أقلام حرة

العراق وتركيا وايران

وادي الرافدين والحضارة الفارسية كذلك هناك خاصية أخرى ألا وهي الذهنية الامبراطورية لهذه البلدان، فاذا كان العراق قد مارس هذا الدور في عصور ماقبل الميلاد ثم جاءت الدولة العباسية لتشكل امبراطورية على ارضه باسم الاسلام ، فان ايران اوبلاد فارس وتركيا قد مارسا هذا الدورقبل الاسلام وبعده  وهذه من  المشتركات التي ادت وتؤدي الى تنافس وتسابق خصوصا بين تركيا وايران واحدى سوح التسابق والتنافس بين هذين البلدين هي ساحة العراق لما لهذا البلد من خصوصية تاريخية وفكرية وعقائدية فالعراق بالاضافة الى انه ساحة جذب سياسي وعسكري للدول الكبرى التي تريد ان تبني امبراطوراياتها في المنطقة المحيطة به او منها ،فهو ساحة جذب ثقافي وعقائدي وفكري وتاريخي متصلا بارضه وتاريخها،فادم عليه السلام هبط من الجنة على ارض العراق وهذا ابو البشر،اما ابو الانبياء والرسل ابراهيم عليه السلام ولادته كانت في العراق وبدأ مسيرته الرسالية ومكان المحرقة التي اريد له ان يحترق فيها من قبل بني قومه عقابا له على تحطيم الهتهم في هذه الارض ايضا التي لم تفارقها النبوة فكم من نبي دفن في ارض العراق وصولا الى ايام الاسلام او سنواته الاولى حيث اختار الامام علي عليه السلام الكوفة لتكون عاصمة لدولة الاسلام للخصوصية الجغرافية والتاريخية لهذه الارض ولانريد هنا ان ندخل في سجال حول هل اختار الامام علي عليه السلام هذه الارض مختارا ام مضطرا،عن دراسة او قرار متسرع مزاجي اضطرته ظروف حرب الجمل اليها ،المهم هنا ان ندرك نحن امام نموذج لاتنطبق عليه صفات المزاجية والتسرع والاضطرار،ولو كان كذلك لما تمرد عليه طلاب المناصب ولما عانى ماعانى من متاعب في ايام خلافته جراء سياسته الواضحة المبنية على المباديء وليس على الحسابات الشخصية الضيقة ومن يقول كلاما غير هذا الكلام فانه يبني كلامه على مايفكر به هو وليس على اساس الحقيقة والتجرد الثقافي والفكري عندما يكتب او يطرح رايا؛المهم ان الامام علي عليه السلام باختياره الكوفة عاصمة للخلافة الاسلامية لم يعط دفعا ودفقا سياسيين فحسب لها وللعراق عموما بل اعطاهما من المكانة الثقافية والفكرية مما جعل العراق مدرسة للفكر خصوصا ان الكوفة اصبحت معقلا للفكر الشيعي وليمتد بعد ذلك الى افاق اوسع وارحب لما يمثل هذا الفكر من مداخل واجواء ثقافية واسعة ولما يمتلك من قيادات فكرية غاية في العمق تتلمذت مباشرة اوغير مباشرة على يد ائمة اهل البيت عليهم السلام وهذا شيء واضح وجلي ولايستطيع احد ان ينكره،بعد ذلك بزمن وعند مجيء العباسيين الى الحكم واختيارهم العراق كمركز او عاصمة لامبراطوريتهم المترامية الاطراف اصبحت بغداد موئلا للمفكرين والباحثين ومن يريد ان يستزيد من الفكر في ذلك الزمن ،وقد كان لوجود الامام جعفر الصادق عليه السلام اثرا في ان يقدم الخلفاء العباسيين على التشجيع في تكوين مذاهب فقهية تقف بوجه هذا الامام وبالفعل جاءت المذاهب الاربعة المعروفة ،وهنا لااريد ان ادخل في قضية المذاهب هذه بقدر مااريد قوله ان هذه الخطوة جعلت العراق عاصمة للمذاهب الاسلامية لو صح التعبير ومعقلا للمذهبين السني والشيعي ؛خصوصا ان الامام علي عليه السلام والامام الحسين قد دفنا في ارض العراق وهما يمثلان ما يمثلان من رمزية كبرى ليس للمسلمين فحسب بل لكل قادة الفكر والثورات التحررية في العالم وبالاخص في حالة الامام الحسين عليه السلام،وقد خلقت هذه الثورة نهضة سياسية وفكرية وادبية كان مصدرها ارض العراق،وايضا اشعلت جذوة للثائرين لم تنطفيء الى يومنا هذا لكل من يريد التحرر من نير الظلم للمسلمين وغيرهم ؛ومن هذا المنطلق اصبح العراق قبلة للزائرين المتبركين بوجود اعلام الدين وبوجود المراكز الفكرية التي اسست على ارضه اصبح العراق محطا للمفكرين ومن كل المذاهب الاسلامية ؛ايضااعطى وجود الامام ابو حنيفة النعمان امام المذهب الحنفي في حياته في العراق ودفنه فيه اعطى زخما كبيرا لمواليه في ان ينظروا للعراق نظرة فيها من القداسة الشيء الكثير وهذا الحال ينطبق على  وجود  ائمة المتصوفة في بغداد كالجنيد البغدادي وغيره كثير  اذن اصبح لدينا عراقا فيه ارثا حضاريا يمتد الى عصر ماقبل الميلاد بالاف من السنين ومن ثم  دورا رساليا سماويا تمثل بوجود العديدمن الانبياء والرسل على ارضه وبعد ذلك دورا اسلاميا رياديا وعلى كافة الصعد ،اما ايران او بلاد فارس فعلى الرغم من انها دخلت الاسلام بعد اندحار الساسانيين على يد المسلمين في معركة القادسية ومابعدها من معارك الا انها في دخولها اثرت وتاثرت بالاسلام سياسيا وفكريا وعقائديا وحتى عسكريا وكان الكثير من قادة الفكر والمذاهب الاخرى غير المذهب الاثنى عشري وايضا كان للفرس دورا رئيسيا في بناء الدولة العباسية في بداية امرها الى حين تصفيتهم على يد هارون الرشيد متمثلين بالبرامكة ومع هذه التصفية لم ينته دور الفرس كليا على الساحة الا ان العنصر التركي كانت له الحظوة الكبرى فيما بعد خصوصا عندما جاء المعتصم الى الحكم ؛هنا الصراع بدا بين العنصرين للسيطرة والتاثير على ارض العراق وفي العراق خصوصا ان الاتراك قد سيطروا على اهم مفصل من مفاصل الدولة واعني به مفصل الجيش وهو رمز للقوة في كل  زمان ومكان الى ان انتهى الامر الى صراع وحرب ضروس استمرت لقرنين من الزمان بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية وقد كانت كل دولة منهما تمثل مذهبا معينا وكان  هدفهما السيطرة على العراق الامر الذي اثر كثيرا على الواقع الاجتماعي في هذا البلد الى يومنا هذاكما ان التطلع السياسي للتاثير على هذه الارض وقد استمر الصراع والتنافس في اقل الاحوال مع تغير انماط الحكم واشكالها في البلدين تركيا وايران فالنظرة لم تختلف ان كان الحكم عثمانيا او اتاتوركيا خصوصا اذا عرفنا ان هناك عناصر اخرى دخلت على هذا المسار مثل التحالفات والرؤى الجديدة فتركيا عضو فاعل في الحلف الاطلسي وحليف ستراتيجي لامريكا ولها علاقات متينة مع اسرائيل ؛كما ان عيونها بقيت طامعة على بعض الاراضي العراقية كالموصل وكركوك ؛ودخل العنصر الكردي على خط المواجهة وكذلك العنصر الاهم في السياسة التركية الاوهو عنصر المياه كل هذه الامور هي عناصر ضاغطة وكحجج للتدخل في الشان العراقي والتاثير عليه وعلى مدى عمر مايسمى مجازا الدولة العراقية ،ففي الحقيقة ان ما جرى في العراق هو تاسيس وتشكيل حكومات وسلطات ان كان على يد بريطانيا او انقلابات عسكرية تتم بمباركتها ومباركة امريكا والامر ينسحب على ماجرى بعد2003 فالدولة والنظام لهما شروطهما وشرائطهما ليس محل ذكرهما الان ،اقول هناك عنصر مهم وقد يكون خفيا اوظاهرا هو وجود رجال في الحكومات العراقية المتعاقبة هم اما من اصول تركية او متاثرين بالثقافة التركية من خلال خدمتهم في الجيش التركي فان اكثر من جاء مع الملك فيصل من الضباط في الجيش العثماني وقد التحقوا فيما بعد بالشريف حسين والد فيصل في ثورته العربية ؛تبوأ هؤلاء اعلى المناصب في الحكومة العراقية كنوري السعيد وياسين الهاشمي وغيرهما كثير ليستمر الصراع خفيا تارة وظاهرا تارة اخرى والغريب ان هؤلاء وكصورة من صور النزاع هذا ان هؤلاء الذين هم من اصول تركية اخذوا يطالبون اي شخص من ابناء المناطق الجنوبية او الفرات الاوسط ويحاول ان يبني له مركزا مرموقا في مؤسسات الحكومة او في المجال الثقافي او الفكري يتصدون له مطالبين ان يبرز جنسيته لانه مشكوك في اصوله العراقية والعربية وبالذات متهمين اياه بالاصول الفارسية وقد اصبح هؤلاء من دعاة القومية العربية واقصد من ينحدر من اصول تركية اومن هو ذو ثقافة تركية،ومن المفارقات ومن المضحكات المبكيات ان السلطات العراقية المتعاقبة وخصوصا سلطة البعث كانت تطالب وتستند في منح الفرد العراقي الجنسية وشهادة الجنسية العراقية على مستندات التبعية العثمانية وبالاسم ،هنا قد تبرز حجة مدافعة مفادها ان السيطرة العثمانية دامت عدة قرون وهي التي اسست وفتحت السجلات للعراقيين وعليه لاتوجد وسيلة اخرى لتبيان الانساب وهذا الكلام مردود بطبيعة الحال لان الاحتلال احتلال مهما تعددت الوانه ونحن نعرف ان الاحتلال التركي ماكان فقط احتلالا عسكريا بل كان ثقافيا ايضا وسياسة التتريك التي بدأت من المدارس وحتى اعلى المفاصل في كل البلدان المحتلة من قبل العثمانيين معروفة لدى الجميع فهل يؤتمن جانب الاتراك في عدم جلب من هم من غير العراقيين وتسجيلهم على من اهل البلد فلماذا هذا التغاضي المقصود طبعا وجعل التاثير التركي شرعيا في الذهنية العراقية لولا وجود عناصر مؤثرة تعمل لصالح هذا الجانب ،بعد ذلك جاء الدور الجلي والبارز لتركيا بعد الاحتلال الامريكي للعراق حيث اهتماها بوضع التركمان في كركوك اخذ بعدا اكثر وضوحا كما ان ان ضغوطها وحتى مساوماتها مع كل من السلطة المركزية في بغداد وسلطة اقليم كردستان اخذت بالاضطراد وذلك لضعف الجانبين سياسيا ،وماقبول الدور التركي في ازمة ما سميت الاربعاء الدامي في 19/8/  2009 مع سوريا   دون الدور ألأيراني ألا مثال بارز على ذلك التأثير التركي بمعرفة السلطة في العراق ان لتركيا قبولا مذهبيا عند الحكومات العربية وقبولا امريكيا كذلك وهي المرفوضة مذهبيا من قبل الحكومات العربية وفي مقدمتها السعودية لالانها حكومة احتلال علها تحظى بقبول في النادي العربي وهذه من مفارقات الحكومات العربية وفعلا توسطت تركيا او بالاحرى ترأست اجتماعا بين سوريا والعراق في مقر الجامعة العربية وبحضور امينها العام ليسلم الوزير العراقي الوزير التركي ادلة ضد سوريا بشهادة امين عام الجامعة العربية عمرو موسى ،اما قصة المياه فلها مجال اخر غير هذا المجال، ولنستطلع استطلاعا سريعا ماهي التأثيرات الايرانية في العراق فنلاحظ وجود تشابك اجتماعي متأتي من قبل التوحد المذهبي لاكثر الشعبين الايراني والعراقي لتتحول هذه الخاصية المذهبية والعقائدية الى تهمة سياسية  جاهزة لابناء الجنوب العراقي والفرات الاوسط معهم على انهم فرس او موالون للفرس او شعوبيون لايدينون للعروبة او للوطنية بشيء ،على ان ابسط مطلع على الشؤون السياسية فضلا عن الباحث لايستطيع ان ينكر ان الحكومات والانظمة الايرانية المتعاقبة قد استغلت هذه الخاصية للتدخل في الشأن العراقي لكن السؤال الذي يوجه هل ان الشعب العراقي قد انخرط كليا في خدمة الشأن الايراني ؟ ان واقعة واحدة وهي قريبة جدا تفي بالجواب الا وهي الحرب العراقية الايرانية فعلى الرغم من ان اكثرية الشعب العراقي اعتبرها معركة رأس السلطة وليس معركته الا ان الجندي العراقي قاتل بشراسة وضراوة  وان قيل ان هذا ناجم عن خوف من العقاب فان شدة القتال لاتنم عن خائف لكن الشيء البين والظاهر ان اكثر من يتهمون الشيعة يغفلون بشكل متعمد حقيقة ان العقيدة الشيعية تؤمن بمبدأالتقليد للمرجع ايا كان هذا المرجع وايا كانت جنسية المقلد (بكسر الميم)فتجد العراقي يقلد المرجع اللبناني والعكس صحيح وكذلك هناك الايراني الذي يقلد المرجع العراقي او المتواجد على ارض العراق كأن يكون من الباكستان او من ايران او الشيعي العراقي فانه يقلد المرجع الايراني في ايران طبعا دون الاخلال بالثوابت الوطنية مثلما لم يخل بالثوابت الوطنية للمسيحي الذي يدين بالولاء للبابا في الفاتيكان فهل سمعنا يوما ان الدنماركي متهم بالولاء لروما لمجرد انه يقدس الفاتيكان او الفرنسي او الالماني ،المهم هو يجب ان نعرف ان مثلما لتركيا من مؤثرات فلايران ايضا مؤثراتها وتوابعها لكن يبقى العراق مؤثرا فيهما وداخلا بسياستهما برمزيته التاريخية والعقائدية والفكرية وبحغراقيته وموقعه المهم .      

 

رائد عبد الحسين السوداني

[email protected]

في المثقف اليوم