أقلام حرة

تزوير العقاقير الطبية والأدوية

ولأن البائع يكثر من الحلف والقسم لترويج بضاعته ولأن الصراخ فيها كثيرا وأهم من كل هذا لأن أغلب التجار تنطوي سريرتهم على الجشع الذي يدفعهم للغش دون الأخذ بالاعتبار ما يصيب الناس من جراء الغش ولاسيما منه ما يتعلق بالسلامة العامة مثل الغش  في الأطعمة والأدوية.

وحينما تكون للقانون سطوة تقل حالات الغش التجاري عادة بشكل كبير بل وتتلاشى في بعض الأحيان ولكن في دولة مثل العراق لا تطبق فيه القوانين حتى أمام أبواب المحاكم ودور العدل فالساحة تبدو مفتوحة والأبواب مشرعة لكل أنواع الغش طالما أن القانون عاجز عن محاسبة الغشاشين والاقتصاص منهم.

فإذا اجتمع عجز القانون مع ضعف الوازع الديني أو انعدامه لدى التاجر مع النزاعات الطائفية والعرقية والدينية  تقع المصائب ويحل الخراب، كما هو عندنا اليوم حيث فقد أغلب التجار آداب التعامل وأصول التجارة وتحولوا إلى وحوش نهمة همها تحقيق الربح الوفير على حساب كل القيم و المتعارفات لدرجة أنهم يسافرون إلى البلدان المنتجة ومنها الصين والهند مثلا ليجمعوا من أسواقها  ومصانعها ما لديهم من مواد غذائية منتهية الصلاحية ثم يعيدون تغليفها وإدخالها إلى الأسواق المحلية أو يذهبون ليتفقوا مع المصانع لتصنع لهم موادا رديئة غير مطابقة للمواصفات بأسعار رخيصة ثم  يدخلونها إلى البلد.

أخطر ثلاثة مجالات في طرق التجارة العراقية اليوم والتي تبدو بعيدة عن الشرف المهني للتجار الحقيقيين هي الأدوية والماد الغذائية والأجهزة الكهربائية.

فكم من حالة تسمم غذائي وقعت دون أن تتخذ السلطات الصحية والرقابية بحق مسببيها أي إجراء. وكم من حريق كبير اندلع بسبب انفجار جهاز كهربائي غير متقن الصنع أو مخالف لشروط السلامة تم استيراده من قبل تجار ما بعد السقوط وأودى بحياة العشرات وتدمير البنى التحتية دون أن يحاسب التاجر. أما ألأدوية فحدث ولا حرج حيث تعج الصيدليات العراقية اليوم بأنواع الأدوية المغشوشة المصنوعة في مناشيء مختلفة ثبت عند التحليل أن بعضها مصنوع من مادة النشا وبعضها الآخر مصنوع من البورق والجص وبعض المخلفات الصناعية وبعضها الآخر يحوي كميات غير قياسية من الأدوية منتهية الصلاحية التي أعيدت تعبئتها ثانية وأعطيت تاريخ صلاحية جديد .

نعم نحن لسنا وحدنا في خضم هذه المشكلة  فالعالم كله يشكو من موضوع الأدوية المغشوشة ونحن نعرف ذلك ونعرف أن منظمة الصحة العالمية، أكدت أن 30% من الأدوية المباعة في بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، يمكن أن تكون مزيـفة.

ونعلم أن هذه التجارة على مستوى عال من الرواج والانتشار بحيث جاء عن مركز الأدوية للمصلحة العامة" في الولايات المتحدة، أن قيمة مبِـيعات الأدوية المزيفة ستصل إلى 75 مليار دولار على الصعيد العالمي في عام 2010. وتمثل هذه زيادة نسبية تقدر بأكثر من 90% مقارنة بعام 2005.

لكن هذا لا يعني أن نسمح لتجار الأدوية العراقيين الذين يستغلون حالة تراخي يد القانون بترويج بضاعتهم الفاسدة دونما محاسبة أو مسائلة، لأن نمو النسبة بهذا الشكل المهول يعني فرصة سانحة للتجار لإغراق الأسواق بأنواع جديدة من الأدوية وبالتالي زيادة تأثيراتها الجانبية على الشعب المسكين.

أما الخطر الذي يمثله تناول الدواء المغشوش فيكفي لمعرفته الإطلاع على رأي منظمة الصحة العالمية التي تقول:( يمكن إنقاذ حياة ما لا يقل عن 200.000 شخص سنوياً، لو لم تتوفـر مثل هذه الأدوية المزيفة) ومن الطبيعي أن المنظمة لم تدخل العراق ضمن إحصائيتها لأنها لا تعمل في العراق حاليا ولا تعرف أنواع الأدوية الموجودة في أسواقه وعدد الذين يتأثرون بهذه التجارة اللاإنسانية وإلا لكانت قد ضاعفت العدد حتما. لقد شخصت منظمة الصحة العالمية المناطق التي يتمِ فيها تزوير الأدوية أو ترويج الأدوية المزورة ، بقولها: هي تلك التي تفتقد إلى التنظيمات في مجال الأدوية والتي تتـسم أنظمة التنفيذ فيها بالضـعف. وهو ما ينطبق كليا على العراق الآن وعلى الدول التي يستورد منها التجار أدويتهم.

 فإذا كانت سلطة القانون العراقي عاجزة عن ردع هؤلاء المفسدين، وكانت القدرات البشرية والطرق اليدوية العراقية عاجزة عن متابعة أنواع الأدوية المزورة التي تغرق السوق تحت مسميات معروفة  هناك آلة سويسرية للكشف عن الأدوية المزيفة وهي أداة رخيصة وبسيطة وقوية وقادرة في نفس الوقت على التكيـف مع درجات الحرارة العالية والظروف الجوية القاسية وكلفتها منخفضة ولا تستخدم في عملية التحليل سوى كمية ضئيلة من المادة المذيبة مع كميات صغيرة من الماء، ويمكنها اختبار أي نوع من الأدوية بالإضافة إلى كونها أسهل بكثير من حيث التشغيل والصيانة ولا تحتاج إلى تقنية عالية كما هي الأجهزة القديمة وهي أرخص أنواع الأجهزة المعروفة إذ يبلغ سعرها  بحدود 8000 $ فقط وهو مبلغ زهيد جدا مقارنة بأسعار الأجهزة القديمة التي يبلغ ثمن الجهاز الواحد منها  أكثر من (78.000 ) دولار.

وحتى لو لم تكن في ميزانية الدولة تخصيصات مالية لتغطية مثل هذه المشاريع ممكن لهيئة الرئاسة وأعضاء مجلس النواب أن يتبرع كل واحد منهم لجلب جهاز واحد وبذلك يمكن تغطية  احتياج العراق كله. ولا أدري إن كان مثل هذا المقترح يدخل أيضا في باب الاستحقاقات الانتخابية والمحاصصة ويحتاج إلى تشريع قانون تنسحب بعض الكتل من الجلسة لعرقلة التصويت عليه أو يرفضه مجلس الرئاسة أو يتهم المصوتون عليه بالتبعية للدولة الفيدرالية السويسرية كما يتهم من يصوت على قانون له مساس بهذه الدولة أو تلك من دول الجوار؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1219 الخميس 05/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم