أقلام حرة

التحالف "الشيعي الكردي" ليس كذبة .. بل سبب البلاء! / علاء اللامي

قرابة عشرة أعوام بأنه كذبة! زميل له، ذو باع طويل في تدبير وتخطيط الصفقات السرية والملفات الحساسة، صرح بأنَّ هذا التحالف ليس إلا "زواج متعة" دون أنْ يكشف عن الطرف " المستمتِع / بكسر التاء الثانية". الطرف الكردي، وخصوصا من حزب رئيس الدولة الفخري، رفض أنْ يصدق أذنيه فهبَّ يدافع عن هذا التحالف وقال قائل منه " أن تصريحات العسكري ومن ثم الشابندر لا تمثل رأي التحالف الشيعي بل هي آراؤهما الشخصية"، وكأن الرجل متخصص في نبش الضمائر وقراءة النوايا والأحلام. كما قال مسؤول كردي كبير تأكد له أنَّ سقوط هذا التحالف، أو افتضاح أمره ككذبة، سيعني قطعاً سقوطه من منصبه لأنه جاء نتيجة له وليس لأية مواهب أخرى، من أنَّ هذا التحالف ليس أكذوبة بل فهو في أوج قوته !

والواقع، فإنَّ المدقق بتفاصيل ما حدث طوال الأعوام العشرة المنصرمة وحتى الآن، سيُحَمل هذا التحالف بين الأحزاب "الإسلامية الشيعية" والحزبين الكرديين التقلديين "الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني"، مسؤولية مباشرة عما وصل إليه العراق "الجديد" اليوم.. السبب في ذلك، هو إنهما الطرف "المتحالف" المهيمن على العملية السياسية و مفاصل الدولة الأهم، وهم الكتلة التي مررت الدستور المليء بالألغام، بمساعدة حزب الهاشمي آنذاك، ومعه مُررت المعاهدة الأمنية وكافة قطع البناء الفوقي للنظام.

إنَّ مبررات قيام هذا التحالف المعلنة هي إنهاء قاعدة وذيول دكتاتورية البعث التي انهزمت أمام الاحتلال وتركت العراق لقمة سائغة لكل من هبَّ ودب، وبناء نظام تعددي بدلا منها! ولكن ما تم بناؤه ما هو إلا نظام متخلف وأناني، فاسد ومفسد،  تقوم قاعدته وآليات توزيع وإدارة الدولة وثرواتها فيه على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية في كل شيء: بدءاً من الرئاسات الثلاث، وليس انتهاء بالسفراء و شرطة المرور! لقد ماتت المحاصصة الطائفية العرقية "سريريا" منذ عدة سنوات بعد أنْ تسببت بالاقتتال الأهلي الشنيع خلال سنوات الجثث، 2006 وما بعدها، حتى تمَّ بلوغ الحالة الأمنية الهشة القائمة حاليا والتي تحولت من موجة اقتتال أهلي واسع النطاق إلى تمرد مسلح "بالمتفجرات والكواتم" تشنه منظمات تكفيرية وطائفية ومنظمات الجريمة المنظمة لدوافع انتقامية وسياسية ومالية. غير أنَّ الطرف الذي وقف ضد المحاصصة الطائفية عمليا وضرب الأطراف الطائفية المليشياوية في ما سمي "صولة الفرسان" لم يجرؤ على المضي إلى الأمام حتى تصفيتها لينشأ بدلا منها نظام ديموقراطي حقا، بل انتكس وعاد إلى أدراجه خوفا من فقدانه  لقواعده وكتلته الانتخابية الطائفية.

واليوم، ومع عودة الحديث عن تشكيل حكومة أغلبية سياسية، وهي في حقيقتها ستكون حكومة أغلبية سياسية طائفية، وليست حكومة أغلبية ديموقراطية، طالما بقيت قواعد وآليات حكم المحاصصة كما هي، ومع التوتر والتصعيد العسكري الذي بلغ ذروته مع الصدام المسلح بين الجيش ومليشيات، قيل إنها تابعة لحزب رئيس الجمهورية-  في قضاء طوز خرماتو، يتجلى واضحا وللمرة الألف أنَّ التحالفات الطائفية سواء كانت بين "الشيعة والأكراد" أو بين "الشيعة والسنة" أو  بين "السنة العرب والأكراد" هي سبب بلاء العراق وشعبه أمس و اليوم وغدا، وينبغي بالتالي للقوى والشخصيات الوطنية نسج تحالف سياسي ديموقراطي جديد عابر للطوائف والعرقيات، خارج وداخل العملية السياسية الأميركية، يكون هدفه الأساس إلغاء نظام المحاصصة سياسيا ودستوريا من خلال إعادة كتابة الدستور بشكل شفاف وجذري ودون تدخل أجنبي وإجراء انتخابات جديدة على أساسه وتحت إشراف مفوضية انتخابات مستقلة و خارج صفقات المحاصاصة الطائفية والحزبية.

إضافة إلى هذا الأفق البديل، الذي لا يمكن المغامرة بكثير من التفاؤل حول إمكانية تحققه في المدى المنظور، سيكون لزاما على الرافضين للفتنة الداهمة، رفض استهداف الجيش العراقي بالسلاح من قبل أي طرف كان، واعتبار ذلك الأمر خطاً أحمر وجريمة بحق العراق وشعبه، مثلما ينبغي رفض استهداف المناطق الكردية داخل حدود ما قبل 2003 في الإقليم من قبل الجيش والقوات الحكومية لتحقيق أهداف سياسية لهذه الجهة الحزبية أو تلك. أما المناطق التي تسللت إليها أية قوات غير حكومة بعد 2003، والتي نقترح تسميتها "المناطق المختلف على تبعيتها الإدارية" بدلا من التسميات المأخوذة من قاموس الحروب الأهلية والمنازعات المسلحة،  فينبغي تغليب لغة الحوار بصددها وتحريم اللجوء  الى السلاح بشكل قاطع.. ينبغي أيضا رفض ترحيب بعض الأطراف بتدخل دولة الاحتلال، التي دمرت العراق وشعبه، أي الولايات المتحدة في هذه النزاعات فهو أمر مرفوض ومدان وطنيا ولا يقل إجراما عن الدعوة لاحتلال العراق وتدميره وإبادة شعبه بالأسلحة الفتاكة مرة أخرى.

إن على القيادات الكردية التي تتحمل مسؤولية قيادة شعبها اليوم، أنْ تدرك أن الوضع الجيوسياسي في العراق، بعد انسحاب غالبية قوات الاحتلال منه، قد تغير جذريا، وأنَّ ما كان ممكنا قبله لن يكون ممكنا بعده لا من حيث الإمكانيات الفعلية والتكتيكية ولا من حيث الأفق الاستراتيجي والعكس صحيح! وإن خير ما يمكن أن تقدمه القيادة الكردية لشعبها الذي عانى الكثير، وللعراق ككل، هو أنْ تعيد قراءة الواقع الجديد فتقطع مع منطق الصفقات الطائفية والإثنية في الدهاليز المظلمة، وتتجه نحو الأفق الوطني عبر عقد التحالفات العابرة للطوائف والعرقيات دون تفريط بالحقوق الثابتة للشعب الكردي وفي مقدمتها حقه المطلق في تقرير المصير أسوة بكل شعوب الأرض،  تلك الحقوق التي لا يستطيع أحد القفز عليها بعد اليوم، او استغلالها لمصلحة هذا الحزب أو تلك العشيرة. إن حقوق الأكراد بوصفهم المكون المجتمعي القومي الثاني في العراق ستزداد رسوخا مع قيام نظام ديموقراطي علماني حقيقي على أنقاض نظام المحاصصة، ودونكم  خلاصة تجربة السنوات العشر الفائتة التي أثبتت أن الصفقات السرية الطائفية ستنتهي بنهاية مسبباتها ودوافعها وبنهاية وتفكك التحالف الطائفي الذي كان خلفها أما الاتفاقيات الديموقراطية والدستورية الشفافة في النظام العابر للطوائف والإثنيات فستبقى طالما بقي النظام الديموقراطي قائما ومدعوما من كل الشعب وليس من هذه الطائفة أو تلك!

 

*كاتب عراقيِ

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2282 الخميس 22 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم