أقلام حرة

ضرورة إصلاح النظام التربوي .. وإنشاء المدارس الداخلية / مهدي الصافي

بعيدة عن ظاهرة التراجع التربوي والثقافي للمجتمعات العربية عموما والعراق خاصة،

بل لان مؤسساتنا التربوية والاجتماعية تجاهلت من قبل ولازالت تتجاهل أهمية العناية والاهتمام والسيطرة الأخلاقية والأدبية والثقافية والتربوية على الأطفال في المدارسة والشارع والبيت،

فقد سبقتنا الأمم المتقدمة حضاريا في هذا المجال (وكان الأولى ان لا ننتظر كثيرا حتى نستفيد من تجاربهم)، بعد ان خاضت تجارب مريرة في تفسير ظواهر العنف الاجتماعي عند الأطفال والمراهقين (وصار القضاء عندهم لايحكم قبل ان يتأكد ويراجع الحالة النفسية للشخص أو الطفل المتهم بجريمة أو جناية)،

فجاءت خطواتهم العملية الأساسية بعد دراسة مستفيضة متناغمة مع الأسباب والحلول ومحصلة النتائج، لإصلاح نظامهم التربوي بشكل شامل،

المتضمن لطبيعة بناء المدارس، وتثبيت أوقات الدوام الرسمي المطولة (حتى لايذهب الأطفال إلى الشوارع لشغل أوقات الفراغ)، ونوعية المناهج المختارة الميسرة والسهلة الفهم للطالب، واصطفاف الحكومة ووزارة التربية والمؤسسات التربوية إلى جانب الأطفال ورعايتهم وكفالتهم كفالة تامة وكاملة، بغية حمايتهم من ألأساليب والمظاهر الشاذة كالعنف والسباب أو الإهانة التي يمكن ان تصدر من قبل بعض المدرسين أو المعلمين، ولمنع انتشار ظاهرة التسيب والتسرب من المدارس، ولهذا تجد الشرطة في هذه الدول تستوقف الأطفال عند أوقات الدوام الرسمي لتسألهم عن أسباب ترك المدرسة في هذه الأوقات، ويتخذون الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وحق أسرهم

 (والتي تكون واحدة منها قطع المساعدات الخاصة بالطفل عن أهلهم وإرسالهم إلى المدارس الداخلية بعد عدة انذرات توجه للعوائل المهملة لأبنائهم)، هذه الطريقة الناجحة في مراقبة الأطفال تحد من ظاهرة انتشار ألأجيال المهيأة للدخول إلى عالم الجريمة وحقل المخدرات والفساد الاخلاقي،

 (ولكم واحدة من عشرات إن لم تكن المئات والآلاف من قصص فشل اندماج الأطفال العائدين من الدول الحضارية في المدارس العراقية، فبعد ان تمر هذه العوائل بدوامة الخيار الصعب المتمثل بفكرة البقاء في دار الغربة المستقرة والمتكفلة بالعيش والصحة والتعليم ومستقبل الأطفال،

وبين مرض الوطن والأهل والأصدقاءhome sick

والبلد المغبر بكل شيئ، تصبح عملية اتخاذ القرار كحالة دوار البحر، لأتعرف ماذا تفعل وخصوصا إن الآباء والأمهات هم أنفسهم يعانون من الاندماج الطبيعي مع مجتمعاتهم ووطنهم فكيف بأبنائهم، لتغيير الكثير من الأخلاقيات ............

احد الأصدقاء يقول كنت أتوسم خيرا في المدارس الأهلية، ولكن وبعد ان تمرغ هو وعائلته بتراب الوطن، وتقرحت البشرة بحرارة لهيب صيفه الحارق، عاد إليه أولاده في اليوم الثاني رافضين الذهاب ثانية إلى المدرسة، لانهم شاهدوا المعلمة تمسك بالعصا وتضرب الطلبة، فسحبهم من هذه المدارس التي لاتستحق فلسا واحدا على خدماتها،

إلى المدارس الحكومية ولكن الطامة اكبر وأعظم، فقد جاءه ابنه الأكبر وهو في المرحلة المتوسطة، قائلا هل يمكن ان تشرح لي معنى (قزالقرط وهي تركية كما يبدو) فقد صرعنا الأستاذ بتكرارها، ثم بدأت معاناة محاربة المعلمين في مادة الانكليزي لهؤلاء الطلبة، لانهم دائمي التصحيح لهم، لان لغتهم الأولى هي الانكليزي، هل هي مدرسة للتربية والتعلم أم حقل لتخريج القطيع، هذا الكلام يخص الأعم الأغلب لمدارس العراق، الخ.)

هل يعرف رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية،  أو البرلمان، أو وزير التربية وحتى الشخصيات الدينية والاجتماعية، ان أطفال العوائل المتغربة تعاني في عودتها إلى ارض الوطن من الأخلاقيات والسلوكيات والألفاظ السيئة المنتشرة في المدارس العراقية،

بمعنى أخر إن الخارج المتحضر (هذا يسميه الإسلاميين بعالم التعرب بعد الهجرة) علمهم الأخلاق والأدب والاحترام، لان كل مدرسة من المدارس هناك لها منظومة قيم يعلموها لطلبتهم أولها (الاحترام-الثقة-الالتزام والمسؤولية-التعاون-العناية والاهتمام بالآخرين-النظافة، الخ.)، وقبل كل هذا يأتيهم المعلم وهو مصقول على لغة الأخلاق والاحترام والحذر الشديد في التعامل مع تلاميذه، مع إن القيم الإسلامية أعظم من كل تلك التفاصيل البسيطة، إلا إن البعض يتجاهلها بخبث وخسة وغباء.

لقد تحدثنا وكتبنا وعبر الكثيرون من أهل الخبرة والتجربة التربوية حول ضرورة إصلاح النظام التربوي،

عبر عدة مقترحات منها تغيير شكل وطبيعة وصورة البناء المدرسي، وتعديل أو تغيير مناهج وخطط وطريقة التدريس (استخدام الوسائل الالكترونية الحديثة للتعلم)، وتحويل نمط الدوام الرسمي وأوقاته بحيث يشمل زيادة ساحات وأوقات اللعب داخل المدرسة (بحيث يكفل كما قلنا عدم تواجد الأطفال في الشوارع بعد الدوام الرسمي، لحمايتهم من أي ظاهرة اجتماعية سيئة وتقليل الحوادث التي يتعرضون لها)،

وكذلك نحن بحاجة إلى لوائح وقوانين أخلاقية تلزم المعلمين والمدرسين بتغيير أسلوبهم وسلوكياتهم التربوية داخل المدرسة، مع إيجاد صيغ عملية فعالة لعقوبات رادعة بحق من تتكرر بحقهم شكاوى الطلبة أو الواردة عبر ذويهم،

هل يعقل ان مخلفات الإمبراطورية العثمانية التي غادرت العراق منذ عشرينيات القرن الماضي لازالت تطبع في عقول بعض المتعلمين ثقافة القز قرط-وغيرها من العبارات السخيفة (أنجب يعني اسكت-وطاح حظك-املص أذانك-اكسر راسك-اضرب راسك بالحائط-اثول-ثور-ماتفتهم-ازمال-ارعن-حيوان-غبي-أدب سز الخ) .

لايمكن لأي امة تهين أطفالها وتقمعهم في مراحلهم الأولى من التعلم، ان تنهض أو ان يبدع أبنائها في المستقبل،  (كما لن تتمكن أي امة تتجاهل أراء ومقترحات واطروحات وتوجيهات وأفكار مفكريها ومثقفيها ومبدعيها الراغبين لإصلاح مجتمعهم وحمايته من الهاوية والجهل والتخلف من النهوض والتقدم أو الازدهار، ) ولذلك تقع مسؤولية أخلاقية تاريخية على الحكومة العراقية للاهتمام والنظر بمثل هكذا مواضيع ومقترحات تطرح للنقاش والدراسة، لأنها السبيل الوحيد الكفيل بتصحيح مسار التنمية البشرية في المجتمع.

أما ما يرد من قبل بعض المعلمين حول صعوبة التعامل مع بعض الطلبة السيئين، الذين كما يدعي الأساتذة بأنهم قليلي التربية ( ولهم الحق في بعض هذه الحالات)، نقول ان نظام المدارس الداخلية الشائعة في أوربا والعالم المتقدم، هي احدى أهم وسائل المعالجة العصرية لمثل هكذا حالات قد تظهر في المجتمع،

بحيث تكون هذه المدارس بمثابة المؤسسة الإصلاحية الشبيه بمايسمى (السجن الإصلاحي مع الاختلاف المعروف بين المؤسستين)،

فهذه المدارس تكون مجهزة لاستقبال أطفال الشوارع والأيتام ومن يتعرضون للعنف المنزلي (بسبب المشاكل العائلية)، وكذلك الأطفال السيئين في المدارس الحكومية أو الأهلية،

تجربة وطريقة عمل هذه المؤسسات التربوية معروفة ويمكن لوزارة التربية العراقية الرجوع إلى أي دولة تعمل بهذا النظام الأخلاقي الفعال، وتستعير أو تستنسخ هذه التجربة الحضارية (وما أكثر الندوات والمؤتمرات التي عقدت خارج العراق منذ الاحتلال 2003 دون ان نرى أي تغيير في الواقع العراقي العام، ويمكن لها إن تبحث في واحد من هذه المؤتمرات معالجة مشكلة الطفولة العراقية)،

التي أهم مافيها إنها تعمل على تقليل ظاهرة التشرد والضياع، الذي يمكن ان يتعرض له الأطفال لأسباب مختلفة، وبالتالي ستكون سلوكياتهم وبالا على المجتمع ان أهمل التعامل معها ومعالجتها مبكرا،

إن العنف المستشري في عموم المجتمعات العربية وحتى الشرقية،

هو عنف تصنعه المؤسسات الاجتماعية (البيت الشارع وحتى المدرسة، الأعراف والتراثيات القبلية والعشائرية) والتربوية، بإهمالها لأهم شريحة اجتماعية، هي بالطبع شريحة الأطفال، (اغلب الجرائم الإرهابية أو الجنائية التي نفذت في العراق كانت لشباب مراهقين وأحيانا أطفال، وفيما يلي بعض مهام وأسلوب عمل وإدارة مثل تلك المدارس الداخلية:

اولا:توفير السكن الدائم للأطفال، مع تأمين الوجبات الغذائية اليومية، ومصرف جيب بسيط يزداد كلما يزداد تحسن سلوك الطفل............

ثانيا:تكون فيها صفوف مدرسية للمراحل الابتدائية والمتوسطة كافة، ومع تواجد المعلمين والأساتذة الأكفاء، الباحثين الاجتماعيين المتخصصين في معالجة السلوكيات الشاذة لبعض الأطفال

ثالثا:يمنع خروج الطفل بمفرده إلى الشارع أو إلى أي مكان أخر، ويجب إن يكون برفقة احد المشرفين على هذه المدارس............

رابعا:يمنع على الطفل الاتصال بأهله في بادئ الأمر، لانهم هم أساس مشكلة انحراف سلوكيات الطفل، ولكن يمكن ان يسمح له بالتحدث إليهم عبر الهاتف، وزيارتهم بين حين وأخر ضمن جدول يحدد لمثل هكذا برامج

خامسا:تكثف برامج الدراسة والتعليم والتربية الأخلاقية والدينية، وكذلك بعض برامج الترفيه الخ.

سادسا:يضاف نظام العقوبات الداخلية المتمثلة بتأخير المنح والهدايا والجوائز للأطفال المشاكسين، وكذلك تأخير عودتهم لمنازلهم أو لمدارسهم الاعتيادية، لأنها ستكون مدارس مقيدة لحركتهم لتعلمهم الالتزام والاحترام وإتباع القوانين التربوية الصارمة..............

يجب إن تهتم الحكومات المحلية والمركزية الاتحادي بمثل هكذا مدارس، لأنها مؤسسات تربوية تساعد الأطفال أولا والمجتمع ثانيا على تجاوز مشكلة العنف الاجتماعي،

وتعمل على غلق بعض نوافذ الجريمة والعنف والإرهاب الذي يمكن إن تسير إليه تلك الشرائح البريئة،

الأمر ليس فيه تكلفة مادية كبيرة لأنها ستكون مدرسة كأي مدرسة حكومية أخرى، ستحتضن الطلبة وتخفف من أعباء بقية المدارس، ولكن المصاريف فقط ستكون لرواتب المشرفين والمراقبين (الذي يفضل ان يكون كادره جميعا من النساء) وتغذية الأطفال اليومية (والحصة التموينية تكفل لهم جزءا مهما منها)، التي نعتقد يجب ان تعود لبقية المدارس الحكومية،

هذا فضلا عن ضرورة تبني مجلس النواب العراقي قرارا أو تشريعا خاصة بحماية الطفل، عبر توفير ورصد رواتب شهرية أو أسبوعية للأطفال حتى عمر المراهقة لأصحاب الدخل المحدود (بحيث يمكن استبدال تشريع توزيع مئة دولار من فائض عائدات النفط، ليكون تخصيص رواتب للأطفال أفضل واسلم)،

والتي ستساعد بدورها العوائل الفقيرة أو المتوسطة الدخل من منع انخراط أبنائهم في سوق العمالة المبكرة، وتقلل من أعباء التربية الصعبة على الأسر الفقيرة،

على اعتباران أطفالهم من أكثر شرائح المجتمع معاناة ومأساة، فهم ضحايا الجشع الرأسمالي الذي تريد الديمقراطيات العربية ان تتبعه لتجويع فقراءهم وفقا لنظرية البنك -وصندوق النقد الدولي!


مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2149 الثلاثاء  12/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم