أقلام حرة

الإستنقاع الديمقراطي!!

الديمقراطية من المفروض أن تطلق الطاقات وتترجم القدرات في واقع الحياة، لأنها توفر الحرية اللازمة لتصنيع الأفكار وتطويرها وتحويلها إلى مشاريع حضارية صالحة للبلاد والعباد، لكنها في مجتمعاتنا فعلت العكس تماما، لأنها تسببت في دحر الطاقات والقدرات وتعفنها وتأسنها وتكاثر الآفات فيها.

فالديمقراطية أسهمت في التكشير عن أنياب التطرف الشرس الفتاك، وحولت البلدان إلى ثكنات عسكرية متقاتلة، وصيرورات سلبية متعادية، حتى ضجت الموجودات منها وما جلبته من السيئات والتصورات الجائرة المدمرة للحياة.

الديمقراطية قتلت من الشعوب في بضعة سنوات أضعاف ما قتلته الأنظمة المستبدة في عقود عديدة، وكأنها لم تكن هدفا إنسانيا معاصرا وإنما عدوانيا على الذات والموضوع.

ففي عصر الديمقراطيات الخلاقة وجدتنا أمام تفاعلات التشظي والإندحار والتناحر والخروج من أوعية الأخوّة والألفة والرحمة، إلى مستنقعات السلوكيات الغابية الملونة بالدين، والتي حولت البلاد إلى خراب وشردت العباد.

ديمقراطية سوداء حزينة ظلماء، لم تنجز شيئا صالحا للإنسان، وإنما فتحت بوابات الجحيم في كل مكان، وصارت تتعمم بالطائفية والعنصرية والتحزبية والمناطقية والعشائرية، وكأنها نقلت الناس إلى عصور ما قبل التأريخ، وحوّلتهم إلى سبايا وعبيد في دواوين الإستئثار بالسلطات.

ووفقا لإرادة هذه الديمقراطيات العجيبة المستوردة تحول الفساد إلى عقيدة ومذهب ودين، وتم نهب ثروات البلدان وتشريد أهلها، ومصادرة حقوقهم، وحرمانهم من أبسط الخدمات الضرورية للحياة اللائقة بالبشر في أي مكان آخر.

ديمرقراطية الجهل والإنحرافات وتصفية الحسابات والتفاعلات اللاسيادية، التي أستبيحت بها هوية الوطن والتأريخ، وتفجرت في دروبها براكين الويلات والتداعيات الأليمة الأثيمة، التي أوجدت متواليات خسرانية ذات نتائج خطيرة في الحاضر والمستقبل.

ومن الواضح أن العيب ليس بفكرة الديمقراطية ومناهجها، وإنما العيب فينا أجمعين، فنفوسنا تعادي الديمقراطية، وكذلك أفكارنا وأضاليلنا، وجنوننا الذي يملي علينا أوهاما تخدعنا وتستعبدنا، فنحسب أننا ندري ونمتلك لب الحقيقة والمطلق، وغيرنا من الأعداء الذين لا يستحقون الحياة، بينما خلاصة الديمقراطية تتركز في آليات العيش المشترك، وكيف يكون الناس معا وسوية في طريق تحقيق المصالح المشتركة والسعادة الوطنية الشاملة.

فهل سنعي المستنقع الذي تداعينا فيه، وهل سنتمكن من رفده بالمياه الجارية لكي تتطهر القلوب والنفوس والعقول، وترى البصائر جوهر الإرادة الوطنية الجامعة؟!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم