أقلام حرة

مِنْ قالــوا بَلى / يوسف أبو الفوز

وكان أبوجليل يكرر نصائحه لأبنه جليل الذي بدا متوتراً: لا تنس يا ولدي، ربيتك ان لا تقبل الظلم ولا تكون جبانا، ولكني ايضا لا اريدك ان تتهور في رد فعلك ، أعرف ان مديرك الذي تسميه "أبو المحابس" ظهره قوي، وهذا زمانه وزمان من يسنده، ولكن..." ، صاح جليل غاضبا: أخ من هذه الـ "لكن" لطالما كسرت ظهورنا وضيعت علينا حقوقنا! . أعرف ان "أبو المحابس" مدير جليل رجلا لا يخاف ربه، يتفنن في ايذاء موظفيه، ليس له ذمة تمنعه من مد يده للتطاول على حقوق الاخرين، يعرف كيف يتفنن ليوفر للدولة بعض الدراهم ليبدو حريصا على المال العام ، وكيف تبدو جداول حساباته نظيفه ، ويعرف كيف يغتني هو وحواشيه من أبواب صرف وهمية يجيد التلاعب بها تحت عناوين لا يعرف دروبها حتى من هو على شاكلته. مشكلة جليل انه لا يعرف الحديث بصوت واطيء، فكان أن صار، وكما يقول أبوسكينة "صوفته حمرة"، فأي شيء يقوله، يعتبر معاديا للمدير، الذي صار له أعوان ومريدون على شاكلته يصفقون ويهللون له ويعتبرونه فارس زمانه ويحاربون كل مواطن لا يرضى بالخطأ والفساد . سألني ابو سكينة عن وجهة نظري. لم يكن لدي جديد لأقوله. قبل أيام تحدثنا مطولا عن نفس الموضوع ، حاولت ضمن جوابي ان أشرح لهم معنى ما جاء به ماركس وأنجلس في بيانهما الشيوعي:" أن الافكار السائدة باستمرار في كل عصر هي افكار الطبقة المسيطرة"، واحاول ان اصل بهم الى فكرة اننا نعيش الان عصر المدير الذي يخلط الدين بالسياسة، حيث تسود لغته وطقوسه ، يفهم الدين على هواه ووفقا لمصالحه ، ويجيد تخدير وخداع الناس واللعب بعقولهم . كان أبو سكينة يومها ينصت بأهتمام ، ثم أمال رقبته وقال وهو يغمض عينه : "طول عمرنا ، من قالوا : بلى، ونحن نقول عن الكذاب والحرامي والفاسد، أنه ما عنده لحية مسَرَحَة وممشطه ، الان فهمت سر أهتمام مدير جليل بتربية لحيته وتمشيطها ومداراتها !". وأبتسمت زوجتي مدركة ما يقصده ، لكن ابو جليل يبدو لم يكتف بذلك فقال: "والزبدة؟!" فصاح أبو سكينة غاضباً:(الزبدة يا بعد عيني حتى لا يمكن لابنك جليل وأمثاله من المخلصين ان يقولوا ان "أبو المحابس" ما عنده لحية مسَرَحَة وممشطة، لان الناس عندها راح تقول عنهم انهم ليسوا صادقين !)

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2245 الأثنين 15 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم