أقلام حرة

إخفاقات التحالف الوطني .. ورئيس الوزراء / مهدي الصافي

واستبشرنا خيرا بالترويج لفكرة حكومة الكفاءات،

وبعد ان انقشعت غيوم الانتخابات، عادت الكتل البرلمانية إلى لعبة المحاصصة القاتلة، فترهلت حكومة الوحدة الوطنية أكثر من ذي قبل،

وذهبت شعارات حكومة الكفاءات أدراج الرياح، وبدأت رحلة جديدة من أزمة ملفات الفساد المنتشرة في الوزارات والدوائر التابعة لها وكذلك في مجالس المحافظات، تخرج إلى السطح بشكل سري وعلني،

دون ان تجد لها الضمائر الحية أية معالجات حقيقة، سواء كان من قبل الحكومة العراقية أو هيئات النزاهة التابعة لها أو لمجالس المحافظات!

جاءت فكرة برنامج المائة يوم لمتابعة عمل الوزارات بعد انتفاضة ساحة التحرير المطالبة بالإصلاحات الحكومية، فذهبت دون ان تعالج الإخفاقات، والانتكاسات الخدمية، أو الاعمارية، ولكنها استطاعت ان ترشق الكابينة الوزارية الفائضة عن الحاجة، وأبقت أبواب وزارة الدفاع والداخلية مفتوحة بعد ان امسك بمفاتيحها القائد العام للقوات المسلحة (خوفا من المؤامرة الخارجية)، وتركت ورقة الاتفاقات الوطنية التي أبرمت في اربيل دون تطبيق

(اتفاق تشكيل مجلس السياسات الوطنية الخاص بالسيد علاوي رئيس كتلة العراقية، والذي طالب بتوسيع الصلاحيات الشكلية أو الروتينية الاعتبارية، وإعطاءها شيئا من القوة)،

ولكن تبقى مسألة تعثر تطبيق هذه الاتفاقات إلى أزمة الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف، على إننا كشعب عراقي نرى إن الحكومة وكتلة التحالف الوطني، لم تكن هي الطرف الأقوى في تحمل مسؤولية صناعة الأزمة

(والدليل إن أبناء المناطق الوسطى والفرات الأعلى ذات الأغلبية السنية، تقف إلى جانب الحكومة في مواقفها الأخيرة المتعلقة بتحديد دور السلطات المحلية لحكومة إقليم كردستان، رافضة بشكل قاطع تحالف القائمة العراقية معهم، لان مناطقهم المجاورة للإقليم هي الخاسر الأكبر من كل إلاجراءات والخطوات والتجاوزات المتكررة من قبل حكومة إقليم كردستان على أراضيهم)،

اما بالرجوع إلى تحديد أهم أخطاء أو اخفاقات التحالف الوطني او رئيس الوزراء المالكي في دورته الانتخابية الثانية وبشكل موجز:

 

أخطاء التحالف الوطني - رئيس الوزراء

اولا:لم يشترط التحالف الوطني-رئيس الوزراء على الكتل البرلمانية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، ان تلتزم بالثوابت الأخلاقية والوطنية والدستورية في متابعة جميع الملفات أو الإشكالات التي قد تواجهها الحكومة في مسيرة إدارتها للسلطة، كرفع الحصانة البرلمانية عن الوزراء أو المسؤولين الفاسدين، مع ضمان تغيير الكتل البرلمانية لبعض القوانين المتعلقة بمحاسبة المفسدين، وتشريع قوانين صارمة لمحاربة الفساد المالي والإداري(كتشريع قانون براءة الذمة المالية-قانون من أين لك هذا-قانون محاسبة الإفراد الذين يثرون على حساب المال العام، وإلغاء فكرة إصدار العفو العام عن المجرمين وسراق المال العام)..............

ثانيا:لم يكن التحالف الوطني ورئيس الوزراء متشددا بخصوص بعض المشاريع الإستراتيجية القابلة أو القادرة على إنقاذ فقراء الوطن(كمشروع الإسكان الواطئ الكلفة، مع إننا سمعنا مؤخرا موافقة مجلس الوزراء لتشكيل مجلس الإسكان الوطني ولانعرف هل يحتاج هذا المجلس لتشريع قانون في مجلس النواب أم لا)، واعتباره ضمن حزمة الاتفاقات الحكومية التي تسبق التصويت على الرئاسات الثلاث.....

ثالثا:لم يحدد سقف الطموحات الكردية في التوسع في مايسمى بالمناطق المتنازع عليها، والحد من انفرادهم الانفصالي في توقيع الاتفاقات والاستثمارات والعلاقات الدولية، واستقراء مواقفهم من الاستثمارات النفطية، التي إثارتهم مؤخرا ودفعتهم للتفكير بورقة سحب الثقة، مع ما أثير حول الخروقات القانونية والدستورية لإقليم كردستان، فيما يتعلق بعقود النفط أو الامتناع عن إرسال العائدات النفطية إلى الحكومة المركزية...

رابعا:الاستمرار بإهدار موازنة الدولة الاتحادية، حيث إن إدارتهم لهذه الميزانية الانفجارية إدارة سيئة (رغم علمنا إن احد شروط البنك-وصندوق النقد الدولي، هو ان يتحول العراق إلى بلد استثماري، يتوجب ان ترفع الحكومة يدها عن القطاع الحكومي العام وطرحه إلى القطاع الخاص)،

لم تستطع توفير ابسط الخدمات العامة (خدمات البلديات تعبيد الطرق -مد شبكات المياه الصالحة للشرب أو تصريف مياه الصرف الصحي-خدمات الكهرباء والوقود-خدمات البناء والأعمار الحكومي كالمدارس والمراكز الحكومية الأخرى)،

كان الأولى بالسيد رئيس الوزراء ان يستثمر الموازنة السنوية الهائلة في توفير فرص العمل، للقضاء على البطالة المخيفة في العراق،

ومن خلالها يمكن تعزيز دور الدوائر الخدمية، وتعزيز قدراتها بتوفير الآليات والعجلات والأدوات الخدمية،

 كان بالإمكان ان تستثمر الأموال الحكومية لإنشاء شركات محلية (تابعة للحكومية على غرار الشركات التي كانت موجودة في زمن النظام السابق) توظف العاطلين بعقود وقتية أو دائمة، لتنفيذ نصف أو أكثر من هذه النسبة المنجزة حاليا أو المتبقية في قائمة الانتظار لبعض المشاريع الخدمية المهمة،

التي تحال حاليا إلى المقاولين المحليين، الذين فاحت رائحة فساد العديد منهم، يشترون فسادهم بحفنة دولارات تعطى للجان الحكومية المراقبة للعمل،

علما إن أكثر بلد في العالم لفظت فيه كلمة استثمار هو العراق، مع انه هو من يدفع الأموال إلى الشركات المنفذة، ويطلق على هذه العملية بالاستثمار، وهو خطأ فادح يكشف جهل القائمين على السياسة الاستثمارية أو الاقتصادية!

خامسا:فشل أو إخفاق الحكومة في تنفيذ وعدها في تحسين قطاع الكهرباء، أو في إيجاد الحلول الواقعية لمشكلة الكهرباء، ولايعرف الشعب حقيقة سر هذا الإخفاق الحكومي ومغزاه،

كان الأولى برئيس الوزراء الذي شكل لجنة وزارية خاصة للطاقة (وافرد لها منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة)، ان يتحمل المسؤولية المباشرة لإغلاق هذا الملف الكارثة،

هناك عدة حلول منها التعاقد مع الشركات الأجنبية لتدريب الكوادر الهندسية العراقية المتخصصة بنصب المحطات الكهربائية، ومن ثم العمل على استيراد معدات ومواد ومحركات ومحولات وكافة المستلزمات الخاصة بنصب المحطات الطاقة الكهربائية، فضلا عن تشكيل لجان وزارية متخصصة لدراسة فكرة تطوير عملية استيراد وتوفير المستلزمات الخاصة بالطاقة النظيفة (تنصيب خلايا الطاقة الشمسية للبيوت وبأسعار مناسبة لذوي الدخول العالية وحتى المتوسطة لتخفيف الإقبال على المولدات)..........

سادسا:لم يتغير أسلوب العمل الوزاري عن الدورات السابقة، بل أضيفت للدورة الحالية أعباء وعقبات وأزمات المرحلة السابقة، لازال المواطن العراقي يعاني من الروتين الحكومي المتبع في انجاز المعاملات، مع اضطراره المستمر للذهاب إلى العاصمة بغداد لانجاز المعاملة،

وهذه مخالفة صريحة للوعود الحكومية القائلة بإعطاء صلاحيات واسعة لمجالس المحافظات لانجاز معاملات وإشكالات المواطنين المرتبطة بالمركز،

(مع العلم إن أكثر الشعوب التي تراجع الدوار الحكومية هي الشعوب العربية، ويعد العراق حالة فريدة في كثرة المراجعات للدوائر الحكومية، وذلك لقدم نظامها الوظيفي والإداري المتعارض مع روح العصر الالكتروني، البعض يعتقد إن النظام الورقي أكثر الأنظمة أمانا بينما في الحقيقة يسهل التلاعب به أو تزويره، والدليل كثرة الشهادات المزورة التي لو كانت الكترونية لما تجرأ احد على عبور الأنظمة الالكترونية)

سابعا:لم يتفق رئيس الوزراء-التحالف الوطني مع بقية السياسيين في الكتل الأخرى على كيفية انجاز التعديلات الدستورية، سواء كان من خلال تشكيل لجنة قضائية أو قانونية وحتى تشريعية من داخل أو خارج البرلمان العراقي، لكي يتسنى لها الإسراع في تمرير هذه التعديلات إلى قبة البرلمان أو عرضها للاستفتاء الشعبي العام،

تركت هذه المسألة للظروف، وأية ظروف تلك التي يمكن للعراقيين ان يتفقوا عليها(كانت الأصوات تعلوا عندما سقط نظام حسني مبارك، حيث كرر العديد من الإخوة السياسيين ان التجربة العراقية محط أنظار الشعوب العربية المتحررة من الأنظمة المستبدة، ولكن في اشهر معدودة خرجت شعوب تلك الدول وحركاتها السياسية من عنق الزجاجة، ونحن نراوح في نفس المكان، نتقدم خطوة ثم نتراجع عدة خطوات، استنساخا للتجربة اللبنانية الفاشلة)

ثامنا:لم تحدد الكتل السياسية الكبيرة وخاصة كتلة التحالف الوطني-دولة القانون صلاحيات مجالس المحافظات، ودورها المحوري في إعادة أعمار محافظاتهم الخربة المنكوبة،

لم نرى خطط جديدة لتوسيع المدن، أو إعادة بناءها بشكل عصري، أو نجاحها في تنفيذ المشاريع حتى وان كانت وفقا للمواصفات البعثية وليس العالمية (المقصود انجاز المشاريع بطريقة تشبه الطرق السابقة التي كانت تتم في عهد النظام السابق، لم نجد شركة أو مقاول عراقي نفذ مشروع معينا لم يقل عنه انه مطابق للمواصفات العالمية، وماهي إلا أيام معدودات حتى يتبين حجم الفساد الراكد في أذهان المفسدين)،

علما ان تجربة إقامة جلسات مجلس الوزراء في المحافظات أثبتت فشلها (إلا في جلساتها التي عقدت في كركوك والموصل والتي عززت دور الحكومة في تلك المحافظات)، ولم تكن في مصلحة المحافظات التي تمتلك كما هائلا من المشاكل............

تاسعا:لم يستطع رئيس الوزراء الحالي ان يعالج مسألة التبذير والإسفاف والهدر المتعمد لأموال الدولة، عبر إقامة العديد من الندوات والمؤتمرات والمعارض واللقاءات التجارية والبعثات الخارجية،

التي تكلف ميزانية الدولة الكثير، ولم تحد إجراءات لجان النزاهة الخاصة بتلك الفعاليات المشبوهة من استمرار تكرارها، مع تعمد إغلاق العديد من ملفات فساد العقود الوهمية أو الفاسدة، وتجاهل ملاحقة الوسطاء المتداخلين في عقد تلك الصفقات الحكومية المشكوك بمصداقيتها

عاشرا:عجز رئيس الوزراء العراقي-التحالف الوطني (الكتلة الأكبر في البرلمان) ان يوقف عجلة الفساد المستشري في جميع مرافق وأجهزة ومؤسسات ووزارات الدولة العراقية،

ولم تكن له مواقف حازمة تجاه بعض المسئولين الذين اثروا على حساب المال العام،

مع إن العراق يتقدم قائمة الدول الفاسدة في العالم، ويتقدمها أيضا من حيث كثرة عدد الشركات التي يملكها المسؤولين الرسميين (المركز) أو المحليين (المحافظات)،

(اغلب الوزراء، وأعضاء مجلس النواب، ومجالس المحافظات، وأمانة عاصمة بغداد، والسفراء والقناصل، والمدراء العامين، الخ .... يمتلكون شركات خاصة تأسست بعد سقوط النظام البائد، وأصبحت بقدرة قادر صاحبة الامتياز والخبرة في تنفيذ المشاريع الحكومية، والتي يشوب اغلبها الفساد، سواء كان في عملية الإحالة والتنفيذ أو الانجاز)،

ولانسمع سوى تسريبات إعلامية من ان هناك ملفات كبيرة بحوزة رئيس الوزراء لا يطلقها إلى العلن إلا في الضرورات الملحة، او عندما تشتد عليه قيود الكتل الأخرى المطالبة بسحب الثقة عنه، وهذه طريقة عقيمة لا جدوى منها.......

كان الأولى برئيس الوزراء السيد المالكي أو كتلة التحالف الوطني ان تكون أكثر شجاعة مما هي عليه اليوم، في مصارحة الشعب بكل ما يجري خلف الكواليس بين الكتل النيابية والحكومية،

وان تستمر مراهناتهم القوية على إرادة ناخبيهم (علما إن رئيس الوزراء يعد من أكثر السياسيين العراقيين شعبية وفقا للانتخابات النيابية 2010) في دعم مواقفهم الرسمية الوطنية،

وخصوصا إن الطرف المقابل والذي يفترض انه معارض بات لايمثل إلا أفرادا معينين، ابتعد بسياساته ومواقفه المتذبذبة عن جماهيره،

حتى احترقت كل أوراقهم، ولن تقوم لهم قيامة بعد ذلك، بل أصبحت القائمة العراقية عدة قوائم متناقضة ومتعارضة في مواقفها وتوجهاتها.

إن خطوات بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة لا يمكنها ان تسير وفقا لنظام المحاصصة الحالي،

بل يجب ان تنتهي هذه اللعبة السخيفة، ويتجه أعضاء البرلمان وكتلة دولة القانون تحديدا إلى تشكيل حكومة أغلبية نيابية جديدة (تتم بالاتفاق على سبيل المثال لا الحصر مع الاتحاد الوطني الكردستاني-والقوائم والشخصيات المنسحبة من القائمة العراقية، الخ.)،

مع النظر بجد إلى كل مشاكل وعثرات وأزمات التجربة الديمقراطية العراقية، وانجاز مايمكن انجازه على طريق النهضة الجماهيرية والسياسية الشاملة لبناء الإنسان العراقي، والبنية التحتية الوطنية،

وإذا تعذر عليهم تحقيق تلك البرامج والخطوات والطموحات أو الأمنيات فعليهم ان ينسحبوا من المواجهة، ويكونوا في صفوف المعارضة البرلمانية، لأنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها تقييد يد المخربين والمفسدين والمتاجرين بدماء الشعب.

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2163 الثلاثاء 26/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم