أقلام حرة

مشاريع السدود التركية قبل 17 عاما: بيروبجيك وقرقميش نموذجا / علاء اللامي

"إعلان تأسيس لجنة الدفاع عن الرافدين .. لم يعد الصمت ممكناً ولا بريئا"، وفيها نتابع خطوات تنفيذ مرحلة جديدة وخطيرة من مشاريع السدود التركية على الرافدين فتركيا بموجب الخطة الجديدة، التي بدأ تنفيذها سنة 1995،  لم تعد طرفا مباشرا في المشروع، لا من حيث التخطيط ولا التنفيذ، بل أنها ستسلم السدين الجديدين "بيروبجيك " و"قرقميش" بعد خمسة عشر عاما جاهزين لحبس ما تبقى من مياه الفرات. وسوف تتولى مهمة التنفيذ ثلاث دول أوروبية غربية هي: فرنسا وألمانيا وبلجيكا وقد تشارك لاحقا دول أخرى من بينها اليابان وهولندا. وسيكلف المشروع ألف مليون دولار وسوف تتولى عملية التمويل مجموعة من البنوك لم تعلن جنسيتها كلها وتقدر بأربعين بنكا. علما بأن فكرة إنشاء السدود التركية العملاقة على الرافدين لم تكن فكرة تركية أصلا بل هي أميركية. فقد كشف الكاتب المتخصص بالشؤون التركية حسني محلي، في مداخلة له في برنامج تلفزيوني عن الواقعة التالية والمعروفة في تركيا، كما يبدو، على نطاق واسع. قال محلي  (كانت الفكرة أساسا عام 1955 أو 1954 ، عندما طرح موضوع بناء السدود على الفرات ودجلة وآنذاك لم تكن هناك في المنطقة لا مشكلة مياه أو غيرها، و المياه كانت كثيرة، فكُلِّفَ شخص يدعى "رجائي كوتان" الذي أصبح وزيرا للطاقة في حكومة نجم الدين أربكان فيما بعد، بإعداد  دراسة حول هذه الأمور، وذهب " كوتان" إلى المنطقة على حمار لأنها جبلية وعرة و لا تسير فيها السيارات و عاد، وأعدَّ تقريرا  اقترح فيه إنشاء عدة سدود صغيرة على الفرات ودجلة و وصل التقرير إلى رئيس مؤسسة المياه الوطنية وكان آنذاك سليمان ديميريل، و عندما تحدث ديميريل – بعد ان أصبح رئيسا لوزراء تركيا - حول الموضوع مع الأميركان، قال الأميركيون له: لماذا هذا الغباء؟ هذا السلاح سلاح قوي يمكن أن تستغلونه ضد سوريا والعراق. فالأميركان هم الذين اقترحوا على تركيا أن تبني سدودا كبيرة على الفرات ودجلة. / برنامج " تحت المجهر" الجزيرة/ 22/7/2010 ).

 

يقع السد الأول "بيروبجيك" على مسافة عشرين كيلو مترا من الحدود السورية ، وإذا كان البعض يرى شيئا من الاستفزاز في قرب هذا السد من الحدود السورية فماذا سيقول لو علم أن السد الآخر يقع على مسافة كيلو مترا واحدا من تلك الحدود؟ وتتوقف تلك الوثيقة العراقية في " الكتاب الأحمر" بصراحة ووضوح عند العوامل والأسباب التي تصعب من مهمة التصدي الفعلي لهذا المخطط التدميري وتذكر من بينها ظروف سياسية واجتماعية عديدة يتمظهر أهمها في المعالم التالية:

- حرب الإبادة المزدوجة التي يشنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة من خلال حصارها الشامل المفروض على الشعب العراقي والقمع الدموي الذي يشنه النظام البعثي الصدامي على هذا الشعب الباسل الصبور.

- تشرذم أغلب قوى المعارضة العراقية وارتباطها العضوي بالدوائر الإمبريالية العالمية وانشغالها في صراعات داخلية وصلت إلى حد الحرب الشاملة بين أطراف الحركة القومية الكردية لتحقيق أهداف فئوية ضيقة ولا علاقة لها بالمصالح العليا للوطن والشعب العراقي.

تماسك أطر اف التحالف المعادي للعراق والمكون أساسا من الإمبريالية الأميركية ومحمياتها في الجزيرة العربية والخليج والدول الرأسمالية في أوروبا الغربية والإمكانيات المالية والتقنية المدنية والعسكرية، التي تتوفر عليها أطراف هذا التحالف.

هشاشة وضعف الحركات السياسية الجذرية كالأحزاب والحركات الشيوعية والاشتراكية وهو ضعف بنيوي أصلا زاده ضعفا تعلق بعض قيادات هذه القوى بأفكار البرويسترويكا الروسية .

-  انعدام الوعي المعلوماتي بهذه القضية المصيرية (تنشيف الرافدين وإزالة  الكيان العراقي من الوجود) لدى السواد الأعظم من الناس، وحتى لدى النخب التي تتعاطى النشاط السياسي في الحكم كما في المعارضة.

ولكن ما الجديد الذي جاءت به حيثيات المخطط الجديد؟ لعل من أبرز ما يتميز به هو دخول عدد من الدول الاستعمارية الافلة والرأسماليات الفتية إلى الميدان بصفة المسؤول المباشر عن تنفيذ السدين وستدوم هذه المسؤولية طوال فترة الإنشاء، أي طوال خمسة عشر عاما تنتهي بتسليم السدين الجاهزين للسلطات التركية.

إن مشروعا خطيرا وبأبعاد كالتي سبق ذكرها لا بد له من غطاء سياسي يوفره الحليف الأكبر : الولايات المتحدة من خلال " مجلس أمنها" ولا بد له من غطاء عسكري توفره القواعد العسكرية الأطلسية العديدة  في تركيا ودول الخليج، أما الغطاء المالي فلن تبخل به المملكة السعودية و الكويت إذا  تأكد لهما أن المخطط سيزيل من خارطة العالم ما تسميانه أبواقهما الإعلامية  "الحقد الأسود في الشمال" أي العراق! ولا ندري لماذا يحقد العراق على بلدين جرداوين كالسعودية والكويت مع أنه أغنى منهما وأعرق منهما حضارة وثقافة ونمط حياة وأكثر استقلالا واقترابا من روح العصر الحديث!

لقد تقدم مخطط تصحير العراق خطوات واسعة وتم إنشاء عشرات السدود على روافد الفرات ومن أكبرها سد آتاتورك وقرقايا وكيبان ومشروع النفق الضخم الذي ستُسْرَق بواسطته المياه من أحد روافد دجلة، وهو بالمناسبة نهر عراقي بحت لأنه لا يتشكل كنهر بعد أن تصب فيه روافد عديدة إلا على الأرض العراقية أما الموجود في تركيا فهو رافد من روافده يحمل اسمه. ولكن صمت النظام ومعارضيه أغرى إيران أيضا بدخول الميدان فأعلنت أنها ستقيم ثمانية سدود على روافد دجلة "بثت الخبر هيئة الإذاعة البريطانية نهار العاشر من كانون الثاني 1996 ".

إن السدين الجديدين سيحرمان سوريا والعراق من ثلث المياه التي كانت تتدفق إلى البلدين والتي أُنْقِصَت إلى أكثر من ذلك بعد إتمام سد آتاتورك، وحين تعترف تركيا وحلفاؤها بسرقة الثلث فيجب على المراقب المحايد أن يضاعف الرقم.

 إن هذا المخطط برمته، يمثل عدوانا معلنا وصارخا وخطيرا على العراق وسوريا. إنه عدوان مباشرة يستهدف الناس والأرض ويصل إلى درجة إعلان الحرب حتى بمقاييس  وثائق ومعاهدات المنظمات الإمبريالية والتي يسمونها دولية.

من هنا بالضبط، يجب أن يرتفع رد الفعل الدفاعي للعراقيين ليكون الحل الحاسم في تدمير هذه السدود بالقوة العسكرية، غير أن مهمة كهذه لا يستطيع الاضطلاع بها إلا نظام وطني حقا وديموقراطي ثوري فعلا يمنح الناس فرصة الدفاع عن انفسهم وبلادهم ويقود عملية الدفاع بكل الحسم الضروري. لكن عدم وجود نظام كهذه في الراهن لا يعني الركون إلى الصمت، فالصمت لم يعد ممكنا، وأكثر من هذا فقد أصح مريبا ويلحق أفدح الأضرار بمستقبل العراق.

إن مسؤولية كبيرة تقع الآن على عاتق الوطنيين الحقيقيين هي مسؤولية التصدي لهذا العدوان ومهما تكون قسوة الظروف وحالة التشتت والتبعثر واليأس وانعدام الثقة بالحركات والأحزاب السياسية التقليدية فإن ما سوف يقوم به هؤلاء الوطنيون سيكون له تأثيره التعبوي والإعلامي والتعريفي، ولعل الصيغة المناسبة والبسيطة لترشيد نشاطاتهم هي تنظيم أنفسهم في لجان مترابطة يجمع الأعضاء المتضامنين فيها هدف الدفاع عن الرافدين بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية ،وبهذه المناسبة نعلن عن مبادرتنا بتشيكل أول لجنة للدفاع عن الرافدين، وندعو المثقفين الوطنيين وكل من سيطلع على بياننا هذا إلى تشكيل لجانهم والتنسيق النشيط فيما بينهم.

وتختم لجنة الدفاع عن الرافدين بيانها التأسيسي بالقول (إنها حقا لمهمة عسيرة وشاقة ولكنها مشرفة بما تنطوي عليه من معاني الدفاع عن الحياة والمعنى ضد أعداء الحياة والمعنى. إنها فعلا قضية وجود وصراع من أجل الحياة ومن أجل بقاء العراق مهد الحضارات شامخا. ومن جهة أخرى نؤمن بأن المعركة لن تكون متكافئة والنصر فيها لن يكون قريب المنال إلا حين يرفع الوطنيون والثوريون شعار توحيد العراق ودول الشام في دولة اتحادية "فيدرالية" يكون لها جيشها الواحد الموحد وقيادتها المشتركة.إن الصمت لم يعد ممكنا ولا بريئا، ولكي لا يكون قاتلا ندعو جميع المخلصين إلى العمل الجاد دفاعا عن الرافدين في بلاد الرافدين)

وحين يرصد المراقب المستقل اليوم المعلومات الواردة في هذه الوثيقة والوضوح الذي سردت به سيصاب بالدهشة دون ريب لهذه اللامبالاة التي تقترب من حالة الخذلان والاستهتار التي اتسمت بها ردود أفعال نظام صدام حسين وخصومه في ما كانت تدعى "المعارضة العراقية" وهذه الأخيرة، كما اتضح لاحقا،  لم تغير سياساتها حين وصلت إلى الحكم  إن لم تكن قد ازدادت سوءاً وخذلانا وتخليا عن دجلة الفرات.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2147 الأحد  10/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم