أقلام حرة

"لجنة العلوي" تحذر السعودية وتنتقد قمة القاهرة وتناشد أربكان! (3-5) / علاء اللامي

والتي شكلت حدا فاصلا بين حالة الصمت المريب على جريمة تنشيف ومن ثم إلغاء نهري دجلة والفرات وحالة التحشيد والتوعية بخطورة هذه الجريمة. من تلك النشاطات، يمكن أن نذَّكر بالتحذير الذي وجهته اللجنة لحكومتي المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، وقد سلمت الرسالة التي حملت التحذير  باليد لسفارتي الدولتين في دمشق من قبل عريفها، المفكر الراحل هادي العلوي ذاته.

لقد تميزت الرسالة بنسختيها بلغة متحضرة بعيدة عن اللغة الأيديولوجية والشعارية المفعمة بالشتائم والانتقاص من الجهة المخاطَبَة فقد وصفتهما "بالحكومتين الجليلتين" مفضِلةً لغة الشرح والنصيحة واعتماد الدليل والحجة ولكنها في الوقت نفسه كانت صارمة ومبدئية في مطالبها ومضامينها.

فبعد التحية، تُبلغ اللجنة الحكومتين، بأن معلومات ووثائق قد تجمعت لديها وتؤكد أن كلا من حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة دولة الكويت تساهم في تمويل المخطط التركي الموعز به من الولايات المتحدة الأميركية ضد نهري دجلة والفرات. وهو المخطط الذي يتضمن إنشاء أربعة عشر سدا عملاقا على المجرى الأعلى للنهرين لقطعهما نهائيا عن العراق وتحويل تركيا إلى مصدِّر مياه للمنطقة العربية. وليس لدى تركيا من الموارد ما يكفي حتى الآن أكثر من ثلاثين مليار بينما لا تستطيع تركيا مواجهة تكاليف الحرب ضد حزب العمال الكردستاني والتي تناهز العشرين مليار في السنة. والولايات المتحدة من جهة أخرى تعاني هي ذاتها أزمات خانقة في الاقتصاد تمنعها من تمويل المخطط. أما الدول الأوروبية فقد ساهمت بقسط ضئيل منه. ويبقى المساهم الأكبر حكومتا المملكة العربية السعودية وحكومة الكويت.

ثم، وبلغة متحدية، تسجل اللجنة أن وراء العراق رجال لن يتركوه حتى يزول من الوجود وهو بالتأكيد سيبقى، إنما هي "مسألة وقت ستنتهي بانتهاء حكم صدام حسين وطغمته حيث يعود العراق إلى أهله المسؤولين عن مصيره دون غيرهم. وسيصبح واضحا لجميع العراقيين أن الأموال السعودية والكويتية هي النار التي تريد أن تأكل نهريهم الحبيبين. والعراقي تعود على كيل الصاع صاعين إذا امتلك زمام أمره ولن يستطيع أحد أن يتحكم في ردود الفعل الطبيعية من شعب يراد إبادة بلاده وشلها وإزالتها من الوجود".

والأكيد هو أن الواقع العراقي الراهن دحض هذا التفاؤل العريض الذي كانت تبديه لجنة الدفاع عن الرافدين بسخاء إذْ أن خلفاء صدام حسين، في حكم المحاصصة الطائفية،  أثبتوا، بخصوص قضية الرافدين، كما في أغلب القضايا التي واجهت حكمهم، أنهم ليسوا أفضل من ذلك النظام  الذي دشَّنَ سياسة التفريط بالنهرين وروافدهما وتركهما لقمة سائغة لأطماع تركيا الأطلسية.

تختتم لجنة الدفاع عن الرافدين رسالتها بالفقرة التالية المعبرة التالية ( إننا ننصح الحكومتين الجليلتين بالتفكير مليا في مساهمتهما المريبة هذه. و لا نذكرهما بالتزاماتهما القومية في هذا العهد الدولي لكننا نضع أمامهما احتمالات المستقبل حين تقفان وجها لوجه أمام شعب متحرر من الطغيان ويسعى للدفاع عن كيان وطنه المهدد بالزوال. والعراقيون لا يبكون على وطنهم بالدموع بل بالدماء..والدين النصيحة).

في بيان آخر  توقفت اللجنة عند نتائج القمة العربية التي عقدت في القاهرة آنذاك،  و اعتبر "سكوت تلك القمة العربية على العدوان التركي سدا جديدا على أنهار العراق وسوريا". والبيان يدل على متابعة دقيقة لمجريات الأمور والأجواء التي عقد فيها المؤتمر والنتائج التي انتهى إليها .فذكرت بأن الدبلوماسية التركية احتفلت أيما احتفال بالبيان الختامي الصادر عن مؤتمر القمة العربية الأخير الذي عقد في العاصمة المصرية. ورغم أن البيان المذكور أعرب عن قلق المؤتمرين من التحالف بين تركيا الأطلسية والدويلة الصهيونية، لكن الحكومة التركية قررت أن البيان متوازن ومعقول، بعد أن دأبت قبل وخلال أيام المؤتمر على إطلاق التصريحات المهينة والساخرة بحق الملوك والرؤساء والأمراء والسلاطين العرب، والقول بأن كل ما سيصدر عنهم سيظل كلاما بكلام. لماذا، إذاً، عدّلت تركيا لهجتها بل واعتبرت، كما صرح وزير خارجيتها، أن عدم تطرق البيان لموضوع نهري دجلة والفرات، يعد انتصارا للدبلوماسية التركية؟  لأنها توقعت من  القمة العربية موقفا حازما مساندا للعراق وسوريا، يعارض محاولاتها الرامية للاستحواذ على مياه النهرين، خصوصا وأن إزالة النهرين من الوجود لم تعد سرا من الأسرار أو تهمة بالتآمر يطلقها بعض المتطيرين والمتطرفين بل أن أميركا نفسها تعترف بهذه الإمكانية على لسان علمائها المتخصصين كالبروفيسور توماس نف والدكتور جون كلارس!

وتسجل اللجنة بمرارة وحزن أنّ رياح القمة العربية جرت بما تشتهي سفن العدوان التركي فقد التزم المؤتمر صمتا مطبقا ولم يُشر من قريب أو بعيد لهذا الموضوع بالغ الخطورة. إن لجنة الدفاع عن الرافدين، تشجب وتدين هذا الصمت المريب والملتبس عمدا من طرف مؤتمر القمة العربية وتعتبره إسنادا ودعما للعدوان التركي الأطلسي على العراق وسوريا.

واعتبرت اللجنة أن  قمة القاهرة شيدت بموقفها المدان سدا جديدا على أنهارنا ولكنه سيكون أخطر من كل سدود تركيا لسبب بسيط هو أن الأيادي التي شيدته هي الأيادي نفسها التي صافحت الأعداء أمس واليوم وستصافحهم غدا وعلى جثث أطفالنا ونسائنا الموتى عطشا. ولكنّ الله تعالى لم يخلق تركيا وحماتها فقط فللنهرين شعب سيهب لحمايتهما بمجرد أن يجهز على عدوه الداخلي ويستعيد حريته كاملة.

ورقة مهمة أخرى من أوراق لجنة الدفاع عن الرافدين من المفيد التوقف عندها وهي رسالة مفتوحة تتضمن مناشدة سياسية وإنسانية صريحة ومبدئية موجهة إلى رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان، سلمتها اللجنة الى السفارة التركية في دمشق وهي مؤرخة في 23 صفر 1417 هـ..9 تموز 1997 م.

تبدأ الرسالة بعبارات التحية والاحترام لشخص المخاطَب ولحزبه الذي وصفته بـ "المخلص لتركيا والصديق للعرب والعالم الإسلامي" و ( تتقدم له بالتهاني الصادقة بمناسبة نيل ثقة مجلس الأمة، وتود بهذه المناسبة أن تثير انتباهه نحو المخطط الأطلسي – الغربي الذي تتولى بعض الجهات في تركيا تنفيذه بخصوص مياه نهري دجلة والفرات. إن هذا المخطط لا يستهدف تزويد تركيا بالمياه التي تحتاجها بل هو بالأحرى موجه لقطع النهرين وتصحير العراق مع الإضرار الجدي بمصالح سوريا وحقوقها. والمشاريع التي أقيمت وستقام على النهر بتمويل من المملكة العربية السعودية الموالية للغرب تزيد على الحاجة الفعلية إلى الماء في تركيا. وإنما يتم تطمين حاجة تركيا الفعلية إلى الماء عن طريق تقاسم الحصص بينها وبين العراق وسوريا حيث يحصل كل طرف على حصته المقررة وفقا للمعاهدات والقوانين المرعية).

 وتتوقف الرسالة مؤكدة عند حقيقة أن نهري دجلة والفرات هما نهران عراقيان وينبغي أن يتم الاتفاق على تقاسم مياههما بين تركيا وسوريا والعراق وفقا لمبادئ الأخوة الإسلامية والمصالح المشتركة للشعوب الإسلامية بعيدا عن مخططات المستعمرين الأجانب. وانطلاقا من هذه الحقائق فإن لجنة الدفاع عن الرافدين تناشد أربكان إيقاف هذه المشاريع وعقد معاهدة أخوية تتحدد فيها الحصص التي يستحقها كل طرف من مياه النهرين مع الأخذ بعين الاعتبار أنهما يشكلان الكيان الجغرافي للعراق مما يعطي العراق الحصة الأعظم في مياههما بما يضمن استمرار جريانهما بمستوى لا يمس الوضع الجغرافي والطوبوغرافي والبيئي لبلاد الرافدين.

وتوضح اللجنة أنها ( قد تبنت الدعوة إلى استعمال حق الدفاع عن النفس تجاه هذا المخطط العدواني لكنها مع تغير  الحكومة التركية ومجيء حكومة جديدة  لا ترى داعيا للاستمرار في هذه الدعوة وستصدر بيانا بالتوقف عنها، نأمل أن يترافق مع صدور بيان من حكومتكم الجليلة بإعادة النظر في السياسة الرسمية المتعلق بهذه المسألة ومع بدء اتصالاتكم بالبلدين الشقيقين ، العراق وسوريا لتسويتها).

تختم لجنة الدفاع عن الرافدين رسالتها إلى الراحل أربكان بالقول ( ورغم أن لجنتنا لا تعترف بشرعية الحكومة القائمة الان في العراق فإن الأمر متروك لكم للقيام بالاتصالات المطلوبة بهذا الخصوص .ونحن نضع ثقتنا بكم ونعتمد على حسن تقديركم لمصالح الشعوب والبلدان الشقيقة).

ولم تصدر اللجنة بيانا تدعو فيه إلى التوقف عن استعمال القوة للدفاع عن النفس لأن حكومة السيد أربكان لم تُعِدْ النظر في سياسات تركيا المائية إذ أنَّ الجيش لم يسمح لها بالبقاء طويلا فقد أطاح بها بعد بضعة، أشهر خلال 1997 ، ثم أعلن عن حلِّ وتحريم حزبه سنة 1998، وأحيل هو شخصيا إلى القضاء بتهمة انتهاك قوانين العلمانية.

   لقد ظلَّ العلوي حتى أيامه الأخيرة يحترم نجم الدين أربكان ويبرر له عدم رده على رسالة اللجنة أو عدم إقدامه على إعادة النظر بسياسة تركيا العدوانيه تجاه الرافدين، بكونه كان مغلول اليدين من قبل العسكر وكان يحترم لأربكان خصوصا قراره الشجاع بحلِّ وتحريم المحفل الماسوني في تركيا والذي كان الساعد الأيمن للحركة الصهيونية العالمية ونجاحه في إسقاط وزير الخارجية التركي والصديق الصدوق لإسرائيل خير الدين أركمان.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2164 الاربعاء 27/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم