أقلام حرة

الاعلام المشخصن / علي جابر الفتلاوي

بل على المظاهر والفعاليات الاجتماعية والثقافية والسياسية والنشاطات الاخرى, وهذا الامر هواحد المهمات التي يضطلع بها الاعلام ,لان واجب الاعلام ليس تسليط الضوء فحسب, بل واجبه ودوره اكبر من ذلك, في هذه المقالة لا اتحدث عن الاعلام اكاديميا اذ سأترك ذلك لذوي الاختصاص, انما حديثي عن انطباعات تولدت من خلال الواقع الذي عشته, واحس به سواء قبل سقوط النظام اوبعده, وكذلك من خلال ما اشاهد اواسمع عن الاعلام الخارجي, وتوجهاته في مساحة معلومة من الزمان والمكان .

 

الاعلام يرتبط بعلاقة جدلية وطردية مع الحرية, فكلما اتيحت حرية اكثر كلما زاد دور الاعلام في المجتمع, وينحسر دوره بانحسار هذه الحرية, الاعلام موجود يتأثر بالموجودات الاخرى, من ثقافة سائدة, ونمط سياسي حاكم, وعقلية اجتماعية عامة, وتأريخ حضاري لشعب من الشعوب, الاعلام عندما يعيش في ظل دولة وتحت رعايتها واجوائها, يختلف عن الاعلام الذي يعيش في ظل سلطة, واعني دولة المؤسسات التي تكون السلطة فيها تابعة للدولة, وليس الدولة تحت رحمة السلطة .

 

في الدولة الديمقراطية المؤسساتية التي ينعم فيها الشعب بحريته, تكون السلطة منفصلة عن الدولة, بل هي تابعة لها, لأن دولة المؤسسات تدار من خلال الدستور والقوانين المرعية, والضوابط الاجتماعية السائدة, والاعراف الدولية, تدار دولة المؤسسات بغض النظر عن زيد الحاكم اوعمرو, صاحب السلطة التنفيذية موظف مكلف بواجب ادارة السلطة لفترة زمنية يحددها الدستور, بعدها يغادر كرسي السلطة ليستلم الادارة شخص اخر حسب الاختيار الحر للشعب, وربما تتجدد الولاية للحاكم مرة اخرى حسب الضوابط الدستورية, ثم يغادر السلطة ليصبح مواطنا عاديا كما كان قبل التكليف, السلطة تتغير والدولة باقية, الاعلام في مثل هذه الدول ينتعش, ويعيش حياته الطبيعية ويؤدي دوره, ويقوم بمهمته الاعتيادية, ولا ينحاز لهذا الطرف اوذاك .

 

اما الاعلام في الحكم الشمولي فلا يفرق المواطن فيه بين الدولة والسلطة, بل تبتلع السلطة الدولة, ولا يرى المواطن دولة بل سلطة فقط, وتتحول الدولة بمؤسساتها الى خدمة السلطة, والحاكم في مثل هذه الدولة يحكم مدى الحياة, وحتى لواجريت انتخابات مثل ما قام به صدام المقبور, اوالحكام الديكتاتوريون الاخرون في المنطقة, فمن اجل ذر الرماد في العيون, اذ رأس السلطة يبقى خارج هذه اللعبة, كما في دول الخليج وبعض البلدان العربية الاخرى, واحيانا تجري انتخابات لأختيار رأس السلطة  والنتيجة تكون محسومة سلفا اذ ستأتي نسبة الترشيح للحاكم الديكتاتوري الظالم بنسبة 99 %, مضافا اليها بعض اجزاء الواحد الباقي, في مثل هذه الدولة لا يوجد اعلام حقيقي, لأنه مصادر, ويسير بالاتجاه الذي تريد السلطة الحاكمة .

 

الاعلام موجود مسالم غير مسلح ولا عنفي, اقصد الاعلام المهني الحر, في الدولة الشمولية لانرى اعلاما, بل تهريجا ومديحا وتزييفا للحقائق, وقد عشنا وشاهدنا مثل هذا الاعلام في ايام الطاغية صدام, اذ كان الاعلام ابواقا تنعق بمديح صدام ليلا ونهارا الاعلام في ظل السلطة الشمولية الدكتاتورية يكون مشخصنا فاقدا للارادة والحرية ونسميه اعلاما تجوزا, اذ لا يوجد اعلام بل جوقة من المدّاحين الفاقدين للحرية, فعدوالاعلام الحر في مثل هذه الدول هوالسلطة الدكتاتورية الجائرة, اذ تسلب ارادة وحرية الاعلام ويصبح مجرد هيكل بلا روح .

 

ارى ان العدوالاخر للاعلام هوالمال, ويفعل المال فعله في الدول التي تتمتع بالحرية, في ظل اجواء الحرية هذه تفقد بعض المؤسسات الاعلامية حريتها وأرادتها وتصبح اسيرة وحش المال , المال هنا يتحرك ليشتري هذه المؤسسة الاعلامية اوتلك, فقد يشتري صحفا اوفضائيات واذاعات, وقد يشتري مؤسسات اعلامية من نوع اخر, وللاسف قد تُشترى شخصيات اعلامية ايضا, ظاهرة الاستحواذ على المؤسسات الاعلامية بواسطة المال دائما ما تكون في الدول الديمقراطية والمتمتعة بالحرية , وهي موجودة بكثرة في الدول الغربية, واكثر من يتجه لشراء المؤسسات الاعلامية في الغرب والسيطرة عليها بهذه الوسيلة, هم اليهود, لانهم يمتلكون اموالا طائلة من جهة, ويعولون على الاعلام كثيرا لترويج قضاياهم والدعاية لها وشراء الذمم من جهة اخرى, بواسطة المال والاعلام يحقق اليهود, والحركة الصهيونية العالمية الكثير من الاهداف التي ربما يعجز عن تحقيقها السلاح, لهذا السبب عندما تريد الصهيونية ان تسلط الضوء على حدث ما في أي بلد من البلدان, خاصة منطقتنا العربية نرى الاعلام الغربي يتوجه بالكامل لتسليط الضوء على هذا الحدث اوالحالة التي فيها خدمة للصهيونية, لان العصب المحرك لهذه المؤسسات الاعلامية واحد, هوعصب المال الصهيوني الذي يمتلك هذه المؤسسات في العالم الغربي, وفي مناطق اخرى من العالم .

 

هنا في العراق حصل الانفتاح الواسع في الاعلام بعد سقوط الطاغية صدام, الانفتاح اتاح الفرصة لشراء الكثير من المؤسسات الاعلامية لهذه الجهة اوتلك, ولهذا الشخص اوذاك, وهذه هي الضريبة, وهذا هوثمن الحرية, لا احد يشك ان الاعلام في العراق الجديد يتمتع بالحرية الكاملة, لدرجة ان بعض الواجهات الاعلامية المشتراة, تتجاوز خطوط المهنية في العمل, وتتحدث خارج الضوابط والتقاليد الاعلامية, كأن تتجاوز على بعض الرموز الوطنية اوالدينية, من دون ان يحاسبها احد, وهذه الظاهرة سلبية وغير صحيحة .

 

 الظاهرة الاخرى للاعلام العراقي بعد الانفتاح, ان بعض المؤسسات والواجهات الاعلامية فاقدة للاستقلالية, اوالانتماء للوطن, لأنها تخدم الجهات التي تمولها فحسب,  اما ما يخص الوطن والشعب, فهذا خارج الاهداف التي تعمل من اجلها, وبعض المؤسسات الاعلامية تستخدم المال المقدم لها من خارج الحدود للدعاية والتمويه وشراء بعض الاصوات المتعبة, وهناك ظاهرة اعلامية اخرى تبعد الاعلام عن المهنية والاستقلالية وعن الروح الوطنية العامة, هي ظاهرة الشخصنة, التي تعتبر احد الامراض التي يصاب بها الاعلام, الاعلام المشخصن يتحرك بالتجزيئية التي لا تؤدي دورها في خدمة الوطن والشعب بصورة صحيحة, نحن بحاجة الى اعلام وطني يتحرك باسم العراق الكبير وباسم الشعب الواحد, لا الاعلام التجزيئي الذي يخدم جهة معينة كأن يكون حزبا اوشخصا اوطائفة اومذهبا .

 

ظهر في العراق ايضا نوع من الاعلام يمكن تسميته بالاعلام الاسلامي, وهويمثل احزابا اومؤسسات اورموزا اسلامية, وهذا النوع من الاعلام ظهر كأحد نتائج الانفتاح الحاصل في العراق الجديد, ولم يسلم هذا الاعلام من مرض الشخصنة ايضا,

 

الاسلاميون بعد سقوط الطاغية شكلوا جزءا مهما وكبيرا في الساحة السياسية الجديدة فلهم اعلامهم الخاص من صحف ومجلات اواذاعات وفضائيات وغير ذلك من الوسائل الاعلامية الاخرى, ولودققنا النظر في الاعلام الاسلامي الذي ولد بعد السقوط, نراه لا يتكلم باللسان اوالهوية الوطنية, انه يتكلم بلسان الحزب اوالجهة التي ينتمي اليها, الشخصنة ظاهرة في الاعلام الاسلامي بقوة, كما هي ظاهرة في وسائل الاعلام غير الاسلامية , المواطن اصبح يعطي هوية لكل وسيلة اعلامية, فهذه الفضائية مثلا تعود لهذا الحزب, وتلك تعود للشخصية كذا, وهكذا بقية وسائل الاعلام الاخرى .

 

الكثير من وسائل الاعلام المشخصنة لا تتناول قضايا العراق بمهنية, بل بالمنظار الضيق, ومن زاوية الجهة التي تعود اليها, اصبح الشعب يلجأ الى وسائل الاعلام الخارجية كي يستقصي الخبرالمستقل الصحيح, اويستمع الى التحليل الموضوعي, اخذ الشعب يشعر بالضيق من وسائل الاعلام العراقية, لان كل وسيلة اعلامية تنحاز الى الجهة التي تتبناها, فتضيع الحقائق بين هذه وتلك, المواطن اخذ يشعر بالملل من حالة الشخصنة المتفشية في وسائل الاعلام, اذ المطلوب وسائل اعلامية تحمل الهوية الوطنية بعيدا عن الشخصنة, التي لاتعكس الا وجها واحدا للحدث, هوالوجه الذي يناسب الجهة التي تدعم هذه الوسيلة الاعلامية بعيدا عن الموضوعية والواقعية .

 

كان الاعلام ايام الطاغية صدام مشخصنا, لكنه يرتدي لونا واحدا, أما اليوم فالاعلام المشخصن يرتدي ألوانا شتى, المواطن العراقي يشعر بالضيق والضجر من الاعلام المشخصن البعيد عن روح الوطنية, جلبت الشخصنة التعب والتشويش الى ذهن المواطن بسبب النظرة الضيقة والتزييف وقلب الحقائق سلبا اوايجابا بما يتماشى ورغبة الجهة الداعمة والممولة, وهذا ما نشاهده بوضوح من خلال الفضائيات العراقية المتنوعة بتنوع الاتجاهات, الحالة السلبية التي نشاهدها في الفضائيات اوالصحف اووسائل الاعلام الاخرى, ما هي الّا نتيجة من نتائج الوضع السياسي المرتبك القائم على المحاصصة التي اتعبت الشعب العراقي كثيرا, املنا ان تنتهي في الدورة الانتخابية القادمة, ونتمنى انبثاق حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة التي تركت اثارها السيئة على الاعلام ايضا, واذ نذكر اصابة اعلامنا بداء الشخصنة, لا يمكن ان نتجاهل وجود اعلام وطني غير مشخصن, يتكلم باسم العراق الواحد, ويسعى لاشاعة روح المواطنة الصادقة, ويخاطب ابناء الشعب العراقي بكافة الوانه واطيافه بخطاب واحد, بغض النظر عن الأنتماء القومي اوالمذهبي اوالديني, الاعلام الوطني هذا ضعيف ويحتاج الى الدعم من الحكومة والشعب والاحزاب والتيارات والشخصيات السياسية والدينية والمجتمعية الوطنية, لتقويته وابراز دوره بشكل اكبر, ورفع صوته عاليا ليصدح باسم العراق والشعب الواحد .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2207   الاثنين  20/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم