أقلام حرة

شبكة الإعلام العراقي .. في ميزان تقييم الاداء / مهدي الصافي

وترسم للمواطن صورة ضبابية عن حقيقة دمار وكوارث الحروب والنزوات والنزعات السلطوية ودمويتها السادية،

غايتها حجب الرؤيا الواقعية تماما عن أعين المواطنين، وإشغال الفكر الاجتماعي، وتذويب الروح الإنسانية (الآدمية) وصهرها بمحارق الانحراف البعثي.

جاءت شبكة الإعلام العراقي بعد سقوط النظام البائد كبديل وطني مفترض، تقع على عاتقها انتشال المجتمع العراقي من وحل الثقافة الانهزامية القاصرة عن النهوض (الاتكالية والانكسارية،الخ.)،

وتعزيز دور ثقافة الوحدة الوطنية في ترسيخ المبادئ الديمقراطية الوطنية، وبناء جسور الوصل الطائفي والعرقي أو الاثني بين المواطنين، وأخذها الحيطة والحذر في بث المواد الإعلامية المثيرة سياسيا واجتماعيا ودينيا، وواجب تمسكها بمهنية ونزاهة الرسالة الإعلامية المحايدة، ولكن أثبتت الوقائع والإحداث إن احد أهم أسباب تغيير مدراء شبكة الإعلام العراقي،

هو فشل هذه الشبكة في إدارة الإعلام الوطني بشكل صحيح، وكثرة اللغط الحاصل حول فساد بعض مدراء وموظفي تلك الشبكة، التي تدير وتسيطر على عدة مجالات إعلامية، منها بعض المجلات (مجلة الشبكة التي رأس تحريرها عدة أسماء غير معروفة بثقافتها)،

والصحف (جريدة الصباح ومعروف طبيعة الخلافات والأزمات التي حصلت فيها)،

 إضافة إلى القنوات الفضائية العراقية الرسمية، وبعض قنوات البث الإذاعي

(ويقال إن غياب بعض مذيعي وموظفي تلك الشبكة، جاء لأسباب النزاهة حيث أشير عبر عدة مواقع الكترونية حول إثراء بعض هؤلاء الموظفين على حساب مهنيتهم ونزاهتهم الإعلامية)، التي يجب ان تكون احد أهم أولوياتها جلب اكبر عدد من المشاهدين

(وفي القنوت الرسمية تعد أحيانا عملية كسب أو جلب المشاهدين من الضروريات القومية والوطنية، ولذلك تعتبر مسألة رصد ميزانية كافية لدعم الشبكات الإعلامية من واجبات السلطات الرئيسية في البلاد، بما فيها ميزانية لدعم الدراما والبرامج والفعاليات الإعلامية المحلية)،

لكننا نرى ان المواطنين موزعين كلا حسب رغبته (وفقا لانتماءاته وثقافته) لمتابعة قنواته الفضائية المفضلة، دون إن تستطيع أي قناة فضائية عراقية (واحد على الأقل) تكون محطة وطنية لتوحيد المشاهدين لرؤيتها والقناعة بحياديتيها ونزاهة رسالتها الإعلامية

(من وجود نسب متفاوتة فيما بينها اقصد القنوات العراقية في تناول الأحداث بمهنية عالية)،

و يمكن رصد بعض حالات الخلل التي اتسمت بها تلك الشبكة الحكومية الرسمية منذ انطلاقها:

أولا:تقديم برامج سياسية عبر استقدام بعض الشخصيات المحسوبة على الحكومة أو ممن تربطهم علاقات صداقة مع مدراء وموظفي شبكة الإعلام العراقي، وإدراج شريط تعريف ملون بأسمائهم تشير إلى إنهم محللين سياسيين، ولكن سرعان مايكتشف المشاهد فقر التحليل والنظرة السياسية لهؤلاء، وهذه العملية تكررت باستمرار........

ثانيا:عدم إتباع الطرق المهنية والفنية والتقنية في تقديم البرامج التلفزيونية، حتى باتت برامجها التلفزيونية (التي يبدو إنها تطرح من خلال أفكار معديها ومقدميها البسطاء ثقافيا)

وسيلة منفرة للمشاهدين والمتابعين لهذه القناة ووسائل الإعلام الأخرى التابعة لها، على الرغم من ان الموازنة الحكومية الهائلة المرصودة لها كبيرة جدا، والتي يبدو أيضا إنها تتبخر قبل ان تنعكس على واقع أداء الشبكة...

ثالثا:فشل نشرات الأخبار والبرامج السياسية من التفاعل والتعامل مع الأحداث بشكل واقعي، وإنما تجدها متسرعة مقتضبة هامشية لا تبحث عن جوهر الحقائق،

وإذا سارع احد الشخصيات المتواجدة في أي برنامج سياسي إلى تشخيص خلل ما يخص الحكومة أو الواقع السياسي،

يحاول مقدم البرنامج قطع الموضوع وتحويل سؤاله إلى ضيف أخر، وكان سلاح الرقابة لازال فاعلا ويعمل بشدة في هذه الشبكة، المفترض إنها مرآة عاكسة للحقائق، موجهة لكل المجتمع العراقي بكل أطيافه (ولهذا قلما تجد ان مدير حلقة برنامج سياسي معين، يمتلك الشجاعة في طرح ومناقشة الأسئلة مع الضيوف بشفافية نقدية واضحة)

رابعا:تشجيع شبكة الإعلام العراقي للممارسات الثقافية المعزولة عن الشارع، المساهمة في نشر الثقافة الطقوسية المخالفة لروح العصر، كبثها مشاهد المسيرات الحاشدة لزيارة باب الحوائج الإمام موسى الكاظم ع، في حين إن هناك مراجع وشخصيات دينية معروفة أفتت بأن زيارة المشي يجب ان تكون في زيارة أربعينية الإمام الحسين ع،

ودورها هذا يعد دورا سلبيا، لأنه يبث ثقافة التجهيل بين أفراد المجتمع، ويشجع بعض جهال الشريعة والفقه من الانتفاع والاستفادة من دعم الشبكة الإعلامية الرسمية لهم ولمسيراتهم الغير مجدية، لأنها خارجة عن السيطرة والمألوف، ولايمكن لأي جهاز امني في العالم ان يحقق نسبة امن عالية، في مثل تلك المسيرة المكلفة والممتدة لمناطق مختلفة، حتما ستسبب لهم وللدولة الكثير من المشاكل (ومنها سهولة استهدافهم من قبل العناصر الإرهابية الإجرامية)

خامسا:لايوجد حضور ثقافي أو إعلامي واضح لشبكة الإعلام العراقي عند تفاقم الأزمات السياسية، وأخرها خلافات سحب الثقة عن حكومة المالكي، حيث بدا وكأن الشعب العراقي في حلبة مصارعة أو في ميدان لعبة كرة القدم لكثرة التصريحات المتضاربة التي بثت عبر اغلب الشبكات الإعلامية العراقية والعربية،

دون ان تستطيع شبكة الإعلام العراقي من ان تكون مرجع محايد، وسيدة الواجهة الإعلامية المستقلة، لضبط التناقض والتزاحم في نقل ورد التصريحات والبيانات الشخصية للسياسيين وأعضاء مجلس النواب،

ولهذا صار لزام على المرء ان يتجول في معظم وسائل الإعلام الالكترونية أو الورقية ليغربل صحة الخبر من عدمه، وهذا يحسب ضعفا في أداء الشبكة الإعلامية الرسمية

سادسا:انتشار ظاهرة الرسائل الإعلامية الخارجية المكلفة (مصر-الأردن-الإمارات-اليمن-أمريكا –وكندا-فرنسا-بريطانيا، الخ.)،

لكنها رسائل تعكس وجهات نظر المعدين لها، وثقافة الوسط الذي تتبناه، دون ان تكون هناك برامج ثقافية وحوارية تبحث عن مفكري ومثقفي وأدباء المهجر المغيبين (علما إن المثقف والأديب العراقي يعد من أكثر مثقفي العالم حرمانا وفقرا وإهمالا رسميا وشعبيا، فهو يكتب بعيدا عن وسطه الطبيعي، يطبع وينشر كتبه دون ان تكون هناك آليات وطنية محلية تعمل على التعريف بمنجزه الإبداعي، وهذه الحالة استمرت لأكثر من ثلاث عقود)،

رغم محاولات البعض من معدي تلك الرسائل التلفزيونية من اختراق جدار الصمت والتجاهل والروتين المتبع والمعتاد من قبل إدارة الشبكة، لكن شمولية الطرح الرسمي في الدول والتجارب الديمقراطية الحديثة يجب إن تغطي معظم المساحات والتوجهات الثقافية والاجتماعية المتنوعة في الداخل والخارج ...............

من الطبيعي هناك العديد من الإشكالات والمواقف والنتاجات الخاصة بشبكة الإعلام العراقي، منها من لامس الواقع وتحدث عنه بشفافية وحيادية حذرة، وأخرى ابتعدت عن تغطية الأحداث والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية،

لهذا نرى إنها غير معنية بمتابعة الخط الثاني أو الثالث من درجات الفساد الحكومي أو العام، حيث يمكن ان يلتمس لها العذر ولأسباب أمنية في متابعة وملاحقة فساد الخط الحكومي الأول،

ولكن الخروج لمتابعة عمليات تهديم العراق (أي أعمار بشكل قشري ظاهري) من قبل شركات محلية بائسة، كعملية تعبيد الطرق الفاشلة، وبناء وتأهيل المدارس والمستشفيات والمراكز الحكومية الأخرى، وممارسة السمسرة الرسمية بين الوزارات والشركات الشبه استثمارية من قبل بعض الموظفين الفاسدين،

إضافة إلى متابعة هموم ومشاكل وطلبات الناس، الخاصة بقطاع الخدمات العامة، وغياب بعض مواد الحصة التموينية، وأسباب الاختراقات الأمنية، والدخول إلى بعض السجون لمتابعة مظلومية بعض المواطنين،

(اغلب البرامج التي نشاهدها هي برامج مدح وثناء وشكر للدوائر الحكومية، طيب إن كانت هذه هي حال دوائرنا الموقرة فلماذا هذا الكم الهائل من ملفات الفساد المالي والإداري الذي يتقدم به بلدنا عالميا)،

وأين أجوبة الحكومة العراقية حول بعض التسريبات التي ينشرها سرا عدد من موظفي شبكة الإعلام العراقي حول فساد بعض موظفي الشبكة؟

أين ذهبت موازنة الدولة لخدمة الرسالة الإعلامية والفنية والثقافية في العراق؟

أين انتم من ثروات البلد المنهوبة؟

السيد المالكي مطالب قبل غيره إن يمارس صلاحياته الدستورية في متابعة كل صغيرة وكبيرة المتداخلة في صلب عمله، رئيس الوزراء عليه إن يكون مسؤولا عن تقييم أداء جميع الوزارات والهيئات التابعة لها، ومحاسبة المقصرين والمفسدين دون إن يمارس عملية حفظ الملفات تحت طاولة التهديد الجاهز،

بل عليه ان يكشف ويعلن عن جميع ملفات الفساد، (حتى قبل ان تمارس بقية الكتل ضغوطها عليه في ملف سحب الثقة)، فهو يمتلك وسائل الإعلام (مع انها مخالفة لان وسائل الإعلام يجب إن تكون مستقلة بالكامل وتكون عاكسة لوجهة نظر الشارع العراقي) وهي كفيلة ببث وطرح ونشر هذه الملفات،

لان بناء الدولة وأجهزتها وهيئاتها الحكومية لايتم بهذه الطرق الاستفزازية،

ولكن يتم عبر الطرق الدستورية السليمة، بمصارحة الشعب وإشراكه في ملاحقة المفسدين ومنعهم من إهدار ثروات بلدهم، وفضح نيات بعض المتاجرين بدماء أبناء شعبنا، بعد إن قبض ملايين أو مليارات الدولارات الخاصة بتخريب الوطن، وجره إلى مستنقع الفتنة والاستنزاف السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

إن الحاجة باتت ملحة لتطوير عمل وأداء شبكة الإعلام العراقي، وذلك عبر مفاتحة عدد من مثقفي الخبرات الخارجية، لكي يتم تطوير عمل هذه الوسيلة العراقية الوطنية المهمة، والسماح لهم باختراق حواجز الرقابة الإعلامية المحلية، بغية كسر جمود حركة الإعلام الوطني، والعودة إلى ساحة المنافسة الشريفة مع بقية القنوات ووسائل الإعلام المحلي والخارجي،

علما إن مايقال عن عدم وجود أعلام عالمي نزيه ومستقل بالكامل، هذا الكلام لايعني ان الإعلام الغربي مثلا يتجاهل الانتكاسات والإخفاقات والأزمات المحلية المفضوحة والمعروفة للشارع،

بل هو اعلام يواجه ويتحدى ويغوص في أعماق الحقائق لكشفها، جدير بالذكر إن أكثر البرامج الوثائقية المقدمة بمصداقية عالية هي البرامج الأجنبية،

 على سبيل المثال كانت البرامج التي تحدثت عن حرب تحرير الكويت 1991أو العراق2003 برامج موضوعية وشاملة وذات مهنية عالية في التصوير والتحليل والمتابعة أو حتى في إجراء المقابلات، بينما تعجز قناة الجزيرة أو العربية مثلا ان تكون ذات مصداقية مهنية مناسبة لكلا طرفي العلاقة(الدولة الراعية والأطراف المقابلة في الجهة المعارضة وقضية سوريا والبحرين شاهد على ذلك)، إذن نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة لجميع مؤسساتنا الإعلامية الرسمية بهدف الإصلاح والتطوير

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2155 الأثنين 18/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم