أقلام حرة

النمط البعثي في احتفال عيد الصحافة العراقية / مهدي الصافي

(على اعتبار إن الصحف التي تأسست في عهد ولاة الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر جورنال عراق-والزوراء هي أول الصحف العراقية) تحت صخب الأضواء اللامعة بالوجوه العربية الفنية، وغياب وجوه الإعلام والثقافة والفكر العربي والعراقي عن هذه المناسبة الوطنية، في برنامج استمر لعدة أيام، كلف خزينة الدولة العراقية المشاعة للنهب الملايين أو حتى الآلاف من الدولارات،

اغرب ما في هذا الاحتفال هو حضور شخصيات عربية ليس لها علاقة بمهنة الصحافة والإعلام لا من قريب ولا بعيد، والأكثر غرابة هو إقامة حفل فني صاخب حضره عدد من المطربين والمطربات (العربيات الجميلات)، وكأن عيد الصحافة مهرجان فني للطرب والمرح والرقص فوق قبور الشهداء.

 

تحت شعار كسر العزلة العربية عن العراق، يتم الاستخفاف بمشاعر المواطنين وأحاسيسهم المتعبة بأصوات الانفجارات وقصص الموت التي رافقتهم منذ مجيء البعث الفاشي إلى السلطة وحتى وقتنا الحاضر، عن طريق الاهتمام بمثل هكذا مهرجانات فنية، تستخدم للتغطية على فشل المهتمين أو القائمين على مثل تلك المهازل في التواصل مع المثقف أو الإعلامي أو الصحفي،

وهل بالفعل هذا مايريده المواطن العراقي، تلميع صورته في الخارج، وحرق أبناءه وممتلكاته وبيته في الداخل؟

وهل رفع عزلته تتم بهذه المهرجانات كما يضن البعض؟ أم هي عزلة مبرمجة ومعدة ومخطط لها سياسيا وليس لها علاقة بالمثقف أو الفنان العربي.

إن الأسلوب البعثي المتبع في إدارة الإعلام العراقي الرسمي الذي بدأ يستسيغه السياسيين الإسلاميين، بل ويحث عليه ويدعمه بالمال والقوه، سوف يكون وصمة عار في جبين كل من ساهم ويساهم باستمراره في إشاعة ثقافة الولاء والطاعة لبعض هؤلاء المسئولين الطارئين على الحياة السياسية، نحن نبحث عن إعلام شبيه بالإعلام الالكتروني المتحرر من سلطة الرقابة الحكومية،

الذي يتطرق بمسؤولية إلى كل المواضيع الوطنية، الجادة والهادفة لتعديل المسار الديمقراطي، مخترقا حواجز الصمت والخوف الموجه للصحافة الورقية في الداخل، ومهتما في التعاطي البناء والملتزم بالمهنية الإعلامية والثقافية والأخلاقية مع كافة المجالات الحيوية،  السياسية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخ.

لقد غابت بعض الأقلام الناقدة لهذه التصرفات المشبوهة التي رافقت التحضير والإعداد وإقامة احتفالات عيد الصحافة، بعد ان سمع البعض بمنحة أو مكرمة السيد محافظ بغداد (الذي ادعى انه يمتلك هوية نقابة الصحفيين ولانعرف كيف) بمنح عدد من الصحفيين قطعة ارض، ولنرى كيف يمكن لهذه المنحة إن تقوم مسيرة العمل الصحفي وتخدم مستقبل أسرته، الذي أنجبت شهداء الحقيقة والكلمة الصادقة  (المقيدة دائما جرائم اغتيالهم ضد مجهول)، هكذا أرادها السيد نقيب الصحفيين إن يمسك برقاب هؤلاء الصحفيين، ونحن نسأل من يمنح الصحفيين قطعة  (الكرامة) الارض، المحافظ أو رئيس الوزراء أم الوطن!

امتنع العديد ممن ينتظر هذه المنحة إن ينتقد أو يرد على هذه الفوضى

كيف حضرت يا رئيس الوزراء هذا الحفل، ولماذا يتدخل السياسيين في عمل الصحافة، ويتقدمون الحضور في اغلب المناسبات إن لم يكن جميعها، ونحن ندعي إننا في بلد ديمقراطي لا يفرق بين مواطن وأخر،  أو مواطن ومسؤول؟

وأنت بالأمس القريب تحضر مؤتمر للسجناء والشهداء العراق وتدعو لإنصاف ضحايا الإرهاب، هل تفك العزلة بالرقص والتطبيل، أم بإعادة كرامة الإنسان العراقي المستباحة منذ تأسيس دولته الحديثة،  بل ومنذ تأسيس دولة الخلافة!

لماذا هذا الاستخفاف بمشاعر الناس والابتعاد عن ابسط شروط المواساة والاحترام لعوائل شهداء الأسرة الصحفية على اقل تقدير (ونحن شعب تعودنا على مواساة الشهداء، فنواسي شهداء كربلاء منذ عقود)

الصحافة العراقية:أين هي وماذا كانت تفعل أيام النظام البائد التي صنعت من صدام المقبور رمزا تاريخيا، وقائدا  للضرورة، وملهم العراقيين، تلك التي اخترقها سيد الشذوذ والسادية الجنسية والإجرامية  المقبور عدي صاحب جريدة بابل ومحطة الشباب التلفزيونية، فخلف لنا صحفيين يركبون أي موجة بسهولة لأنهم متمرسون بعمل التملق ومهنة التلقلق الصحفي، والاختباء والتستر خلف عباءة المسؤول والاستقواء بها أمام الآخرين

بل أين هو دورها اليوم في كشف ملفات الفساد الإداري والمالي وحتى الأخلاقي لبعض المسئولين،

نعم لاوجود للصحفيين في السجون، لان إرهاب بعض أقطاب السلطة  (الذين تلاحقهم يد العدالة) وكواتم الصوت تكفلت بإسكاتهم إلى الأبد، ومن بقي على قيد الحياة تعلم كيف يسير بجانب الحدث،  دون ان يتوغل إلى تفاصيله، ومن أراد ان يخترق حاجز الموت هذا اتجه إلى الكتابة والنشر في الصحافة الالكترونية وأحيانا بأسماء مستعارة.

إن هذا الاحتفال دليل واضح على إن الصحافة والإعلام العراقي مكبل ولايعمل بحرية، لانه تجاهل عن عمد الكثير من الأسماء العراقية المعروفة بثقافتها ونزاهتها ومهنيتها الإعلامية،

استخدم الواجهات الفنية العربية (التي بدت محرجة في حضورها لعدم وجود علاقة بينهم وبين العمل الصحفي) لتغيير طبيعة الحدث أو الاحتفال وأهميته المحلية،

 (هل يمكن ان يدعى في الاحتفالات الفنية صحفيين ويترك الفنانين، ثم لماذا استمر لعدة أيام، وهو احتفال من المفترض انه تقليدي، ليس فيه عروض فنية سواء كانت سينمائية أو مسرحية أو حتى شعرية تتطلب منح جوائز، أم لعل في الأمر علة مالية أو أخلاقية أو حتى سياسية،  الخ.)

لأن المرء يحكم على نجاح هذه المؤسسة (نقابة الصحفيين) وبرامجها الثقافية (وليست الفنية) من خلال تواجد وحضور روادها وكتابها الحقيقيين، فغيابهم عن هذا الاحتفال مؤشر على عدم قناعتهم الكاملة بنقابة الصحفيين الحالية وبدورها أو عملها في قيادة الصحافة العراقية.

عيد الصحافة المزعوم والذي نشكك بمصداقية تاريخ تأسيسه الفعلي العثماني أو الملكي  (الذي شهد بعض الانفتاح الصحفي والثقافي)أو حتى الجمهوري، ونرى إن ولادته انبثقت بعد سقوط النظام البائد،

مع إنها لم تتحرر بالكامل من سلطة الدولة رغم غياب وزارة الإعلام،

جاء ليفضح فشل هذه المؤسسة (نقابة الصحفيين) الغائبة عن وعي الشارع، ويضع أمام الحكومة الحالية ولجنة الصحافة والإعلام البرلمانية مهمة إصلاح هذه المؤسسة العريقة بكتابها وروادها وصحفييها، ومواجهة أسباب الفشل والتراجع الذي أصابها، وعزوف العديد من الكتاب الكبار عن الانتماء إليها أو الحصول على هويتها،

وكذلك نطالب بضرورة العمل الجاد على طرح فكرة التعديلات القانونية الخاصة بقانون العمل الصحفي المشرع حديثا  (قانون حماية الصحفيين) على العديد من الكتاب والمثقفين العراقيين،

لاسيما كتاب المهجر لانهم بعيدون عن مصدر تكميم الأفواه، وذلك من اجل رفع شأن أهم مهنة عرفتها وسائل الإعلام الحديث، وإنصاف هذه الشريحة المغيبة عن العمل الصحفي الميداني، عبر تعديل هذه القوانين وإعادة ترتيب شبكة الإعلام العراقي،

بما فيها الصحف والمجلات التابعة لها، والتي فشلت حتى ألان في استقطاب اهتمام المثقفين والمواطنين، ولم تكن بالمستوى المطلوب الذي يخدم مسألة إزالة التوتر وتخفيف حده الأزمات الاجتماعية والسياسية الحساسة، على الرغم من كثرة الإقالات والإعفاءات الكيفية التي تمت بحق العديد من كتاب ومدراء تلك المؤسسة الوطنية.

 

مهدي الصافي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2172 الخميس 05/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم