أقلام حرة

طلب جدل سياسي / عبد الجبار العبيدي

التي اصبحت مشكلة وطنية مستعصية من واجب كل مخلص ومحب للوطن المساهمة فيها بروح المودة والانفتاح وباقصى حالات الشفافية لعلنا نصل الى ملامسة الاهداف الوطنية التي تنجينا والوطن من الغرق، فالعراق هو ليس ملكا للحاكم بل هو لكل العراقيين ، لذا أقول:

 ان العهد الصدامي لم يترك للاخرين مجالا لابداء الرأي في السلطة والدولة، حين عدَ كل من له وجهة نظر مخالفة لرأيه هو عدو له بالضرورة، وذلك لغياب المنهج المعرفي عنده، الذي يمكن ان يواجه به كل غث، ويحتوي على كل ثمين. مما ادى به الى مواقف التشنج والسذاجة وضيق الأفق، لذا لم يتمكن من وضع تصور للدولة العراقية الحديثة بمشاركة الراي العام الأخر، علما ان هذا التصور كان موجودا منذ بداية التأسيس للدولة العراقية في عام1921. هذا التصرف الصدامي الخاطىء وبكل مساوئه،  جر علينا هذا الخطأ الكبير من جراء احتلال الدولة دون معايير . ان الذين شاركوا في هذا العرض الخاطىء يتحملون المسئولية التاريخة في مساهمتهم بتدمير المستقبل الوطني لشعب العراق حين دكوا فيه أسفين الطائفية والمحاصصة الوظيفية دون شروط .هذا التوجه قد غير المعالم الحضارية للوطن العراقي بعد اكثر من ثمانين سنةعلى الاستقلال وبناء المؤسسات العسكرية والمدنية الوطنية التي أطاح بها التغيير أيغالا وعمدا في التخريب. ونعود لنتسائل:

 

هل الاحتلال كان ثمنا لسقوط الدكتاتورية ؟

هناك نظريتان، الأولى ان الا حتلال افضل من الديمقراطية كما حصل لاحتلال الانجليز للهند في القرن التاسع عشر حين حرر الاحتلال طبقات المنبوذين من الرق والعبودية والاعتراف بهم كطبقة متساوية في الحقوق والواجبات للطبقات الاجتماعية الاخرى، ومكن الهند من الوحدة الوطنية رغم الاختلافات الكثيرة في اللغة والدين. والنظرية الثانية ان الدكتاتورية افضل من الاحتلال حين يعمد الاحتلال الى تدمير المؤسسات الوطنية ويفرض قانون (فرق تسد) داخل الوطن الواحد، في هذه الحالة الزمن كفيل بأنهاء الدكتاتورية بينما الاحتلال وان أنحسر عن الأرض المحتلة ستبقى أثاره المدمرة تتعايش مع الزمن ضد الاهداف الوطنية خاصة اذا وجد من يداهن في دينه نحو الشعب والوطن . كما سيفرض الاحتلال وصايته على الوطن لفترة طويلة ليبقيه خاضعا لمشيئته، فيتولد من ذلك السكوت عن المخالفات القانونية والتلاعب بالثوابت الوطنية وخاصة بالثروة والمال العام، والحالة العراقية اليوم مثالاً.

 

هل ان الفدرالية والمحاصيية التي فرضها الاحتلال كانت من مصلحة الوطن العليا؟

لا احد يشك حتى الذين رافقوا الاحتلال اليوم هم نادمون في داخلهم على فعلتهم التي سجلها التاريخ عليهم بصفحاته السوداء التي لا تمحى من تاريخهم ابدا. هذه الحالة مرت على العراق عام 1918 حين اراد الاحتلال البريطاني فرض قانون (فرق تسد)بين العراقيين، لكن موقف المعارضة الوطنية والمرجعيات الدينية بزعامة سماحة السيد محسن الحكيم كانت سيفا حادا ضد هذا التوجه فأفسدته.وبعد معركة الرارنجية وفشل الانجليز العسكري تمكن العراق من انتزاع استقلاله الوطني وتكوين الدولة الملكية العراقية عام 1921 على اساس الوحدة الوطنية وقد تم له ذلك وكانت بداية تأسيس الجيش الوطني المهني للدفاع عن الوطن الجديد.

أما الفدرالية هي ان الدولة المركزية  التي يجب ان يكون المركز فيها هو الاقوى والولايات الاخرى تابعة له مستقلة اسقلالا اداريا وماليا بما تستلمة من الميزانية السنوية وتصرف في الولاية تحت مؤسسة الرقابة المالية والبنك المركزي وخبرة التنفيذ، وليس ان تستقل الولايات بمحافظاتها وجيشها وماليتها وعلمها وتنافس المركز حتى في ادارته السياسية كما في اقليم الشمال الذي تمرد على المركز دون حراك منه واليوم يتصرف رئيس الاقليم وكأن دولة داخل دولة، لا بل هو الاقوى والكل تهرول خلف أربيل. اما المحاصصية فهذا هو الدمار الشامل للمؤسسات العراقية بعد ان اصبح المفضول مفضل على الافضل فتدنت الموسسات في ادارتها التي بنيت على نظرية (شيلني واشيلك) فولدت لنا اسوأ المؤسسات وساد فيها الفساد والرشوة ولم تعد الحكومة المركزية لها من سيطرة اليد عليها بعد ان حبست نفسها في المنطقة الخضراء دون معرفة ما يدور حتى في المركز ناهيك عن الفوضى العارمة في المحافظات فأصبحت الدولة وكأنها عزبة للمتنفذين.

 

هل ان المعارضة العراقية التي قادت التغييركانت معارضة وطنية خالصة؟

المعارضة دوما تحوي عناصر مختلفة منها ما هو مخلص بوطنيته، ومنها ما هو مخلص لمصالحه واتباعه والجهة التي يعمل لها ، لكن العبرة دوما في التطبيق بعد استلام السلطة، . لذا ترى الكثير منهم من استغل وسرق وهرب باموال الناس دون رادع من ضمير امثال الشعلان والبدران وأيهم السامرائي وفلاح السوداني وغيرهم كثير.. ومهما قيل في المصالح الشخصية والعمالة للاجنبي لايمكن للمعارضة ان تتنازل عن اهدافها الوطنية والقبول بتدمير البنية التحتية والاعتداء على الارض الوطنية محتجة بالدكتاوتورية كما حصل في العراق بعد 2003. لقد راعني منظر الجندي الأمريكي الذي لف رأس التمثال لصدام حسين بالعلم الامريكي قبل السقوط في ساحة الاندلس، لكنه أدرك ان هذا يعني خروجا عن الثوابت الوطنية في بلاده، فماذا لو اقدم جندي مثله على تدمير نصب الحرية في نيويورك ملفوفا بعلم المحتل.فتوقف واستبدله بالعلم العراقي. كل شيء في الوطن هو ملك العراقيين، فكيف قبلت المعارضة العراقية بكل هذه التجاوزات على الارض العراقية، لا بل كيف قبل احد المعارضين تسليم سيف الامام علي (ع) لرمسفيلد وزير الدفاع الامريكي وهو شرف العراقيين، وتسليم بندقية صدام للكويتيين، . ألم يكن هذا خروجا على المنطق الوطني، هذه غصة لن أنساها في حياتي سجلتها في مذكراتي لتنشر بعد الموت ان شاء الله. يجب ان يقدم كل منهما الأعتذار الرسمي للعراقيين، لكن اين نحن من دولة تعيش ضمن ما سمي بالفوضى الخلاقة لتكوين دول الطائفية والمحاصصية للعراقيين. وهذا هو حالنا المعدم اليوم كما ترون. ألم يكن بقاء الحال من المحال ؟

ان من حق اية معارضة اليوم ان تطرح موقفها الوطني من المشاركة في السلطة، لكن المسار الانفرادي الحالي والابعاد الفكرية المتطرفة وحصر السلطة بالانفرادية تحول دون ايجاد الجو الوطني الملائم لما سمي بالمصالحة الوطنية.هنا يجب ان تكون المسامحة والتنازل عن الاراء المتزمتة احدى وسائل التفاهم والمصالحة الوطنية وهذا غير ممكن الآن وسط هذه العداوة المذهبية والطائفية المقيتة والنظر الى الاخر بصفة العدو وليس المواطن المتساوي في الحقوق والواجبات .هذه قالها نلسن ماندلا رئيس جنوب افريقيا بعد خروجه من السجن البريطاني هناك حين قال:ان جنوب افريقيا كلها للشعب كله دون تمييز، الم يكن الكل كانوا يُحكمون تحت التمييز؟ ولكن أين نحن من ماندلا الكبير؟

 

هل حصلت الدولة العراقيةعلى شرعية قيامها بعد الاحتلال وشرعية الحاكمين فيها؟

كلمة الشرعية في العصر الحديث ذات معنى عريض ومكانة عظيمة في نفوس الناس، فهي تدل على سيادة القانون والمبدأ والعقيدة والفلسفة التي يقوم عليها النظام المعاصر في بلد معين أقر بنظام قانوني صحيح، فيكون شرعا بهذا. ولا يمكن ان تعطى الشرعية في ادارة الحكم الا من خلال تسليط الضوء على المنهج او الشريعة او طبيعة الفلسفة والقوانين التي تحكم النظام في الدولة. هذا التصور لم يحصل في الدولة العراقية الحالية، لأنها في الأصل تولدت من رحم الاحتلال الاجنبي وليس من التغيير الوطني، لذا ظلت الدولة بعيدة عن شرعية الحكم.

فالدستور كتب على عجالة ومن غير المتخصصين في الفقه الدستوري لذا جاء ملغوما بالمفاجئات والنواقص والنصوص المبهة التي خلقت فوضى السلطة كما في تفسير المواد الخاصة بالكتلة الاكبروالخاصة بتأليف الوزارة. ومجلس النواب انتخب بعيدا عن الشرعية القانونية حين جرى الانتخاب على القائمة لا على الشخص المراد انتخابه فجاءت الغالبية بتعيين رئيس الكتلة لهم ولم يكونوا من المنتخبين، ناهيك ان الغالبية منهم من غير المؤهلين لدخول البرلمان وهنا فاقد الشيء لا يعطية، والسيد رئيس الجمهورية انتخب خلافا للشرعية فشروط الرئيس اللياقة الصحية وهو فاقد لها والانتخاب المباشر من الشعب .لذا فشرعية الدولة اليوم رمادية.

 

كيف تحقق شرعية حكم الدولة؟ بعد هذه التجاوزات على حقوق المواطن؟

الحكم في الاسلام –الدولة العراقية اسلامية- أساسه التراضي، والتراضي جزء من السياسة الاسلامية وعلاقته بمبدأ الشورى واضحة.والرضى عن الموَلى يأتي عن طريق انتخابه وحقه الشرعي، ثم يصبح الحاكم اهلا للحكم بوجب رضا العامة. أقر قانون مجلس النواب لكنه كان ناقصا من الناحية الشرعية لذا استغلته الايادي الطامعة بالحكم والثروة فأنتجت لنا قوانين لامتيازاته ورواتبه وجراياته لم يكتب في دولة اخرى، لدرجة ان النواب اصبحوا اثرياء الوطن وبلا منتج وطني، غالبتهم خارج الوطن ويتمتعون بكل الامتيازات دون رادع من ضمير او رقابة من سلطة، صحيح انهم محصنون بالقانون، لكن الحصانة لا تمنحهم حق الاعتداء على حقوق المواطنين. المجلس بحاجة الى قانون يتم بموجبه تحديد الصوت الواحد لنائب واحد، وحسب المناطق والكل ملزم بالحضور، ومحاسبة المقصرين.

الدولة لن تحقق الشرعية  الا اذا جرى تعديل الدستور واقرار قانون وطني محايد لمجلس النواب وقانون انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب كما يحصل في الدول المتقدمة اليوم وبمن تتوفر فيهم أهلية الرئاسة. وعلى الدولة ممثلة بالسلطة التنفيذية ان تختار الوزراء من الكفاءات العراقية المتخصصة وتبتعد عن المحاصصة الكتلية الباطلة، وان تبعد الجهلة المتحكمين بالسلطة، فالجهل هو رأس الاخطاء والشرور، وتستبدلهم بالذين يؤمنون بالفكر والحرية والتقدم.الدولة ليست ملكا لجماعة دون اخرى فعلى الكل الانصياع للقانون.

 

ما رأيك بالتراخيص النفطية الحالية؟

هدف التغيير الاول هو الاستحواذ على الثروة النفطية واليوم تحقق لهم هذا الهدف الذي قادته وزارة النفط لتدمير الثروة النفطية ليس في التراخيص فقط بل باختراعهم نظرية الابار المشتركة التي اصبحت اليوم ملكا للايرانيين والكويتيين بدون سند جغراقي في حدود الوطن التي انتزعت بموجب القرارات الدولية الباطلة ووافق عليها العراق متحديا الثوابت الوطنية والقرار 833 مثالا. سنثبت للاجيال ان هذا التصرف اللاقانوني والغاء القانونرقم 80 وقوانين التأميم يفوق بخطئه احتلال الوطن دون مبرر.واليوم تظهر لنا نظرية المادة 140 الباطلة والمناطق المتنازع عليها الكاذبة لتدمر الثروة النفطية بالكامل وغدا يصحى العراق على اللا شيء، اما هم فقد امتلئت جيوبهم ومؤسساتهم بالمال الحرام واعتقدوا انهم في مأمن من الزمن لكنهم واهمون؟ وعليهم غدا حساب الوطن والشعب وحسابهما عسير.

 

ما رأيك في الاصلاح وكيف يجب ان يكون؟

اعتقد ان على الدولة ان تعي الاصلاح الجدي والجذري.واذا كان السيد رئيس الوزراء مصرا على الاصلاح وهو قادر ان اراد فعليه ان ينفذ الاصلاحات التي اصبحت اليوم مطلبا شعبيا على كل المخلصين ومنها؟

 توفير الخدمات للدولة والغاء ما يسمى بنظرية المولدات الباطلة التي يستفيد مها الوكلاء دون رادع من ضمير فالكهرباء والماء لم يعد مشكلة اليوم في دول المخلصين..

عليه ان يكافح البطالة وينهي المحاصصة فالعرقيين شركاء في الوطن وهو ليس لهم وحدهم ولابنائهم وأبناء طوائفهم دون الاخرين.

مراعاة حقوق الايتام والمشردين والارامل والعجزةومنحهم ضمانة العيش الكريم .

الالتفات الى التعليم والصحة بعد ان اصبحنا لا نملك الا الرعاية الصحية المتخلفة التي لا تليق بالآدميين..

وعليه الالتفات الى التعليم الذي تدنى واصبح اداة طيعة بيد المقربين.

الكف عن رعاية الموفدين الكاذبين وبعثرت اموال الدولة في الداخل والخارج بحجة التأييد على يد الموفدين من ممثلليهم في الداخل والخارج والذين اصبحوا عراة امام الناس لا تسترهم الا قوة المتنفذين.

ايجاد قوة رقابية في الدولة لتنفيذ القوانين، والكف عن ازدواجية القانون للموظفين والمتقاعدين والمتعاقين.

 

ما رأيك بتحديد الحدود مع المجاورين ؟

هذه مأساة اخرى بطلتها وزارة الخارجية العراقية التي تنادي بتحرير العراق من البند السابع بلا تحرير. ليس علينا ان نقول لكن نظرة واحدة لخارطة العراق لعام 1921 والخارطة الحالية المرفوعة فوق رؤوس نواب الوطن لترى مدى التجاوز على الثوابت الوطنية بعد التغيير.

 

.وعلى العموم نحن نعيش اليوم في دولة فاقدة للشرعية في حكم المواطنين. 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2181 السبت 14/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم