أقلام حرة

مثقفو: تي تي .. تي تي / حسن حاتم المذكور

تعريف وماهية ووظيفة وموقف. اشترك في الحوار اساتذة متخصصون، وكان الباحث والمؤرخ الدكتور خير اللـه سعيد، مديراً للندوة ومشاكاً فيها، شخصياً خرجت بأنطباع عما يجب ان يكون عليه المثقف الوطني، صادقاً مع نفسه محترماً لموقفه، مستوعباً للمنظومة القيمية للمجتمع الذي ينتمي اليه، وان الأستقامة والموضوعية وصلابة الموقف وتحمل مسؤولية اصلاح ما تفسده السياسة وامور اخرى كثير، هي من صلب واجباته .

الأمر يذكرني بأسراب من ناعقي الثقافة، من حيث الكم ورداءة ما تفرزه مؤخرات اقلامهم، بعضهم حوًل الثقافة الى جارية في بلاط السياسة او مكيفة لترطيب امزجة سلاطين المكرمات .

سرب هنا وآخر هناك، ومهما تعددت المبررات والأساليب والممارسات، يبقى حبل الأنحياز والأستقطاب وذل التبعية يمسك رقاب توجهاتهم ومهامهم وميوعة مواقفهم، مع كل مرحلة لهم موقف ومع كل انعطافة لهم انحنائة، سريعي الألتفاف كصغار السمك، سهل عليهم ان يشكلوا اكثر من منظمة واتحاد وتجمع وقائمة وحملة تضامنية واخرى استكارية، ابواق تحت الطلب، كل يستطيع فيها ان يعزف اللحن الذي يريد .

لكثرة تكرار اسمائهم على قوائم التضامنات والأستنكارات وغزارة المقالات والبيانات، فمن اول اسم، يستطيع القاريء معرفة المتبقي، عددهم اسمائهم شهاداتهم القابهم ميولهم ارتباطاتهم وظائفهم ــ السابقة طبعاً ــ ومن السخرية، كنا مرة في زيارة احدهم وهو في غرفة الأنعاش داخل المستشفى بعد عملية جراحية، وفي المساء كان اسمه يتصدر برقية استنكار، سرب متجانس، لا يختلف ولا يتحاور ولا يستشير بعضه، الجميع مخول من الجميع، ومع انهم في حالة تناقض حاد مع الأفكار الشابة التي تضاعف حجمها ونوعيتها وصلابتها، لكنهم ولحد اللحظة يجدون دائماً كورة يجتمعون حولها من داخل مؤسسة اعلامية تتسع لبقاياهم، بحبوحة رزق ينسجمون ويندمجون ويعيدون غسيل تواريخهم من داخلها  .

ليس كل من كتب مقالة انشائية مطولة، او اصبح ضمن الأدوات الأحتياطية لهذا الطرف القومي بالضد من الآخر الطائفي او العكس، او قاد سرباً من بقايا سكراب ازمنة المزايدات ومراحل الأنتكاسات والهزائم التنظيمية والمعنوية والنفسية، يحق له ان يطلق على نفسة ــ مثقفاً ــ، المثقف يجب وبالضرورة، ان يكون قيمة اجتماعية يحتاجها ويتداولها المجتمع، وليس مستهلكات في اسواق التحاصص السياسي، انه ذلك الأنسان (المثقف) الذي سمعت الدكتور اسامه حيدر، يستعرض صفاته ومزاياه وصدق التزاماته الوطنية الأنسانية من داخل غرفة المنتدى الثقافي العراقي، انه ليس ناقداً منتجاً ومبدعاً فحسب، بل انيقاً في عطائه، ولا تحتاج شخصيته الفكرية والمعرفية الى رقع القاب لا تعنيه ولا يعنيها، وفوق كل هذا، يجب الا يكون اسمه في سجلات الصرف الخاص بجلالة السلطان . 

المثقف الوطني، عليه دائماً ان يراجع مواقفه على ضوء المتغيرات العاصفة التي ترافق الآن حراك الشارع العراقي، وعليه ان يتناول ــ نقداً جريئاً ــ مجمل المحطات التاريخية لنقاط ضعفه، ويخلع عنه ما كان معيباً، ويرتدي الجديد الذي تفرزه دورة المتغيرات، ويبتعد عن تكرار المواقف والسلوكيات والممارسات التي تخجل ــ حليمة ــ احياناً من تكرارها، وقبل ان يغزل رقع التضامن مع السجناء، عليه ان يدلنا على سجين سياسي واحد بينهم، وقبل ان يتضامن مع هذه الكتلة ضد الآخرى، عليه ان يثبت لنا انه غير ملوثاً بأوحال التحاصص، وقبل ان يوجه نداءات التضامن والأستنكار وطلب تدخل فلان وعلان وفلتان وبعثيي القائمة العراقية، وربما ستشمل القائمة في المستقبل القريب حزب العودة، وهذا وارد حيث ارتفعت حمى انتهازية الأستقطابات الى نصف ساريتها، فالموقف السليم، ان يتناول المثقف الوطني، بموضوعية وانصاف مجمل الحالة العراقية ومسؤولية جميع الأطراف التي تشكلت منها حكونة الشراكة، الغطاء السياسي لنظام التحاصص والفرهود الشامل دون استثناء .

ذات الثقافة لذات السرب، جعلت يوماً من الحركة الكوردية (جيب عميل) ومن تخريفات عبد السلام عارف (اشتراكية رشيدة) ومن المخصي صدام حسين (فيديل كاسترو) ومن تهريج جمال عبد الناصر (تطور لاراسمالي) ومن مفوض وشرطة مركز (اتحاد اشتراكي) ومن بعثيي القائمة العراقية (لبراليين وعلمانيين وديمقراطيين)، انهم كضفادع الأهوار، رمادية على اليابسة خضراء بين اعواد البردي، وفي مراحل التحول من حالة الى اخرى، يأخذون هيكلية الـ (نص حيه ونص جريه)، لكنهم والحق يقال، اذكى من الغراب، يحسنون القفز على اكثر من مشيتين، وهم كما يقول المثل، كالطماطة دائماً تجد لها مكاناً داخل كل طبخة .

تلك الثقافة السياسية، التي افرزتها الأنهيارات التاريخية، من خارج الفضاء الصحي للثقافة الوطنية، افرزت لها سرباً ارمداً ينعق بلا رؤيا، يدخل الآن طرفاً في تدمير العقل العراقي وتشويه الوعي الجماهيري وشرذمة الرأي العام، يلحق ضرراً فادحاً في التاريخ الوطني لحركة تحررية وطنية عريقة، وشوه تقاليدها النضالية وتاريخ امجادها، وتركها عثرة في طريق المشروع العراقي، وهنا على اطراف الحركة الوطنية، احزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية مستقلة، ان ترسم حدوداً فكرية وثقافية وسياسية وكذلك اجتماعية واخلاقية تفصلها عن ذلك السكراب البائس من طرف واحد، ولا يوجد هناك مبرر لدفع ضريبة ارهاصاتها الى ما لا نهاية .

29 / 10 / 2012

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2260 الثلاثاء 30 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم