أقلام حرة

الاطراف السياسية وخلق الازمات / علي جابر الفتلاوي

 بعد اندلاع الازمة المفتعلة اخيرا، وما اصطلح عليه ازمة سحب الثقة، ثم تحولت الى ازمة الاستجواب، ولا ندري ما سيطرح نفس ابطال خلق الازمات من جديد على الساحة العراقية، والشعب العراقي يراقب، واخذ يشعر بالملل والسأم وهو يرى بعض الاطراف السياسية تختلق ازمة بعد اخرى، وبدل ان تتجه الى خدمة الشعب من خلال المواقع الحكومية التي تشغلها، اخذوا يتصرفون بالايحاء الى الشعب وكأنهم غير مسؤولين عن التأخر والتخلف في الخدمات، وفي تعويق الاداء الحكومي في المجالات التي فيها خدمة للشعب العراقي، يتصرفون وهم يظنون ان الشعب لا يعرف نواياهم، او لايعرف مواقعهم داخل الحكومة ومسؤوليتهم في خلق تعويق الخدمة للشعب العراقي  وتصرفهم هذا انما هو استخفاف بالشعب الذي يتخيلونه شعب بسيط وبالامكان ان يمرروا الاعيبهم هذه عليه .اطراف الازمة هؤلاء كل له من الدوافع ما يختلف فيها عن الطرف الاخر .

 قراءتي للمشهد من خلال متابعتي لسلوك اطراف الازمة خلال السنوات المنصرمة ولغاية هذا اليوم، ارى انهم لن يهدؤوا، ولن يسيروا في الطريق السليم الذي فيه خدمة الشعب العراقي، ما دام الخط الوطني على رأس السلطة، ولا اعني بالخط الوطني المالكي فحسب، بل جميع من يعمل مع المالكي بنَفَس وطني من جميع الوان الطيف العراقي، يعملون بعيدا عن تأثيرات نفوذ الدول الخارجية، سيبقى هذا الخط عرضة للهجوم في أي فرصة متاحة من قبل الاطراف التي تتحرك بوحي النفوذ الخارجي، ولا اريد ان اكون متشائما لهذه الدرجة، عندما اقول ان ورقة الاصلاح التي سيطلقها التحالف الوطني، سوف تلقى المعارضة والتمييع من بعض اطراف الازمة، لان هدف البعض هذا ليس الاصلاح، بل تخريب العملية السياسية  بما يتعارض ومصلحة الشعب العراقي، ويتناغم ومصلحة اطراف الازمة ومصلحة بعض الدول الاقليمية التي تدعم اطراف خلق الازمات، وربما تلجأ اطراف الازمة الى الحوار مرحليا لحين ايجاد ظروف ازمة جديدة .

الشعب العراقي الذي اصبح واعيا بدرجة عالية، وبدأ يشخص المخلص للشعب ومن يدعي الاخلاص من السياسيين، عرف ان اطراف سحب الثقة وصلوا الى طريق مسدود، بسبب موقف رئيس الجمهورية القانوني والدستوري، الامر الذي ادى الى فشل طلب سحب الثقة، رغم الادعاء الكاذب لبعض اطراف الازمة، انهم قد جمعوا من التواقيع التي تسمح لهم بسحب الثقة عن المالكي، وهو غرضهم في هذه المرحلة، موقف رئيس الجمهورية هذا الذي وقف فيه الى جانب الشعب العراقي، والى جانب الدستور والقانون  وهو رجل القانون، ابطل الادعاءات القائلة بجمع التواقيع الكافية لسحب الثقة، كما اربك موقف اطراف الازمة، وادى الى حصول تراجعات في مواقف هؤلاء وبنسب متفاوتة .

الملفت للنظر اثناء تفاعلات خلق الازمة سيل الاتهامات، والادعاءات الكاذبة، والتهويل والضجة الاعلامية الكبيرة المفتعلة، التي اطلقت على المالكي، لدرجة ان الجماهير اصابها الغثيان والملل والتعجب من سيل الاتهامات الفارغة هذه، والتي تتقاطع تماما مع الواقع الذي يراقبه الشعب عن كثب من خلال سلوك واداء السياسيين لدرجة ان الشعب اخذ يميّز بين هذا السياسي والسياسي الاخر، الذي يتهم الاخرين من دون دليل، ويكثر من الاقوال من دون فعل حقيقي وواضح لخدمة الشعب .

سيل الاتهامات الجزافية، وغير الواقعية، وغير الحقيقة، التي الصقت بالمالكي باعتباره هو المستهدف كونه من يقود التوجه الوطني، في حين يفترض ان كان هناك اتهام في التقصير بالواجب من قبل الحكومة، ان يوجه هذا الاتهام الى اعضاء الحكومة الاخرين، على اعتبار انها حكومة شراكة وطنية، لكن بما ان الاخرين من اعضاء الحكومة هم من نفس مكونات اطراف الازمة، لذا وجهوا هجومهم الى المالكي وحده، والشعب قد شخص وعرف هذا التوجه، وعرف من يقف وراءه، اما اصحاب الازمة فلم يلتفتوا الى الموقف الشعبي، لانهم ينظرون الى الشعب العراقي نظرة استخفاف، ونظرة بسيطة يتصورون ان اكاذيبهم وادعاءاتهم غير الحقيقية من الممكن تعبيرها على هذا الشعب، الذي اكتسب خبرة من تأريخه النضالي الطويل، بحيث اصبح واعيا لكل  لعبة سياسية يراد منها تحقيق مصالح حزبية او فئوية، ويعي كل لعبة سياسية فيها رائحة النفوذ الخارجي .

الطرف الكردي الذي يتزعمه السيد مسعود البرزاني، والقائمة العراقية التي في خط السادة اياد علاوي واسامة النجيفي وحيدر الملة، وصفوا المالكي بالدكتاتور، والمتفرد بالسلطة، والبعض من ادعى انه يشبه المقبور (صدام)، الى غير ذلك من الادعاءات التي لا تستند الى الواقع، هذا الكلام يجري، والشعب يعرف كيف حجّم وانهى البرزاني سلطة المركز في اقليم كردستان، ويريد اليوم قلب المعادلة كي تسيطر سلطة كردستان على قرارات المركز، وممنوع على سلطة بغداد التدخل ضمن صلاحياتها الدستورية في كردستان العراق، اصبح الامر عند البرزاني مقلوبا، يريد التدخل في كل شئ يخص المركز، ويعترض على أي شئ يريد المركز التدخل فيه في كردستان بموجب الدستور، نراه يعترض على بناء الدولة العراقية القوية، حتى الاسلحة والطائرات ممنوعة على الدولة العراقية والجيش العراقي في نظر البرزاني، في حين هو يجهز البيشمركة باحدث انواع الاسلحة الثقيلة والخفيفة من اموال الشعب العراقي والدولة العراقية التي لا يريد لها النمو والقوة، السيد البرزاني والخط الذي يقوده يأخذ ولا يعطي  يريد دفع رواتب ( 190 ) الف مقاتل من البيشمركة، من خزينة الدولة العراقية، وهذا الرقم اكده وزير البيشمركة لحكومة كردستان، ويمتنع عن تسليم عائدات النفط العراقي التي يقوم بتصديرها من اقليم كردستان، او تسليم ايرادات المناقذ الحدودية التي يجب ان تخضع للحكومة المركزية، الى غير ذلك من الادعاءات والمطاليب الكثيرة التي يطالب بها البرزاني من الحكومة المركزية التي يُمنع عليها ممارسة سلطتها وصلاحياتها في كردستان العراق، ويريد ان تكون سلطة الاقليم هي الاقوى من سلطة المركز، وعلى بغداد الرجوع الى كردستان في اتخاذ قراراتها، لكن العكس غير مسموح به، بما فيها الصلاحيات الممنوحة للممركز بموجب الدستور .

اما القائمة العراقية بقيادة اياد علاوي فقد بات معروفا للشعب العراقي انها تتحرك بوحي من توجيهات خارجية، وبدعم قوي من دول معروفة للشعب العراقي في المنطقة، لهذا قلنا ان الازمة لن تنتهي حتى لو طرح التحالف الوطني ورقته الاصلاحية، بل ستُفتعل ازمة اخرى وهكذا الى ان تنتهي الدورة الانتخابية ويقول الشعب العراقي كلمته .

في رأينا ان هذه التجاذبات التي يراقبها الشعب عن كثب، ولدت من النتائج عكس ما يتوقعه اطراف الازمة، اذ اتجه الشعب صوب المالكي اكثر من السابق، واعتبرته الجماهير رمزا وطنيا يجب الالتفاف حوله، بعد ان اصبح هدفا لاعداء العراق، واعلنت جماهير الشعب من مختلف الوان الطيف العراقي تأييدهم للمالكي وللخط الوطني الذي يقوده، والذي يعمل من اجل استقلالية القرار السياسي العراقي، ويحافظ على وحدة الشعب، وعلى وحدة ارض العراق من شماله الى جنوبه، ويسعى للحفاظ على الثروات الوطنية الطبيعية للبلد، لمنع التجاوز عليها او توظيفها لخدمة شريحة او فئة معينة، بل هي ملك للشعب العراقي باجمعه .

واخيرا لفت نظري مشهد شعبي بحت، هو الذي اوحى لي بعنوان المقالة، اذ مررت باحد المقاهي الشعبية، ووجدت مجموعة من الناس تستمع الى احدى الفضائيات وهي تتحدث عن الازمة، وكيل الاتهامات للمالكي ومنها نعته بالدكتاتور، التفت رجل مسن جالس على اريكة (التخت) المقهى الشعبية، وهو يحمل قدح الشاي في يده ويحتسي منه على جرعات، التفت الى صاحبه الذي يجلس بجانبه، وهو يسمع كيل الاتهامات للمالكي من احد السياسيين ابطال الازمة، وقال له بلهجته الشعبية : (صدك لو كالوا، اكعد اعوج واحجي عدل)، فوجدت هذه المقولة الشعبية، فيها دلالة كبيرة، وتُغني عن كثير من الاجابات، فالف تحية وتقدير لهذا الرجل العراقي الاصيل، ولامثاله من الرجال، الذين اخذوا يميزون بين الغث والسمين .

 

علي جابر الفتلاوي

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2176 الأثنين 09/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم