقا لروايات وأحاديث ملفقة وكاذبة (بعضها ينسب زورا لأئمة اهل البيت ع)، وقد لعبت بالفعل الدولة الصفوية لعبتها في تزييف بعض عقائد وطقوس وأفكار جزء من أبناء الطائفة الشيعية،

لكن الخط العلوي الأصيل الذي بدء منذ خلافة الإمام علي ع وصولا إلى أخر إمام من أئمة أهل البيت ع، استطاع ان يقاوم ذلك المد المذهبي المشوش فكريا وثقافيا، ويبقي على نقاوة خطه الإسلامي المعتدل والمتسامح دينيا،

فمن العيب ان تتحول على سبيل المثال لا الحصر ذكرى واقعة الطف إلى سوق للمتاجرة المذهبية، ومنبرا لبث سموم التعمية والانحراف الأخلاقي والإنساني وحتى الديني، ففي منظرا مقززا وجدت عبر الشبكة الالكترونية احد الدجالين المشهورين وقد انتهى من قراءة تعزية عاشوراء، يقف وسط حفنة من الجهلة البسطاء، وهم يتوسلون به للتمسح بعرق جبينه بمناديلهم وخرقهم، أو البصاق في علبة مياه أو عليهم (مع إن التراث الشعبي البائس يقول إن السيد هو يبصق تشبيها بلعاب الرسول ص كما تقول الرواية عندما مسح على عيني الإمام علي ع يوم خيبر، مع هذا حول الشيخ الخرافة إلى ملته)،

وكذلك شاهدت (عبر سائل الإعلام المرئية) الناس يجتمعون على طفل تعلم قراءة التعزية الحسينية لينالوا بركاته المقدسة، وهو لم يصل حد التكليف، هذا فضلا عن إن أهله قد مارسوا عليه عملية تحطيم الذات وقهر كرامته، بتحويله إلى طفل يعيش أجواء مأساة مذبحة تاريخية كبيرة على عمره، الخ.

الناس في بقية المذاهب الإسلامية عندما ترى هذه الثقافة المتسيدة للمشهد الإعلامي والاجتماعي الشيعي، تقول هؤلاء رافضة مبتدعين (فضلا عن تهمة البهتان والقذف السيئ بأن الشيعية أبناء زواج المتعة، والمتعة في عرف النواصب أبناء زنى يجوز ذبحهم بسكين صدئ)،

لكنهم يغضون الطرف عن عراقة أهم مذهب جدلي وفلسفي استطاع ان يكسر جمود بقية المذاهب الإسلامية، التي باتت تعاني من كثرة الأئمة والدعاة الشباب التكفيريين، وتعيش دوامة فوضى الفتاوى العشوائية الصادرة من كل المساجد دون رقيب أو حسيب،

ولهذا تعد ظاهرة التكفير السلفي مدرسة ناصبية العداء لأهل البيت ع (مع إن الله وحده صاحب الحق المقدس في محاسبة الكافرين..ولم يكفر المسلمين في أي سورة أو أية قرآنية ولكن صنف بعضا منهم على إنهم منافقون أو مراءون أو أهل فتنة الخ. مع انه سبحانه فرقهم عن المؤمنين، قال تعالى: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"سورة الحجرات، اية 15

ابتدأ سموم تلك الثقافة مع ظهور فرقة الخوارج بعد معركة صفين، حيث استطاع الداهية معاوية ابن أبي سفيان إن يمارس اكبر عملية تحريف للسنة النبوية الشريفة في تاريخ الدعوة الإسلامية، الذي أصبح فيما بعد قاعدة أساسية لأغلب المذاهب أو الفرق السلفية التكفيرية

(أبناء مدرسة ابن تيمية وابن القيم الجوزي، وابن الجوزية -والألباني وابن عثيمين وابن باز، ورثة الضال المنحرف محمد بن عبد الوهاب)،

وهذه الفرق الناصبية هي اخطر الفرق أو الجماعات الإسلامية المتشددة على وجه الأرض، لأنها الوحيدة في العالم تعلن عن بيانها وخطابها التكفيري المؤدلج بوضوح، والمتعلق بجواز قتل الإنسان الذي يختلفون معه أو الذي يسمونه بالكافر،

وهذه اخطر طائفة تهدد حياة المواطنين من أبناء الطوائف والأديان والثقافات المتعايشة سلميا مع بقية المذاهب الإسلامية المعتدلة منذ عقود، لان الذي يبني عقائده الدينية أو الفكرية على أسس إقصائية هدامة ورافضة للأخر، لايمكن لها إن تكون مسالمة أو قابلة للتعايش الواقعي مع المجتمعات المدنية المنتظمة داخل حدود الدولة الرسمية ذات السيادة الكاملة(ولهذا هم يجددون دائما فكرة الإمارة والأمير، ودولة حركة طالبان)

ومن هنا نحن نؤكد على ضرورة اخذ الحيطة والحذر في التعامل مع هكذا توجهات انفعالية خارجة عن العقل والمنطق الإسلامي السليم، ونشير إلى حاجة المجتمعات العربية إلى إعادة تفعيل دور المؤسسات الدينية والأخلاقية الرسمية(الرسمية لاتعني بالضرورة إنها تابعة للدولة، ولكن مؤسسات منتخبة من قبل الأشخاص المعنيين بالأمر) لأخذ زمام المبادرة والمواجهة والتصدي لهذه الفرق الشاذة عن المجتمع والعقائد الإسلامية المعروفة،

وكذلك البحث ودراسة فكرة

تشريع القوانين الاجتماعية والأخلاقية والدينية المعتدلة، التي يمكن لها ان تحد من هذه الأفكار الهدامة والخطيرة، بل والضارة بمستقبل الأجيال القادمة(رغم مشقة وصعوبة تشريع هكذا قوانين )،

ولكن نجد إن اغلب الدول المتحضرة التي تصر على توجيه الأقليات الدينية المهاجرة أو المقيمة في بلدانهم على تعلم ثقافة احترام الغير والتعايش مع القيم الاجتماعية المختلفة سلميا،

وتطلق على هكذا نوع من الاحترام "احترام قيم المجتمع الغربي أو التابع للدولة المعنية بالأمر........"،

نحن أيضا نستطيع ان نضخ ثقافة وقيم المجتمع الإسلامي والعربي المتسامح، الرافض لكل أشكال العنف والاضطهاد الثقافي أو الديني،

ويمكن ان تكون صيغة هكذا قوانين مقترحة وموجهة لكل البرلمانات العربية والإسلامية ولكل مجالس الفكر والثقافة الوسطية، وفقا للاتي :

أولا:استنادا إلى القوانين والأعراف والتشريعات والقيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، يمنع إشاعة ثقافة الكراهة والحقد والتكفير....وتعتبر احدى اخطر الجرائم الاجتماعية التي يعاقب عليها القانون...............

ثانيا:تمنع المجالس العلنية التي تشيع ظاهرة الدجل والخرافة والشعوذة والسحر (عدا مجالس الذكر الصوفية التي تكون عادة للإنشاد بحب أهل البيت ع، ولكن إن خرجت عن ذلك وأصبحت مجالس للبدع والشعوذة فيشملها المنع المفترض)، لأنها تعد من المحرمات أخلاقيا واجتماعيا ودينيا..............

ثالثا:يجب الحد من مظاهر طقوس عاشوراء المغالية في إيذاء الجسد(وخصوصا منع مشاركة الأطفال الغير مقبولة إسلاميا ولا مدنيا ولا حتى إنسانيا)، المتمثلة بالتطبير(استناد وامتثالا لتحريم بعض المراجع الكبار لهذه الظواهر الغريبة والدخيلة على الثقافة العربية، ومنهم السيد الخميني وفضل الله وغيرهم رحمهم الله جميعا)، وضرب السلاسل، والمشي العشوائي الغير منظم إلى كربلاء، الخ.

رابعا:منع تسيس الشعائر الدينية أو اللعب بالورقة الطائفية أو الاثنية وحتى القومية، واستخدامها كوسيلة أو أسلوب لاستفزاز الطوائف والمذاهب الإسلامية والثقافية الأخرى، وكذلك بقية المكونات الاجتماعية................

هذه الأمثلة البسيطة المساقة هنا للتذكير بخطورة مخالفة الشرائع السماوية والأرضية، نجد إنها خطوة مهمة لفتح باب الحوار الثقافي، والإسلامي، والاجتماعي، بين النخب الثقافية الواعية لهذه المؤامرة الفئوية المحاكة بعناية فائقة، لاستمالة مشاعر الناس والسيطرة عليه وعلى عقولهم،

الجميع أصبح شاهدا حيا على مافعلته الإدارة الامبريالية العالمية المتحالفة مع بعض الدول العربية والإسلامية الخبيثة في صناعة أفواج الجهاد الأفغاني في صراع الحرب الدولية الباردة السابقة،

والتي تحولت اليوم نحو مشروع الشرق الأوسط الجديد، مستعينة بأئمة التكفير والضلال في بعض دول الخليج، لتحوير الصناعة القديمة وصياغتها لتجربة جديدة اسمها "التجربة السياسية السلفية "لتدمير روح المجتمعات العربية وكسر ارادة أبنائها الطامحين للحياة الحرة الكريمة،

ويمكن أيضا ملاحظة الجهة الإقليمية ألأخرى، المتمثلة بالخطوات إلايرانية المحمومة لاستغلال العواطف الشيعية الجياشة والهائجة بحب أهل البيت عليهم السلام في العراق، لمصادرة جزء من قرار هذه الطائفة المظلومة عبر شخصيات قراقوشية حديثة العهد باللعبة السياسية الطائفية(وبعضها كان يعمل مع الأجهزة الأمنية الإيرانية سابقا)،

مع إن كلمة الحق يجب إن تقال هنا، إن جرائم التدخلات الخارجية في الشأن العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كانت تأتي دوما من بعض الدول العربية المرتمية في أحضان الرأسمالية الاستكبارية العالمية، فقد تحولت هذه التدخلات الإرهابية بعد تغيير النظام الطائفي البعثي السابق، المستهدفة لأبناء شعبنا العراقي المسالم وحتى العربي إلى مذابح جماعية خارجة عن كل التصورات والتوقعات الإنسانية والإسلامية، ولايجوز مقارنتها بشيء من التدخلات الإيرانية الخاصة في الشأن العراقي أو العربي،

وذلك يرجع لجملة من الأسباب الموضوعية والواقعية، ومنها بالطبع الحصار الدولي الموجه منذ زمن للجارة إيران، والذي يحتم عليها في مثل تلك الظروف الاستعانة بالأذرع الخارجية المزعجة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهي بهذه الخطوات تقترب حاليا من المصلحة العليا للأمة العربية المتمثلة بضمان حماية الأمن القومي العربي تجاه الخطر الإسرائيلي الدائم في المنطقة

(لكنه يبقى ضمن سياق التعريفات السياسية تدخلات خارجية).

إن الثقافة الإسلامية المنفتحة على جميع الثقافات والأديان السماوية والأرضية، تحتاج إلى تفعيل الدور الرسمي السياسي والثقافي والتربوي لمواجهة خطر العنف الفكري، أو الثقافي الطائفي، أو الاثني،

حتى تتمكن في نهاية المطاف من خلال حركتها الفاعلة اقتحام المؤسسات العربية المدنية(الجامعة العربية) والتشريعية، لانتزاع بعض التشريعات القيمية المتناغمة والمتوافقة مع المبادئ الإنسانية والإسلامية المتسامحة مع المسيرة الحضارية العالمية، والمتواصلة حواريا مع بقية الشعوب والأمم المنتشرة في أرجاء المعمورة،

ولكي تمنع انهيار المجتمعات العربية وتبعدها عن هاوية الدخول في ظلام الحقبة العصرية الالكترونية للقرية الكونية.................

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2147 الأحد  10/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم