أقلام حرة

(زفرات الفاكهة): تمرّد وجرأة ....للشاعرة ضحى بوترعة

قد يبدو للقارىء لأول وهلة أن القبض على نبض القصيدة يتيح له استقصاء هذا العمل دون لهاث لتفكيك الرموز والدلالات، لكن هذه المسافات من الفراغ التي أرادت الشاعرة أن تملأها، لم تكن هيّنة، بقدر ما ينصب الزمن فخاخه حول جسد من فاكهة لذيذة بقدر ما لهذه الفاكهة من بعد، بتأوّه، وخيبة، وضياع . نصّ مختلف بصمت أنثوي خارج من متضادين متنافرين متباعدين لكنهما في النهاية يصبان على ضفة اختارتها الشاعرة بنفسها بجرأة وتمرّد، واقتناص . هذا الطبق من الفاكهة لم تحدّده شاعرتنا بل تركت للقارىء الذكي ليصنّف الفاكهة حسب شكلها ولونها ورائحتها ليتحول في نظره هذا الطبق بزفراته واحتمالاته طبقا لفاكهة لذيذة الطعم .

 

صباحا يلهو القلب

ويكون بقعة ضوء

في نص الغواية

في دوائر الجموح ليعيد

احتفالات المعنى للعشاق ...

 

الخروج من دائرة العتمة لاستعادة ضوء تستجمع من خلاله الشاعرة نبض الحياة للمواجهة، من خلال نصّ يشكّل دوائر،، دوائر،، من ليل أرهقه ترويض طيف : " كنت أستعيد خطوة تقتنص ظلّك / أروّض حاسة الشّم لأقتفي الألوان التي أنت فيها " . ما بين الجموح واستعادة " الظّل" و" ترويض" الحواس أبعاد، ودلالات مبطّنة برموز يتحول فيها " طبق الفاكهة" الى ملاذ للشاعرة بكل ما يمتلكه من قوة ومن ضعف لنفس تاهت والآن في صباح حيث " يلهو القلب" ليكون نقطة الضوء في ابتكار نص جديد . هل اقتناص الظّل هو تلذّذ برائحة الألوان ؟ وما العلاقة بين اللون والظّل،و الرائحة؟ .

انّ للظلّ أحجام تتغيّر بين واقع الحياة ومأساويتها، بين الخنوع لها وبين ترويض الذات لتستقبل لونا، ورائحة جديدة، لتميّز بين الحقيقة والزيف، هذا هو الظّل الذي لا يحتمل الضوء، تعود به بخطوة الى الوراء لاستعادته، باقتناصه من الحياة واعادته الى ليل معتم تستلذّ به، تشمّ رائحته، وتقتفي ألوانه، وهنا تضيف الشاعرة للظل لونا، ورائحة، لأن " الظّل" بخطواته العشوائية في ذاكرتها هو الذي يضيء سراديب العتمة، وهذه العتمة هي عتمة لها علاقة " بالزمان والمكان"

هل يستحّم التّراب بخطوة في القصيدة

بأبجدية النّبض في العبارة....

هل تستعيد ريحها

ويسكن لفح الأغاني أحداقها في سقف الشّهوة

 

البعد (الزمكاني): الخطوات، التراب، اللّغة، الريح المفقودة، كافتقادها للمكان في زمن تستعيد من خلاله ما تسلّل من بين أصابعها، من جفاف على شفة الكلمات . الضياع والاحساس بالفقدان، فقدان رائحة التراب، ولحظة اشراقة النبض داخل القلب، اشراقة نبض القصيدة حتى تكتمل وترتدي أجمل حلّة . قد نتساءل : هل لعنصر الزّمن " ظلّ" لتشمّه شاعرتنا وتقتنص ألوانه ؟ هل الظّل الذي لا يحب الضوء سوف يتمرّد، ؟ هل يأخذ ( بلفح الأغاني) ويسكن أحداق الشّهوة من خلال رائحة خطى ( اللّغة) وتخطّي مسافات الفراغ لتقطّع ( الأنامل التي مزّقتني ) ؟. انها حيرة الشاعرة بألوان الحياة على مسرح الواقع المميت، وما بين الواقع والحلم يسكن الظل، نبض الضوء للشاعرة ليهيّىء لها الجرأة الكبيرة :

وبأكثر جرأة أسكب غيمة في نومها

وأصحو على وقع خطاها

أروّض الخلود في وجهك..................

وأغطّي ضفّتيك بالفواكه.........

 

محصّلة الجهد، جهد وسط الزحام، من أعماق النفس، ليتجلّى أمامنا هذا النص بكل حرفية واتقان، بجرأة، برمزيته الساكنة، المتوترة، الثائرة، الحالمة، والرافضة . الغيمة التي تسكبها وتستنهضها من نومها ومن سباتها العميق لتصحو على خطوتها،، ستتخطّاها،، ب (ترويض) الخلود، وما هو الا ما يبقى من هذا الظّل، برائحته، ولونه، بوجه حمل لها من أصناف الفاكهة ما لذّ وطاب، بكل مرارته وبكل فرحه . !

أحييك المبدعة ضحى بو ترعة لأن: صياغة اللغة بشكلها المغاير هنا يدعو للدهشة، بدلالات ورموز حين يبدو المكان حافيا والزمان منسيا فيتجرّد الجسد من ملابسه ليعرّي الاحساس من رداء ترهّل مع الوقت، لا يبدّد هذا الضياع الاّ لغة الشعر والابتكار والجرأة، والتحدّي، بأسلوب متجدّد في قاموس الشاعرة اللغوي، ما بين الواقع والحلم، وما بين اشتهاء جسد لعطر أنثى يحمل لونا وشكلا ورائحة فاكهة مشتهاة ...!

سيدة الحرف / الشاعرة ضحى بو ترعة هذه (الزفرات) التي عبثت بها يد الزمن ليست هواجس امرأة بل هي واقع الأنثى الشاعرة حين تتمرّد على المألوف ..!

 

(هيام قبلان)

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1229 الاحد 15/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم