أقلام حرة
احلام المثقف العراقي في ظل الفساد السياسي / ابراهيم زيدان
على موعد مع تحقيق حلمه الشخصي فقد افتتح مؤتمر القمة الثقافي الأول الذي نظمته دار القصة العراقية (التي اسسها قبل سقوط النظام) وجامعة ابن رشد في هولندا وعدد من الكليات والمنظمات الثقافية برعاية مجلس محافظة فعبر وقتها عن سعادته في كلمة تلاها على الحاضرين (انا سعيد جدا بتحقيق هذا الحلم الذي رسمت له منذ عام 2006 وهاهو اليوم يتحقق بفضل الجميع وإصرارهم من اجل تحقيق أهداف المؤتمر التي ستناقش ما تعرض اليه المثقف والثقافة العراقية من هجمة شرسة منذ عام 1980 والى الآن وكيفية الخروج من هذا المأزق الخطير من خلال الدراسات والمقترحات الميدانية من اجل إعادة التوازن وإعلاء شأن المثقف العراقي) وقد ناقش المؤتمر وقتها عددا من المحاور هي (الثقافة والسلطة) و(الثقافة والمعطى الإنساني) و(حياة المثقف ومشكلاته) واقر عددا من التوصيات تمثلت ب (الحفاظ على علاقة متوازنة بين المثقف والسياسي تحفظ لكل منهما دوره الجاد في ظل نظام ديمقراطي حقيقي) و(المطالبة بإقرار قانون "المجلس الأعلى للثقافة" الذي نوقشت مسودته على أعلى المستويات الثقافية والقانونية عبر لجان متخصصة) و(دعم الإبداع ورعاية المبدعين ودعم نتاجاتهم الفكرية والثقافية والفنية ورعاية الثقافة الشعبية الرصينة وايلاء بناء المسارح أهمية خاصة) و(ضرورة مشاركة مثقفي العراق في المؤتمرات والمهرجانات الثقافية العربية والدولية وتقديم جميع التسهيلات من أجل نشر الثقافة العراقية بأنواعها المختلفة) و(ضمان استقلالية الاتحادات والمنظمات والنقابات الثقافية والفنية وتوفير أنواع الدعم لها وضمان حرية التعبير دون وصاية من أحد) و(دعوة مجالس المحافظات لتخصيص ما لا يقل عن (1%) من موازناتها السنوية لدعم الثقافة والمثقفين في المحافظات) – حلم لن يتحقق - و(تمتين الروابط بين مثقفي الداخل والمهجر لتعزيز الوجه المشرق للثقافة العراقية) و(دعم برلمان الطفل العراقي لثقافة الطفل وضمان حقوقه من خلال تفعيل الاتفاقيات والعهود الدولية والعربية والمحلية والتوصيات الأكاديمية في هذا الحقل) و (اختيار يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام يوما وطنيا للمثقف والثقافة العراقية) و(عقد المؤتمر دوريا كل ثلاثة أشهر لأهميته ومن أجل استكمال بحوثه الخاصة بمحاوره المتعددة وطبعها في كتاب) و(دعم المؤتمر من لدن الدولة بوصفه مؤتمرا وطنيا هدفه بناء الجانب الروحي والعقلي للإنسان) و(تكرم اللجنة الاستشارية والتحضيرية ومؤسس المؤتمر لأن المؤتمر فريد من نوعه ويعد التجربة الأولى في الوطن العربي بعد نجاح دورته الأولى) و(يشيد المشاركون في المؤتمر بالدعم والتسهيلات التي قدمها مجلس محافظة ميسان ورئيسه لإقامة هذا المؤتمر وإنجاحه وما يمثله من سابقة ثقافية رصينة تخدم مجتمعنا العراقي)، ويدعو القاص محمد رشيد الى ان يكون يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني من كل عام يوما للمثقف العراق وعيدا حقيقيا له وهذا لا يتحقق في تصوره إلا بدعم الحكومة للمثقف العراقي ورعاية جميع نشاطاته، ولو توقفنا امام توصيات المؤتمر سنجد ان هذا اليوم لم ولن يتحقق بفضل الاهمال الحكومي المتعمد للثقافة العراقية بشكل عام والمثقف العراقي بشكل خاص اذ انها لا تزال تنظر اليه بوصفه بوقا من ابواق النظام السابق هذا من جهة، ومن جهة اخرى نجد ان المنظمة الثقافية التي انشئت لرعايته والمتمثلة بالاتحاد العام للأدباء والكتاب، هذه المنظمة الثقافية يمارس المسؤولون عنها منذ سقوط النظام السابق والى يومنا سياسة الاقصاء والتهميش لأغلب ادباء العراق، ومع ذلك يصر الصديق محمد رشيد على تحقيق ما هو خارج تغطية السياسيين من حملة الجنسيتين، فدورة المؤتمر لهذا العام هي الاخرى قد تكون مهددة بعدم الانعقاد (للأسف الشديد وبعد جلسات عديدة من (غداء وعشاء العمل) وغيرها فوجئنا بانسحابه (يقصد مجلس محافظة ميسان) قبل يومين من انعقاده بعدما جاء بعض المدعوين من (السويد وهولندا والإمارات ولبنان) وسبب لنا (احراجات) عديدة و(خسارات مالية) والى الآن نجهل أسباب انسحابه ولهذا (إننا لا نؤمن بدور السلطة في التنفيذ بل نعتمد على بعض الأشخاص المحبين للثقافة وأصدقائنا المقربين جدا الذين أسهموا بشكل فاعل بانعقاد المؤتمر الأول وما تلاه)، ليقر القاص محمد رشيد (أن السلطة لم يعنها أمر المثقف أبدا وأكثر الذين يعملون في السلطة يعتبرون المثقف عدوا لهم ولكن في الواقع أن المثقف لا ينافس السياسي أبدا كونه المعني بجماليات الحياة وهو من ينظم الكون وفق تصوراته الأخلاقية والإنسانية بعدما يختنق العالم بالحروب والمجاعة والقتل بسب الساسة)، الامر الذي يضطره للبحث عن جهة اخرى تدعم اقامة المؤتمر في دورته الثانية ولن تكون هذه الجهة الاتحاد العام للأدباء والكتاب طبعا، اذ من غير المتوقع اصلا ان يمد الاتحاد يده بقوة لدعم المؤتمر !، ولكن لنتوقف امام توصيات المؤتمر، لعلها حققت امرا واقعا لإنقاذ الثقافة والمثقفين .
ان المطلع على حال الثقافة العراقية يتلمس وبوضوح ان التوصيات بقيت حبرا على ورق شانها شأن بقية احلام المثقفين العراقيين التي يقتلها السياسي العراقي الفاسد بفضل الازمات السياسية التي يخلقها لصرف الانظار عن جرائمه وفساده وانحطاطه الاخلاقي، فالمثقف العراقي يعاني اليوم اشد مما كان يعانيه في سنوات ما قبل سقوط النظام، فالإهمال واضح جدا لأدباء وكتاب يعانون من ازمات صحية تستدعي العلاج خارج العراق، والتهميش صار سياسة حتى الادباء المهيمنين على القرار في الاتحاد العام للأدباء والكتاب، وصارت المهرجانات حكرا على وجوه معينة وكأن بقية الادباء والمثقفين هم من حقبة النظام السابق، في الغاء واضح لكل الابداع العراقي ليسود بالتالي ما هو رديء بشهادة الكثير من الادباء الذين شاركوا في المهرجانات الشعرية التي اقيمت بعد السقوط وحتى يومنا هذا، وكأن ما حصل لم يكن سقوطا لنظام سياسي بل كان سقوط وانهيارا لمنظومة اخلاقية كشفت ضحالة الكثير ممن يدعون الانتماء للعراق، فهل سيعقد مهرجان القمة الثقافي في دورته الجديدة ام لا؟ انه سؤال ستجيب عنه الايام المقبلة وختاما لاتبتئس ياصديقي القاص محمد رشيد اذا لايصح الا الصحيح في نهاية المطاف وعندها سيحين القطاف .
تابعنا على الفيس بوك وفي تويتر
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2286 الاثنين 26 / 11 / 2012)