أقلام حرة

)الخبطة والخبصة) وطريق الحل / علي جابر الفتلاوي

وتركيا المستفيدة من دولار النفط العربي، والمدفوعة بطموحات التسيّد في الشرق الاوسط، وتحركها ايضا الدوافع الطائفية، في رأيي ورأي الكثيرين، ان الثقة سواء سحبت من المالكي ام لم تسحب فالرابح في الحالتين هو المالكي، الاطراف السياسية العراقية التي دخلت على خط الازمة وقامت (بخبصة) كبيرة، تحركها دوافع شتى، فلكل طرف سياسي له من الاهداف التي تختلف عن اهداف الطرف الاخر، فهم متفقون على سحب الثقة، لكنهم مختلفون في الاهداف التي يروم كل طرف تحقيقها .

الازمة خُلقت لكنها اتت بنتائج عكسية للاطراف التي خلقتها، اذ تنبهت الجماهير الى ما يريد السيد برزاني تحقيقه، من التلاعب بالثروة الوطنية، والسيطرة غير المشروعة على المناطق المتنازع عليها، كذلك تنبهت الجماهير الى الاهداف الاكثر خطورة التي تريد القائمة العراقية تحقيقها بدفع من دول الاقليم الطائفية، والتي قد تقود الى تقسيم العراق، وتغيير المعادلة السياسية الجديدة فيه، اما تيار الاحرار فتخوفه الوحيد من ازدياد شعبية المالكي وبالتالي خوفهم من ان يكتسح المالكي الساحة السياسية من جديد فيفوز بدورة ثالثة، سيما وان الدستور قد سمح باختيار رئيس الوزراء لدورتين او اكثر من دون قيد او شرط، وان اريد تقييد الشخصية التي تتولى رئاسة الوزراء بدورتين فقط، يجب ان يصار الى تغيير في مواد الدستور، لا ان يتحقق ذلك من خلال الاماني والرغبات الشخصية، فهذا لا يجوز في الدولة الدستورية الديمقراطية .

النتائج العكسية التي اتت بها الازمة، هي ان شعبية المالكي قد ازدادت على مستوى العراق، وستزداد ايضا في حالة فشل مشروع سحب الثقة، وأرى انها ستزداد اكثر في حالة سحب الثقة عن المالكي، لأن الجماهير سترى النتائج الكارثية على العراق في حال سحب الثقة، وستشعر الجماهير ان المالكي كان صمام الامان للحفاظ على المكتسبات التي تحققت للشعب العراقي، خاصة في الجانب الامني، وعليه فأن الازمة خُلقت، ومن بين اهدافها الاطاحة بمستقبل المالكي السياسي، لكنها حققت عكس ما اريد لهذه الازمة المفتعلة ان تحققه في حسابات اصحاب الازمة .

الازمة وصلت الى مراحلها النهائية، اذ يُطرح اليوم مشروع استجواب المالكي في مجلس النواب، وهذه العملية آلية دستورية ديمقراطية لا ضير فيها، لكن لها شروطها القانونية والدستورية، علما ان تيار الاحرار وهو احد الاطراف الثلاثة المطالبة بسحب الثقة عن المالكي في بداية الازمة، اعلن عدم مشاركته في المرحلة الثانية من الازمة وهي مرحلة الاستجواب، واعلن التيار موقفه، انّ دخوله على خط الازمة جاء من اجل الضغط على الحكومة وتحقيق الاصلاح السياسي، ان دعوته مع البرزاني والعراقية لسحب الثقة، انما هو من باب الضغط لغرض تحقيق الاصلاحات، وهذا الموقف يعتبر انتكاسة كبيرة للاخرين من دعاة سحب الثقة .

آليات سحب الثقة حسب الدستور العراقي لها طريقان، اما بطلب من رئيس الجمهورية وهذا الطريق اغلقه الرئيس مام جلال بشكل نهائي لعدم قناعته بالاسباب الموجبة لسحب الثقة، وبقي الباب الاخر الذي يدعو له دعاة سحب الثقة من القائمة العراقية، والخط الكردي البرزاني وهو الاستجواب، وبما ان رئاسة مجلس النواب منحازة بشكل تام الى الجهة التي تطالب بسحب الثقة، بل السيد النجيفي يعتبر طرفا في هذا الموضوع، لذا تعتبر رئاسة البرلمان غير حيادية في ادارة جلسة الاستجواب ان حصلت، هذا من جهة ومن جهة اخرى لابد من توفر مستلزمات الاستجواب، من حيادية وعدم التسييس، ويجب ان يكون الاستجواب لاعضاء الحكومة ككل لان جميع الكتل ممثلة فيها، كذلك يجب ان يكون الاستجواب مهنيا بعيدا عن الاغراض الشخصية، وان يكون مسببا لا اعتباطيا لغرض التشهير او الانتقام وطلب الثأر، كذلك يجب ان يسير بالقنوات الدستورية والقانونية، مع تشخيص للاخطاء التي ارتكبها رئيس الوزراء، بالدليل القاطع وكذلك الاخطاء التي ارتكبها كل وزير على حدة، بشكل موضوعي وواقعي، بعيدا عن الافتراضات والتصورات المسبقة .

نرحب باستجواب السيد المالكي واعضاء الحكومة بشرطه وشروطه، ويجب ان تترتب عليه نتائج تعود لصالح الشعب العراقي في حال نجاح المعارضين بسحب الثقة عن المالكي، وان كان هذا الامر مستبعدا جدا، من خلال مؤشرات كثيرة، ولكون الاكثرية في مجلس النواب يعرفون دوافع وحيثيات هذا الاستجواب ان حصل، لنفترض ان المعارضين نجحوا في سحب الثقة، فهل سيستفيد الشعب العراقي من هذه الخطوة ؟

لا اظن ان الشعب سيستفيد من عملية سحب الثقة لو حصلت، اذ ستعود العملية السياسية الى مربعها الاول، وستتدخل الارادة السعودية والقطرية والتركية ودول اخرى في اختيار رئيس الوزراء القادم، وتتمنى الدول الداعمة لمشروع سحب الثقة ان تتحقق نتائج في صالحها منها مثلا تقسيم العراق، وتحويله الى محميات طائفية وقومية، وكل محمية تخضع لنفوذ احدى الدول الاقليمية الطامعة، والتي لا تريد الخير للعراق، بسبب تخوفها من الوضع السياسي الجديد فيه،وربما تؤدي نتائج سحب الثقة الى انفلات امني ونشوب حرب اهلية وهذا ما تدفع اليه بعض هذه الدول الاقليمية، كل هذه الاحتمالات واردة ويسعى لتحقيقها اعداء العملية السياسية الجديدة، وهذه الاهداف العدائية للشعب لا يمكن تحققها من الناحية الواقعية، لأن الشعب العراقي واعٍ لهذه المؤامرة ويعرف خيوطها ويعرف من ينسج هذه الخيوط .

)خبطة وخبصة) سحب الثقة زادت من شعبية المالكي، وهذا ما اقرت به بعض استطلاعات الرأي المستقلة، وهذه النتيجة اقلقت اكثر اصحاب مشروع سحب الثقة فلو بقي المالكي في مسؤوليته المكلف بها من الشعب العراقي فستزداد شعبيته، ولو سحبت منه الثقة فستزداد شعبيته ايضا، فهو الرابح في الحالتين، لكن هذا ما لا نتمناه لأن سحب الثقة سيعود بالضرر على الشعب العراقي .

اصحاب مشروع سحب الثقة فشلوا، فالبعض اقرّ بفشله هذا، والاخرون لا زالوا يكابرون، وفشلُ مشروع سحب الثقة اكيد من خلال مؤشرات كثيرة، اهمها ان الشعب العراقي ناقم على اصحاب هذه الدعوة .

 نحن نقول انّ مشروع فشل سحب الثقة يجب ان تترتب عليه نتائج في صالح الشعب العراقي منها مثلا :

1-  يجب كشف اسماء بعض السياسيين الذين يعملون بوحي التعليمات والاجندات الخارجية، كما يجب كشف اسماء المتعاونين منهم مع الارهاب، وتفعيل مذكرات القبض على عدد من هؤلاء السياسيين الذين يحتمون بالحصانة البرلمانية، كذلك يجب كشف المفسدين منهم او الذين يساهمون في التخريب وتعويق تقدم العملية السياسية، وتأخير انجاز المشاريع والقوانين التي تخدم الشرائح الفقيرة في المجتمع، وكشف مَن ساهم ولا زال يساهم من خلال استغلال بعض المواقع الرسمية في تأخير تقديم الخدمات، خاصة خدمات الكهرباء، وكشف حالات الفساد في هذا القطاع، ليطلع الشعب على هذه الحقائق والتفاصيل .

2-  في حالة حصول استجواب رئيس الوزراء، يتوجب عليه كشف جميع السلبيات التي ذكرت في الفقرة (1)، وامام الشعب بشكل مباشر والنقل الحي في وسائل الاعلام المختلفة ليكون الشعب على بينة من هذه السلبيات .

3-  بموجب الآليات الدستورية، بعد الاستجواب يجب تصويت اعضاء مجلس النواب لسحب الثقة عن الحكومة، لكن في حال فشل التصويت، وعدم الوصول الى الاصوات المطلوبة لسحب الثقة، يجب انهاء ما يسمى بالشراكة أي المحاصصة التي هي شَرَك نُصب لتعويق تقدم العملية السياسية الجديدة، وفي هذه الحالة يجب اللجوء الى حكومة الاغلبية، مثل ما هو موجود في الدول الديمقراطية الاخرى، وعلى حكومة الاغلبية السياسية تحمّل نتائج الفشل والنجاح، وان تخضع للمحاسبة امام البرلمان على هذا الاساس، وحكومة الاغلبية يجب ان تكون بعيدة عن التوصيف الطائفي او القومي او الديني والمذهبي، بل يجب ان تكون صفتها الوحيدة هي الوطنية فحسب .

4-  في حال عدم التمكن من تحقيق المطالب الشعبية السابقة، لا بد وان يُتخذ اجراء اخير لحل الازمة، وهو حل البرلمان، واجراء انتخابات مبكرة، وهذا امر طبيعي يجري في جميع الدول الديمقراطية، وليعطي الشعب كلمته في اختيار حكومة جديدة، تحكم بمبدأ الاغلبية السياسية، وهذه هي اللعبة الديمقراطية والتي فيها الحل الجذري للمشكلة التي صنعت في مختبرات الدول الاقليمية الحاقدة على العراق وشعبه، والمتخوفة من مستقبله السياسي الجديد .

اما من يدعي الشراكة او المشاركة، ويريد استمرار اللعب في اكثر من ساحة، او حسب المثل الشعبي يريد استمرار اللعب (على الحبلين)، فهذا امر مرفوض لانه في غير صالح الشعب العراقي، كما انّ اللجوء الى هذه الخطوات المهمة هو أِبطال (للخبطة) التي صنعت في مختبرات اجنبية، وافشال (للخبصة) التي حيكت في الدهاليز المظلمة والجلسات والاجتماعات السرية في داخل العراق وخارجه.

 

علي جابر الفتلاوي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2167 السبت 30/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم