أقلام حرة

عراة بلا قضية ... / حسن حاتم المذكور

كل له قضية تبرر مسؤوليته ازاء حماية وجوده وحرية حراكه من اية اخطار  خارجية .

اسباب كثيرة قد تفصل الكائن عن وجوده، عبر تشويه وتدمير او تزوير قضيتة، تلك الظاهرة ذات التأثيرات المأساوية، تفشت عبر تحولات وتغيرات وانهيارات اخلاقية واجتماعية وثقافية وسلوكية تعرض الها الأنسان بشكل خاص، دمرت قضيته واثرت سلباً على قضايا الكائنات الأخرى .

السياسات البشرية التي تشعبت وتنوعت وتعقدت غاياتها ووسائلها سلباً، جعلت من الأنسان خطراً على ذاته وعلى مجمل البيئة التي يتحرك من داخلها، شهوة التوسع والعدوان والحروب والغزوات والأحتلالات وعشوائية التدمير قد سيطرت عليه تماماً، العواطف والأنفعالات وحمى الثأرات والأنتقامات وهستيريا تدمير والغاء الآخر والذات، نهجاً اتسعت اضراره وشملت العالم بأسره .

السياسة التي اصبحت مكباً لنفايات التطرف والتعصب والكراهية والأحقاد والتلذذ بلعبة الأبادات الجماعية، لم تترك للسياسيين خياراً، الا ان يكونوا ادوات وملحقات في ماكنة جرائمها  .

حتى لا نفقد بوصلة الموضوع في عموميات وجزئيات الحالة العالمية والأقليمية، نركز هنا على الشخصية العراقية التي نحن جزء منها، ندفع ثمن اشكالاتها وانشطاراتها وارهاصاتها، دماءً وارواحاً وخراباً شاملاً، وتشويه دولة، واتساع بيئة الفساد والأرهاب والعنف ورذائل التزوير وتهريب المال العام، هوية بديلة عن شرف الأنتماء والولاء للأرض والأنسان .

السياسي العراقي الآن، غير معني بقراءة الحالة (المأساة) العراقية، يفضل ان يبقى جاهلاً او متجاهلاً للواقع ورقعة عورته فيه، مرغماً او راغباً في التنكر للقضية المشتركة التي مفروضاً ان يكون منتمياً الها، حيث دخلت مهمة اصلاح مفاسده نفق المستحيلات، انه تراجع مخيف تخجل منه حتى مواقف البهائم ازاء حضائرها .

اننا هنا نتحدث حصراً عن الهاوية التي انحدر اليها دعاة الثقافة والفكر والفلسفة ايضاً، وهم غالباً ما يقلدون حالة العهر التي انتها اليها السياسي .

المثقف : تناسا ان الثقافة يجب وبالضرورة ان تبقى باسقة شامخة عالية الرأس، يصعب على السياسي ركوب ظهرها، فاصبح بهلواناً دبقاً سمح للسياسي ان ينتف ريش وظيفته ليضيفه عارياً الى سربه بلا قضية  .

مدعي الثقافة، قد ينجح في تضليل وخداع البعض، لكنه يسمع ويرى مطرقة السياسي وهي تدق مسماراً اضافياً في تابوت سمعته، ومهما حاول خداع نفسه، فمكرمات سيده تذكره، ان دخول ابواب مكاسب اللعبة قد يكون سهلاً، لكن الخروج منها غير جائز اضافة لأستحالته، فالتطبع عليها افرغه من بقايا الضمير والوجدان ان وجدت بقايا، ولا يمكن له ان يترك فراغاً في حصة السلطان في دولة السلاطين، ان نقاط ضعفه القاتله، تعيد تهذيبه (تأديبه) فاعلاً مندمجاً في السرب المدجن .

هنا قد نتجنب ذكر الأسماء التي اشبعت القضايا الوطنية والأنسانية اجتراراً وتقيئاً، فالقاريء سيتعرف عليهم من خلال رائحة المعنى، وقد لا يبدو فساد البيضة على قشرتها، لكن الخراب يبقى مرعباً من داخلها .

في اواسط الخمسينات قرأنا لهم مواقف، وفي اواسط الستينات والسبعينات تغيرت المواقف، ولهم في الثمانينات والتسعينات انحناءات واعوجاجات وانكسارات تقمصوا خلالها مهام المخبر وكتبة التقارير يطاردوا مواقف الأخرين ويستجوبوا وجهات نظرهم، اذا ما خدشت وجه البناء الأشتراكي في معسكر وأد التجربة، وحتى يومنا هذا، يمهدون للسياسي مهمة افتراس العقل العراقي، في جميع الحالات لم نعثر لهم على موقف واحد متزن يعبر عن ضمائر تتحرك بدوافع وطنية او مبادي تربطهم بقضية، انهم الأن، منتوفي ريش القضية، متخذين من مكرمات السياسي عشوشاً تحتضن بؤسهم، انهم فقدوا كامل شخصيتهم متشظية بين هذا المؤجر وذاك، ولا يمكن لهم استعادة المسكوب من صدق المواقف .

ما اسؤأ ان يتجاهل البعض من مدعي الثقافة والأنتاج الفكري، انهم عراة بلا قضية يدفنوا رؤسهم في رمال المكرمات ليتجنبوا رؤية حجم وفداحة العورة، متناسين انهم ليسوا جديرين ولا يليق بهم ان يكونوا مدافعين عن حقوق الأنسان وعن السجين وحرية الفكر ومعتقد الأقليات الدينية والمذهبية او التضامن مع اكثر من قضية، مبشرين بأكثر من هدف مهاجمين اكثر من جهة مسيئين لأكثر من شخصية، وبشهية مقلوبة، يفصلوا ما في جعبهم على مقاس اكثر من حضن، يوزعوا مواقفهم على اكثر من مؤجر، يجذبوا الى سربهم اكثر من منتوف، يرتدوا ويوزعوا الألقاب والصفات ويتجنبوا الأصيل فيهم كخونة قضية، انهم صادقون فقط مع ضمان مكاسبهم  .

مدعي الثقافة، عندما يخذل قضيته ويتخلى عن وظيفته الوطنية الأنساتية، انه قد خذل الثقافة اولاً وترك جروحاً غائرة في جسدها، ليتلذذ بأوجاعها، انها سادية المأزوم الخليع نفسياً وروحياً واخلاقياً واجتماعياً، يمارس القسوة،ليس بحق الثقافة فحسب، بل يتجاوزها الى مطاردة والحاق الأذى بالمتبقي من خيرة المثقفين، ويرمي اوحاله على سمعة الأخرين، انه مصدر تشويه، ليس على النطاق الفردي فقط، بل على نطاق الرأي العام العراقي، يرتكب جريمة قطع خيوط الروابط الوطنية والأنسانية بين المواطن وقضيته العراقية، اذن اي بهلوان تافه، هذا الذي يخون وظيفته على نطاق واسع ويصغر كلما كبرت عورته .

19 / 11 / 2012

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2280 الثلاثاء 20 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم