أقلام حرة

الدولة وجزيـة الأقليم / حسن حاتم المذكور

حيث استطاع الأعلام الذي تديره المؤسسات اليهودية، ان يفتعل ويضخم احداثاً (بعضها وهمي) ارتكبتها النازية، فكانت دولة الأحتلال الصهيوني في فلسطين (اسرائيل)، لقيط تلك الثقافة التي صنعها الأعلام المشبوه .

مثلما دفع المجتمع الألماني جزيـة مكلفة نيابة عن النظام النازي مع ان حزبه الآن منبوذاً داخل الشارع الألماني، يحاول بعض القوميين من القيادات الكوردية، ان يحملوا المجتمع العراقي مسؤولية جرائم ارتكبها النظام البعثي كان العراقيين اول ضحاياها، فالفاشية البعثية وقبل ان تسلط طغيانها على الشعب الكوردي، سحقت اضلاع المجتمع العراقي بكامله، القوميون الأكراد يحاولون  ــ مع الأسف ــ استثمار مظلوميتهم بشكل خاطيء ومجحف على حساب مظلومية المكونات العراقية الأخرى .

على اثر مقال بعنوان " الدولة والأقليم ـــ طاسه بطن طاسه ــ طرحت فيه وجهة نظري حول واقع العملية السياسية ورداءة العلاقة بين اطرافها والأثار السلبية لأفتعال الأزمات بين الدولة والأقليم، استلمت من البعض رسائل واتصالات يتهموني فيها بالشوفينية والعنصرية والطائفية والأرتزاق ومعاداة الشعب الكوردي واشياء كريهة اخرى امتدت الى اتهام العراقيين بأنهم شوفينين (100 %) .

ثقافة المتاجرة بالأحقاد والكراهية التي اعتمدتها القيادات الكوردية وحمل رسالتها البعض من مثقفي وسياسيي نخبها، زرعت اسباب الخوف في قلوب بنات وابناء كوردستان من عدو موهوم، وجعلت المواطن الكوردي مذعوراً مستسلماً لرحمة وحماية قيادة الحزبين الرئيسيين .

سألت المرحوم الكاتب والشاعر سامي شورش حيث كنا نسكن معاً في برلين، وكان يسارياً قبل ان ينتمي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، ويصبح وزيراً للثقافة ثم عضواً في مجلس النواب عن التحالف الكوردستاني .

لماذا : الحركة الكوردية اكثر نشاطاً وحيوية في كوردستان العراق مقارنة في اكراد تركيا وايران وسوريا  ... ؟؟؟ ـــ اجاب في حينه ــ .

لأننا جزء من العراق، ثقافة ووعي وتقاليد ثورية، ولو كان اكراد تركيا هم الذين في العراق واكراد العراق في تركيا ’ لأختلف الصورة تماماً، ولأصبحنا في تركيا مثلما هم عليه اكرادها، واكراد تركيا في العراق هم طليعة الحركة الكوردية ’ المجتمع العراقي اكثر تسامحاً واممية، ومن تعدد المكونات والثقافات وتقاليد التآخي والمحبة ورغية الأندماج والتعايش والتضامن والبناء، تشكلت وترسخت ابرز تقاسيم الشخصية العراقية المتماسكة، وتاريخياً يوجد في الدولة العراقية مسؤولون اكراد على مستويات عالية، بينما يندر ان تجد شرطياً كوردي داخل مؤسسات الدولة التركية والأيرانية والسورية .

اقول هنا واتحمل مسؤولية وجهة نظري :

لو ان المرحوم مصطفى البرزاني، اسس حزبه في تركيا او ايران وسوريا، ومهما حاول او بلغت التضحيات، لما حصل الشعب الكوردي على مثل تلك المكاسب التي يتمتع بها في الجانب العراقي، انها البيئة الأجتماعية والثقافية والسياسية العراقية التي يشترك فيها العربي والكوردي ومكونات المجتمع الأخرى، مثالية من حيث الأنسجام والألفة والمحبة والتضامن والتعايش، فيها كل يتفهم خصوصية الأخر محترماً حقوقه وهويته ومستقبل قضيته، وهذا ما نخشى ان بفسده عتاة التطرف الشوفيني لبعض سياسيي ومثقفي العرب والكورد على حد سواء .

الشوفينية : هويتها واساليب عملها واحدة ظالمة كانت ام مظلومة، ومثلما تفترق تلتقي ايضاً، فالشوفينية العربية والكوردية، التقيتا واتفقتا على اسقاط المشروع الوطني لثورة 14 / تموز / 1958 وتدمير المستقبل العراقي، اختلفت بعد انجاز مؤامرة 08 / شباط / 1963، فكانت الكارثة الدموية التي تعرض لها الشعب الكوردي بعد اتفاق النظامين الأيراني العراقي عام 1975، والآن وهي تختلف حول حجم حصتها من الجسد العراقي، تتصالح وتتفق حول تمرير المشروع الأقليمي لأضعاف وسحق الدولة العراقية .

الشوفيني العربي الذي استكثر على الشعب الكوردي، ان يكون رئيس جمهورية العراق كوردياً ويتوعده بعقاب جماعي في اول فرصة كعدو للـه والعروبة !!، هو ذاته الذي استقبلته الشوفينية الكوردية حليفاً في لقاء اربيل حول المشروع الأقليمي في سحب الثقة عن حكومة رئيس الجمهورية فيها كوردي ثم اسقاطها، والشوفيني الكوردي، لا يمنعه القصف التركي لقرى كوردستان العراق واضطهاد اشقائهم هناك، من مد يد الصداقة وتسهيل مهمات التدخل في الشأن العراقي والدخول في حلف رباعي مع تركيا والسعودية وقطر بغية اذلال الدولة العراقية واستباحة السيادة الوطنية، فمن الدسيسة والوقيعة وخذلان الوطن والتنكيل بالشعب تشكلت الهوية التاريخية المشتركة لشوفينيي وعنصريي وطائفيي العرب والكورد .

عندما يتظاهر الشوفيني الكوردي، مثقفاً كان ام سياسياً، متباكياً من مظالم الشوفيني العربي، يصبح مثيراً للأستغراب والسخرية، حيث كلاهما يشكلا وجهان لعملة (طبخة) الموروث البعثي، وكلاهما متهمان بأرتكاب جرائم بحق القيم والمباديء والأخلاق واساءات للتقاليد الوطنية الأنسانية، وتاريخ بعضهم ليس انظف من التاريخ البعثي في مجال سلب حقوق الأنسان وتدمير كرامته وتصفيته جسدياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً .

العراق اصبح امام حالة مفجعة ووضع بائس، كون سلطات الأقليم وبعد ان احكمت قبضتها على ارادة ومصير المواطن الكوردي ’ تفرض الآن جزية مجحفة على الشعب العراقي، صيغة مشوهة لمفوهم النظام الأتحادي الفدرالي، وسبباً لتدمير العلاقات الوطنية الأنسانية بين مكونات المجتمع، انها شراكة الغالب والمغلوب التي يتعنجه بها السيد مسعود البرزاني، ضريبة مكلفة، على الدولة العراقية الا تخضع اكثر مما خضعت ولا تدفع اكثر مما دفعت، والحكومة تتحمل مسؤولية اعادة التوازن الوطني بين جميع المكونات ’ لتكون مبادي التسامح والمحبة والتآخي والمساوات نسيج الهوية المشتركة .

في مثل تلك الحالة المثيرة للقلق، على السياسي المخلص والمثقف الوطني، عربياً كان ام كوردياً او اي من المكونات الأخرى، ان يخرج عن متاريس التطرف والتعنصر الطائفي القومي، ويستعيد استقلالية وحرية موقفه وكلمته من قبضة مصنعي الأزمات والمتاجرين بالأحقاد والكراهية وافتعال الخوف من الآخر .

نؤكد للأخوة الأكراد، ان الشوفينية العربية قد فقدت مواقعها في الجنوب والوسط العراقي، وبقاياها ذيول بائسة تثير الغبار في بعض المناطق، اما الشوفينية الكوردية، فلا زالت في كامل عنفوانها، مهوسة بالغرور، فاقدة بصيرتها وشعورها بالمسؤولية ولا زالت تتنفس برئة الأزمنة البعثية، سيتسع انتفاخها حتى ينفجر كارثة مدمرة للمصالح العليا للشعب والوطن، وعلينا ان نفتح فيها ثغرة ليخرج قيح اورامها لتستعيد رشدها، وتلك مهمة الدولة والمجتمع والرأي العام المشترك ونحن جزءً منـه .

واخيراً على الدولة (والحكومة بشكل خاص) ان تتحرر من ضعفها وتحترم وظيفتها ودورها ومركزية تمثيلها العراق، ولا تسمح لقردة الأرادات الخارجية والمحلية بالقفز على ظهر الأرادة الوطنية، وان تتخذ من الرأي العام العراقي مرجعية في الحفاظ على دماء الناس وثرواتهم وكرامتهم وسيادة وطنهم .

02 / 09 / 2012 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2218 الاحد 02/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم