أقلام حرة

الإنشقاق الشيعي.. قضية كبيرة بتفكير بسيط

فالإئتلاف الوطني أصر على ضرورة الإعلان عن التشكيلة الرسمية، مقابل إصرار حزب الدعوة على التأجيل، وقد استجاب قادة الإئتلاف له فأجلوا الموعد عدة مرات، حتى قرروا أن يكون الإعلان بشكل نهائي يوم 24 آب/ أغسطس 2009، وقد ظلت المفاوضات مستمرة حتى يوم الإعلان مع حزب الدعوة الذي أصر على مواقفه بالحصول على نسبة (النصف + واحد) من مجموع مقاعد الائتلاف.

كان الإئتلاف الوطني يريد أن يضع حزب الدعوة أمام الأمر الواقع، وقد ظن بعض مكوناته أن هذه الطريقة ستجبر حزب الدعوة على التراجع باعتبار أنه سيحرص على أن يكون موجوداً  ضمن التشكيلة يوم الإعلان الرسمي.

تستند هذه الطريقة الى تجربة طويلة من التنافس والصراع بين المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وقد مارسا هذه الطريقة دون ملل في مواقف كثيرة يصعب حصرها، فكان اذا اراد احدهما أن يقيم إحتفالاً جماهيرياً في طهران أو قم أو غيرهما، سارع خصمه الى الإعلان عن احتفال آخر قبل موعده بساعات. وإذا زار أحد الخصمين مسؤلاً كبيراً في ايران سارع الثاني لترتيب لقاء مع مسؤول كبير. واذا أرسل احدهما مجموعة من مقاتليه الى جبهات القتال في الحرب الطويلة بين ايران والعراق، جند الآخر مقاتليه ليتوجهوا على نحو السرعة الى الخطوط الأمامية. وكانت الجريدتان البارزتان (الجهاد= حزب الدعوة، و لواء الصدر= المجلس الأعلى) هما النطاق الرسمي لهذه المواقف المتنافسة.

وكان الطرفان المتنافسان حين تضطرهما أجواء العمل السياسي الى الاشتراك في مناسبة واحدة، يبرز الخلاف على الموعد، ثم يلجأ أحدهما الى التهديد بانه سيقيمها في الموعد الذي حدده، حتى لو كان منفرداً، فيتراجع الآخر في الدقائق الأخيرة لكي لا يفوت الفرصة وينحسر من الساحة.

قد تبدو الصورة ساخرة، لكنها حقيقة لها تاريخ يمتد لأكثر من عقدين من الزمن، وكان الذي يصنع القرارات والمواقف لكلا الطرفين، القيادات الأولى وليس كوادر الخط الثاني.

تغيرت الظروف تغيراً هائلا، تحول الطرفان من المعارضة الى الحكم، لكن نمط التفكير بقي يستمد نشاطه من تجربة الماضي. وعلى هذا فليس من المستبعد أن إصرار الإئتلاف الوطني على التمسك بموعد الإعلان كان منطلقاً من خلفية الماضي ذات الأثر الناجح.

حزب الدعوة تعامل ايضا على هذا الاساس، فتمسك بموقفه الرافض مصراً على شروطه، لكنه لم يكتف بذلك، فطبقاً للآليات التاريخية للتنافس، لجأ الى تضخيم حجم المنضويين تحت لواء دولة القانون، فكان قادته يكررون الحديث عن خمسين وستين كياناً سيتم الإعلان عنهم قريباً. رقم كبير من شأنه أن يربك الآخرين، وان يجعلهم يتراجعون عن رفضهم لشروطه، لكن ذلك لم يحدث.. يبدو أن خصومه أيضاً ادركوا القصد فتمسكوا بموقفهم.

إسلوب آخر يأتي في هذا السياق، أي إعتماد آليات بسيطة في قضية كبيرة، فقد راهن كل طرف على عامل الوقت وعنصر الصبر، كان الإئتلاف الوطني يعتقد أن حزب الدعوة لن يستمر في موقفه، وانه سيتراجع في اللحظة الأخيرة، وعليه يجب أن يتمسكوا بمواقفهم فما النصر إلا صبر ساعة.. في المقابل كان حزب الدعوة يعتقد أن المضي باتجاه الانشقاق سيجبر شركائه الخصوم على التراجع عن تشددهم، وسيرضخون لشروطه في آخر لحظة، وعليه ان يظهر قوة الأعصاب واللامبالاة فما النصر إلا صبر ساعة.

حانت ساعة الصفر وكل طرف ينتظر الآخر، لكنها مضت على الطرفين، فلم يظفرا بالنصر.

لقد تعامل كل طرف مع قضية كبيرة لها انعكاساتها العميقة على مستقبل البرلمان والعملية السياسية وهوية السلطة، بمستوى بسيط من التفكير، لا يتناسب على الإطلاق مع ساحة مفرطة الحساسية، متناهية في التعقيد مثل العراق.

في حديث مع سياسي كبير، قال أن الخلاف لن يستمر وان الإندماج لا بد أن يحدث، وما يجري هو مجرد محاولة لكسب الوقت، بانتظار ان يتراجع الطرف الآخر، وأن الاندماج سيكون في الساعات الأخيرة. واضافة الى هذا الكلام، فقد ابدى عدد من السياسيين ينتمون الى الإئتلافين في أحاديث خاصة أن المشكلة لا بد من حلها، وان من غير الممكن التفريط بوحدة الإئتلاف.

كان ذلك هو المتوقع من كبار القادة السياسيين بانتماءاتهم الإسلامية، ومعارضتهم الشرسة لنظام صدام، وتشردهم الطويل في ساحات المهجر. خصوصاً وأنهم أطلقوا تصريحات لا تقبل الشك بأن الإئتلاف واحد لا ينشطر الى إثنين، فالمالكي وصفه بأنه (سفينة النجاة) وتعبير مثل هذا يعني التمسك به الى النهاية.

المواطن العادي وخصوصاً في الوسط والجنوب كان يرقب ما تؤول اليه المفاوضات بين الطرفين، يمني نفسه بعدم حدوث الانشقاق، لأن ذلك يعني تشتت الأصوات وضياعها، وأن الائتلاف رغم كل الملاحظات الموجودة عليه، سيفقد مكانته في البرلمان كأكبر كتلة برلمانية، فذلك لا يحتاج الى جهود نظرية واستبيانات ميدانية للخروج بهذه الحقيقة. وقد واجه الطرفان حرجاً شديداً من نظرة المواطن المتطايرة عتباً وأسفاً على قياداته السياسية، لذلك حاول كل منهما تبرير موقفه، وإظهار نفسه بمظهر الطرف الإيجابي الحريص على الوحدة، لكن الواقع يتكلم بلهجة أخرى، يفصح عما في الصدور، فتظهر الكلمات تنذر بالتقاطع والخصومة والليالي الحالكة بين الطرفين.

لأكثر من عشرين سنة كان المجلس الأعلى وحزب الدعوة يرددان عبارات متشابهة عن ضرورة التنسيق والوحدة، عن أهمية الحفاظ على وحدة الصف في مواجهة التحديات، عن وجوب إعتماد المشتركات الكثيرة وترك نقاط الخلاف.. لكن النتيجة كانت خصومة حادة، إتهامات متبادلة على مدار أيام الاسبوع، تثقيف الصغار على الحذر من هذا وذاك، فنشأ جيل في دائرة المجلس الأعلى يبغض الدعوة ولا يعرف السبب.. وظهر جيل في دائرة حزب الدعوة يكره المجلس الأعلى ولا يدري لماذا.. ظاهرة مرة مؤلمة، يضطر الطرفان لإخفائها، وفي أغلب الأحيان تكذيبها، لأنها إدانة.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1241 الاحد 29/11/2009)

 

في المثقف اليوم