أقلام حرة

شخصية عام 2014

hamid taoulostجرت العادة أنه كلما شارف عام قديم على نهايته، واقترب موعد حلول عام جديد، إلا وطلعت علينا وسائل الإعلام الورقية بصحفها ومجلاتها على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، وفاجأتنا المواقع الإلكترونية بكل أنواعها وأشكالها وحمولاتها، بما يصطلح على تسميته بـ "شخصية العام" الذي يختارها قراؤها ومتتبعيها، لتكون نموذج العام المنتهي عمره، بما حظيت خلاله من مميزات خولت له ذلك، وتبعا لنفس التقليد، قررت كمدير لجريدتَيْ "منتدة سايس" الورقية وإلكترونية، أن أدلي بدلوي في هذا التقليد الإعلامي، وأقترح بدوري بعضاً ممن أرى أنهم يتميزون بمواصفات خاصة تمكنهم من نيل شرف صفة أفضل شخصية السنة المنصرمة .. فاخترت لذلك أن أبدأ بدائرتي الاجتماعية، واستفسر عينة من أهلي وأصدقائي المقربين، وأسأل بعضا من جيراني، واستجوبت ثلة من رواد المقهى التي اعتدت ارتيادها، ودون أن أنسى استطلاع رأي المارة الذين صادفتهم على عجالة خلال تجوالي في شوارع المدينة وأسواقها..

فكم كانت دهشتي كبيرة لاستجابة غالبية المستجوبين، واتفاقهم على نفس الشخصية التي لم يجد طاقم الجريدة -بعد الكثير من البحث والتحليل – أجسن ولا أفضل منها لتحظى بتلك الصفة، والتي لم تكن إلا ذلك الكائن الرقيق "المرأة"، وذلك تكريما لها على ما عاشته من قهر وبطش مارسه عليها الرجال، تارة تعويضاً للقهر الاقتصادي والاجتماعي الممارس عليهم، وتارة بسم الله الذي كرمها قرونا قبل بدعة هذا النوع من التكريم ، إن كان ذلك فعلا تكريما، ولم يكن، كما يقول المصريون "تقليب مواجع" أو تذكيرا لها بما عانته مند قرون مع سخرية واحتقار العالمين العربي والإسلامي، الذين اعتبرها فيهما، ولازال بعض رجال الدين -الذين تخلوا عن أدوارهم، وفقدوا قوامتهم، وتحولوا إلى مسوخ تعيشون على هامش الحياة -"جوهرة مكنونة"، لكنهم عاملوها "دمية مجنونة" جاءت من ضلع اعوج، حاملة على منكبيها عقلاً ناقصاً وإرادة محكومة بالعواطف، ما جعل منها عند غالبيتهم، نصف عقل ونصف قدرة ونصف إنسان وناقصة دين، تستباح كرامتها بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، كتلك التي تتهم فيها بجريمة إخراجت سيدنا آدم من الجنة حسب ما ذكر في كتب الإنجيل، ويُعتدى على خصوصيتها بشتى الأعذار اللامنطقية، كغوايتها الرجال أصحاب العقول الكاملة وتحرضهم على ارتكاب المعاصي والذنوب، ويُنتقص من حريتها بأدلة لا يقرها لا قانون ولا أعراف، فهي تارة متبرجة، وأخرى ناشز، وثالثة مستهترة، ورابعة سيئة الخلق وركيكة العقل، وخامسة خارجة عن التقاليد والأخلاق، وهي في الاتجاه الأعم، والمفهوم الأشمل لدى المجتمع الذكوري، عورة متحركة، ودنس نابض، وغواية بلا نهاية، ورغبة بلا رهبة، وكيد عظيم، وشر فاش، ولعن كثير، وكفرة بين بالعشير، أي الزوج.

وتبقى المصيبة الكبرى عند قراصنة الدين المتأسلمين -الذين هبطوا من كهوفهم لاغتيالها مع سبق والإصرار والترصد، بفاهمهم المغلوطة عن الإسلام – إصرارهم القاطع على تطبيق كل ما ينتقل بها من مرتبتها الإنسانية ومكانتها الآدمية إلى أخرى دنيئة مساوية للدواب أو أقل منها أحياناً، كتلك التي تتهمها كتب التراث، والأحاديث المكذوبة، بالفتنة : "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء "، أو تلك التي تقرنها بالحيوان والجماد في الشؤم : "إذا كان الشؤم في شيء؛ ففي الفرس والمرأة والمسكن"، وتجعلها من مبطلات الصلاة :"يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب"، وأغرب الافتراءات التي يستظل بظلها المتخلفون للنيل من سمعها، رغم تكريم الله ورسوله لها، إيمانهم بأنها من أكثر أهل النار يوم القيامة، ويستندون على دلك بحديث ابن عباس "ورأيت النار فلم ار منظراً كاليوم قط ورأيت اكثر أهلها النساء، قالوا بم يارسول الله ؟ قال بكفرهن، قيل أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك ما تكره قالت : ما رأيت منك خيراً قط"،

وأختم بما يتخذونه ذريعة لحرمانها من مشاركة الرجل في الولايات العامة والعمل بالقضاء والسياسة في قولهم : "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ..

إنها نظرة متخلفة والبعيدة عن منهج الإسلام،لهذا الكائن العطيم الذي يصنع الرجال كما يزرع الحبق والسوسان على سطح المنازل، ويبث الحب والسلام والطمأنينة في نفوس المحيطين به من الأزواج والأبناء والأحباب والعشيرة، تدفعنا وتحفزنا لمنحه ما يستحق من مراتب الشرف والتكريم، وأقلها لقب "شخصية العام" الذي ليس إلا تكريما معنويا بسيطا في حقه، لأنها شخصية تستحق أن تصنع لها التماثيل الذهبية بدل الاكتفاء بجعله شخصية سنة ماتت ..

في المثقف اليوم