أقلام حرة

الإنشقاق الشيعي.. حسابات المجلس والدعوة

وكان لموقفه الأثر الأبرز في حصوله على نسبة عالية من مقاعد الجمعية الوطنية.

لكن المرجع السيستاني ابدى بعد فترة وجيزة عدم رضاه عن أداء الإئتلاف، وصرح مكتبه والمقربون منه أنه يشعر بالامتعاض من مواقف النواب الذين إهتموا بمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية، وهذا ما دعاه ان يعلن وقوفه على الحياد في الإنتخابات البرلمانية عام 2005.

تشكل الإئتلاف العراقي الموحد في تجربته الثانية من الكتل الأساسية وهي حزب الدعوة بشقيه والمجلس الأعلى والتيار الصدري وحزب الفضيلة ومجموعة المستقلين. وهي تشكيلة بينها الكثير من التقاطعات والخلافات ابرزها:

ـ عداء قوامه المعارك والإقتتال الدموي بين التيار الصدري والمجلس الأعلى.

ـ خصومة تقليدية تستند لربع قرن من الزمن بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى.

ـ إختلاف بين التيار الصدري وحزب الفضيلة حول ظروف نشأة الأخير.

ـ حذر وشكوك بين الجميع وداخل كل دائرة.

لقد حصل الإئتلاف على النسبة الأكبر من مقاعد البرلمان، لكنه كان الكتلة الأضعف من بين المكونات النيابية الأخرى، ففي أهم المفاصل كان يظهر الخلاف بين أعضائه، بدءً من تشكيل الحكومة ووصولاً الى اللوائح القانونية، أما المواقف السياسية فكانت سجالاً علنياً يدين بعضهم بعضاً. فشهد تصدعات مستمرة منها إنفصال حزب الفضيلة، وصدام حاد بين التيار الصدري وحزب الدعوة على خلفية عملية صولة الفرسان، وأصبح واضحاً أن حكومة السيد المالكي تعاني من معارضة الإئتلاف بنفس درجة المعارضة التي تتلقاها من الكتل الأخرى.

في إنتخابات المحافظات في كانون الثاني عام 2009، تمزق الإئتلاف العراقي الموحد عملياً، فقد رفض المجلس التحالف مع حزب الدعوة، رغم كثرة المساعي التي بذلها في هذا الخصوص، وقد واجه زعماء المجلس الطلبات المتكررة برفض قاطع، بما في ذلك محاولات شخصية قام بها رئيس الوزراء السيد المالكي، لكن المجلس كان متشدداً في موقفه، وأصر على قائمة منفردة لا يشاركه فيها أحد.

خاض كل مكون من مكونات الإئتلاف الإنتخابات بشكل مستقل، مما يعني أنه لم يعد موجوداً، إنما هو مجرد واجهة لا حقيقة لها في الواقع السياسي.

كان المجلس الأعلى واثقاً من فوزه بأكبر عدد من مقاعد المحافظات، وحسب معلومات خاصة، فأن رئيس المجلس المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم، قال للمالكي: (ليعتمد كل طرف في هذه الانتخابات على جهوده الخاصة) في إشارة الى أن المجلس واثق من فوزه الكبير، وأنه يريد أن يبرهن للآخرين على قوته الجماهيرية. ويبدو أن ثقة المجلس العالية، قد اربكت قيادات حزب الدعوة التي أوجست خيفة من إنتخابات المحافظات، لا سيما وأن الانتخابات المحلية السابقة قد كشفت لهم عن نتائج في غاية التواضع مقابل نتيجة باهرة للمجلس.

جاءت الإنتخابات المحلية بحقائق فاجأت جميع الأطراف السياسية، واثبتت أن حزب الدعوة بقيادة المالكي، تحول الى قوة سياسية لا تضاهى، فلقد كان فوزه بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى في معظم المحافظات.

من المؤكد أن حزب الدعوة شعر بأن الخير فيما وقع، حين رفض المجلس دعوته، وأي حزب آخر لو كان مكانه فانه سيعيش نفس الشعور، فلقد عرف الحزب وزنه الجماهيري، وأدرك أن تقديره لقوته كانت أقل بكثير مما هي على الأرض.

بهذا الفوز الساحق والذي فاجأ الجميع، شعر خصوم المالكي، أنهم أمام تحول مفاجئ، وأن رئيس الوزراء الذي بدأ عهده عام 2006 محاطاً بالضعف نتيجة كثرة الأزمات والتحديات، والذي لجأ الى البحث عن تحالفات مع الكرد والمجلس الأعلى وتقديم طروحات عديدة مثل التحالف الرباعي ومجموعة 4 زائد واحد، من أجل تجاوز المخاطر التي يواجهها، أصبح اليوم يقف على قاعدة عريضة، وأن شعبيته من شأنها أن تعيده ثانية الى رئاسة الوزراء على رأس كتلة إنتخابية قوية في البرلمان. وقد دفعت هذه المخاوف خصومه الى التفكير بالعمل على إضعافه قبل أن يكمل دورته.

 

محاولة اسقاط الحكومة

طبقاً لمعلومات خاصة، فان خصوم المالكي تداولوا طوال خريف 2008 فكرة الإطاحة بحكومته عبر سحب الثقة عنها في البرلمان، فكانت هناك اتصالات ولقاءات سرية تتحرك بهذا الإتجاه.

تردد خصوم المالكي بين سحب الثقة من حكومته مباشرة، وبين التمهيد لها بعزل رئيس مجلس النواب الدكتور محمود المشهداني، وبعد مداولات إستقر الرأي على الخيار الثاني، وتم تنفيذه بالفعل حيث اضطر المشهداني الى تقديم استقالته في كانون الأول 2008، بعد أن وجد أن إقالته اصبحت أمراً محتوماً.

غير أن الذي حدث إثر ذلك، هو عدم تمكن الكتل السياسية من إختيار خليفة المشهداني، فقد طالت الحوارات والمفاوضات لعدة أشهر، قبل أن يفوز الدكتور اياد السامرائي في 19 نيسان 2009 برئاسة البرلمان.

وخلال تلك الفترة عارض نواب حزب الدعوة ترشيح السامرائي، ظناً بأنه يمتلك من القوة ما سيعرض رئيس الوزارء لإحراجات كبيرة، تصل الى سحب الثقة، في مقابل دعم نواب الكتل المعادية للسامرائي ومنهم المجلس الأعلى، بدافع نظرة التقييم لقوة السامرائي. لكن النتيجة جاءت خلاف التوقعات، فلم يثبت رئيس البرلمان الجديد انه الرجل القوي، لقد كانت سمعته قبل أن يرأس البرلمان أكبر بكثير مما كشفها أداؤه، وللمرة الثانية شعر حزب الدعوة أن الخير فيما وقع.

عندما باشر السامرائي مهامه، كانت حسابات الساحة قد تغيرت، فالمالكي قبل إنتخابات مجالس المحافظات، ليس هو المالكي بعدها، إنه اليوم يهيمن على أهم المحافظات في الوسط والجنوب. وهذا ما دعا خصومه الى التخلي عن فكرة إسقاط الحكومة، أو أنهم شعروا بأن ذلك أصبح غير ممكن.

الإستعداد للمستقبل

أطلق المالكي بعد فترة وجيزة من الإنتخابات المحلية، دعواه لتعديل الدستور وتحويل النظام السياسي في العراق الى رئاسي بدل البرلماني، بمعنى ان يصار الى إنتخابات مباشرة تحدد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بعيداً عن توافقات الكتل البرلمانية. وقد قوبلت هذه الدعوات بمعارضة شديدة من قبل التحالف الكردستاني وأعتبر ان تصريحات السيد نوري المالكي تعد تهديداً للمصلحة الكردية، ومحاولة لمصادرة المكاسب التي حققوها في السنوات الأخيرة. وهو ما زاد حدة التقاطع بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان، وبالتحديد بين المالكي والزعماء الكرد.

ويبدو أن المالكي الذي وجد أنه محاط بالتهديدات، إرتأى ان يحصن نفسه بدفاعات جذرية، وأن يتخلص من قيود التوافقات، فلجأ الى طرح التعديل الدستوري في شكل الرئاسة، ليجعل من قوته الشعبية هي التي تقول كلمتها، بدل أن يترك مستقبله في الحكم خاضعاً لرغبات الخصوم، أو تقلبات الاصدقاء.

صحيح أن فكرة سحب الثقة من الحكومة قد تلاشت، لكن آثارها تعاظمت عند المالكي شخصياً وعند حزب الدعوة، لقد أدرك أنه يجلس تحت خيمة الإئتلاف الواسعة مع فرقاء لهم ضربة موجعة، وأن تاريخاً من العداء التقليدي لا يمكن أن يذوب بعنوان عريض يحمل كلمة (إئتلاف) فالخصومة هي الخصومة، إنها العامل المحرك للمواقف لهؤلاء وأولئك.. قد تتوارى عن الانظار لفترة محدودة، نتيجة حسابات سياسية، لكنها تعود فتتأجج بأشد من قبل، وهذا ما حدث وسيبقى يحدث.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1233 الخميس 19/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم