أقلام حرة

هل لصناعة الموت في زمن بناء أركان الديمقراطية نهاية؟ / سامان سوراني

وأن الفرد لا يستطيع أن يضع غاية حياته في مجرد العمل عل? الوفاء لذاته، لأن المعن? الحقيقي للحياة لا يمكن أن يكون معن?ً فردياً بحتاً. وإن أعل? تجلٍ للحياة في عالمنا هو حياة الناس العاملين بنبل و متابعين المعرفة في دولة منظمة تنظيماً حسناً.

فبعد سقوط الطاغية في بغداد عام 2003 ظهرت تيارات أصولية و قوموية مختلفة أستخدمت في دعواتها و برامجها و حروبها الدين سلاحاً لممارسة جنونها و فضائعها، حيث قامت بإسم الدعوة الخالصة و الدين الحنيف بخطف الأبرياء والذبح من عل? الشاشة و تقطيع الجثث، لأناس أبرياء آمنين، لا ذنب لهم و لا جريرة، سو? أنهم ليسوا نسخا طبق الأصل عن جلاده‌هم أو لم يولدوا مسلمين أو عرب و بدأت ببربريتها المعاصرة بصناعة الموت بشكل منتظم، مما قادت بعد فترة وجيزة ال? إنهيار ثقة الإنسان بالدعوات والأديان، كمرجع للمعن?. رؤوس هذه التيارت كانت بتألهها تأمر بممارسة ذروة العدمية أو الهمجية، أعمالها أشعلت الفتن الأهلية و مزّقت المجتمعات، التي كانت تعيش قبل ظهورها بوئام وسلام، جلبت تلك الجرائم معها فقدان الثقة واليقين بمعناه المعرفي و فقدان البوصلة مع انهيار مرجعيات المعن? و فقدان الأمن بـمعناه المادي و تم بعدها التلاعب بطبائع الكائنات و فقد الإنسان العراقي من جابنه السيادة عل? نفسه و عل? الأشياء و تحولت نُظُم الحياة ال? حقول من الأفخاخ و الكمائن بعد أن تمكنت الوسائل من تدمير الغايات و بعد أن تحولت الصحوة ال? عتمة دامسة و كان الحصاد هو ما يعيشه اليوم الفرد العراقي في الوسط والجنوب من شقاء و جحيم بدلاً عن الفردوس الموعود المفقود.

هؤلاء فقدهوا مصداقيتهم بعد أن قسموا البشر قسمة حاسمة بين إيمان و كفر، بين خير و شر أو بين مدنية و بربرية.

ومن الجليّ بأن الديمقراطية لا تتحقق في بلد ما من دون تثبيت أركانها في سبيل إحترام الحريات و تقديس الحقوق، منها حرية التعبير، الذي يعد الشريان الرئيسي للديموقراطية و الأساس الذي تقوم عليه باقي الحريات الأخر? ?حرية التفكير والعقيدة والتنظيم و تبادل المعلومات المبنية عل? أساس الثقة بين المواطن و الحكومة، بإعتراف الدولة بحق المواطن في معرفة مايجري حوله و ماتفعله الحكومة.

إن منطق الإعتراف يخلق شروطاً لإجراء حوارات خصبة و بناءة، بقدر ما يسهم في تشكيل مساحات أو لغات أو صيغ للتعايش و التفاهم أو التبادل والتفاعل. و الهدف من الحوار الحي هو خلق مناخ يتيح للواحد أن ينصت للآخر لكي يتعلم منه أو يغتني به، عبر تشكيل قناعات جديدة أو إبتكار صيغ مركبة، لا لمعرفة من هو المخط?ء ومن هو المصيب.  

فالديمقراطية الحقيقية تخصب أرضية العمل بمنطق الحوار والمداولة والشراكة والتسوية في سبيل الإعتراف المتبادل بعد كسر وحدانية الذات عل? نحو يفتح الإمكان لقبول الواحد الآخر، بوصفه مختلفاً عنه بالهوية، لكنه مساوٍ له في الحقوق و الكرامة والحرية.  

ولكي لا تتحول الديمقراطية إلى مطية يرتحلها كل أفاكٍ ذميم علينا العمل عل? ترسيخ مفهومها و تعزيزها بدءاً من الأسرة ومروراً بقنوات التربية والتعليم كما جاء في أدبيات حقوق الإنسان، وفصلها عن المؤثرات الأيديولوجية والعقائدية فصلاً لا يبقي أثراً لتلك المؤثرات السلبية. و ينبغي فك الشيفرة الرمزية والعلبة السوداء، التي تدمر صيغ التعايش بين الكيانات وتحيّ الفِتن النائمة و تؤجج الذاكرة الموتورة. ولكي لا تصاب المجتمع العراقي بالعم? والصمم والخرس عل?ه‌ أن يسلط أفراده اليقظين الضوء عل? عيوبه و أعطاله لير? نفسه بعين نقدية أو بمرآة الغير. فالآخر يمكن أن ير? ما لا يمكننا أن نراه و قد يمكن أن يوقظنا من سباتنا.

المجتمع الديمقراطي بأشد الحاجة ال? قيادين مسؤولين يستمعون ال? الآخر لخلق وسط للتفاهم أو خط للتواصل وتشخيص المشكلات بأدوات حقله من اللغات المفهومية و الصيغ العقلانية و إدارة القضايا والمصالح بعقول تداولية، وسطية إجرائية، بعيداً عن الأنا النخبوي و الوحدوي و بعيداً عن ممارسة العماء والإستبداد، لإخراج مجتمعاتهم من المآزق التي تضع الجميع بين فكّي الكماشة، نعني بذلك أنفاق الطوائف و أنظمة الاستبداد، جنون العقائد الإصطفائية و جحيم الآلة العسكرية.

وختاما نقول: من يغفل في هذا الزمن الكوكبي المعولم عملية التفاعل بين الكيانات والهويات الثقافية المختلفة يلغم المشروع الحضاري من حيث لا يدري، فهو إذن يتخل? عن الطاقة الفكرية والقدرة عل? الخلق والإبتكار أو عل? التجديد والتغيير و يمارس الحجب والتعتيم و يفجّر مشاريع التقريب والحوار والتوحيد، التي يمكن أن تتيح للكيانات المختلفة التعايش والتواصل أو التعارف والتبادل. فالحياة تشمل ثنائية الموت والحياة و لا تحقق هذه الحياة إلاَّ بالوعي والمحبة والحرية التي تعني الانعتاق الدائم.


د. سامان سوراني

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2170 الثلاثاء 03/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم