أقلام حرة

ما أبشع طعم الديمقراطية (2)

hamid taoulostتابعت قبل أيام - كما كل المهتمين بالشأن السياسي المغربي - بكثير من مشاعر الأسف والحسرة والغيظ والحنق، مما اعترى الخطاب السياسي المغربي من إسفاف وابتذال وميوعة وسفاهة وتفاهة، توجها الهجوم الضاري الذي شنه رئيس الحكومة ضد المعارضة، وأقبح ما عرفته أزمان السياسة الرديئة، من عبارات السب والشتم التي يندى لها الجبين، والتي تسبب في الفوضى العارمة التي عاشها نواب الأمة، ممثلو السلطتين التنفيذية والتشريعية، تحت قبة البرلمان، والتي وانتشرت كالنار في الهشيم على شاشات التلفزيونات الوطنية والدولية، واكتسحت أروقة مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا يمر يوم إلا وتسمعنا ما يلوث آذاننا، ويشوش مزاجنا المغربي -الذي تربى على الكلمة الحلوة والنغمة الآسرة والنظرة العطوفة والقلب الصافي من كل الضغائن- بأخبار فضائح حكومتنا الإسلامية التي ظنها الإنسان المغربي، لطيبته، المخرج من أزماته، فإذا به يفاجأ بها توقعه في أزمات أشد وقعا على النفس مما عرفه مع غيرها، وتوهم، لسذاجته، أن الديمقراطية والحرية قد أتيا معها ولا مجال للاستبداد والظلم والدكتاتورية في ظلها، ولم يتوقع قط أن يأتيه البأس والظلم من وراء نوع الديمقراطية وشكل الحرية التي تؤمن بها حكومته التي تظن أنها وحدها صاحبة الحقيقة وأن كل من خالفها فهو مخطئ. صحيح أن الحياة الخاصة للأفراد لا تعنينا، ولسنا مجبرين على تصحيح تفكير الآخرين، ولكن نحن مضطرين إلى مراعاة حجم عقولهم، أيا كان وضعهم الاجتماعي أو المهني أو السياسي، ما لم يكن لهم تأثير على الذوق العام، أو ارتباط بالشأن السياسي ومجال التسيير، فالشخصيات العامة والمسؤولة مباشرة عن تسيير الدولة وقطاعاتها الحكومية تكون كل تصرفاتها تحت المجهر، خاصة إذا كانت تلك الشخصيات العامة ممن كان المغاربة يأملون فيها خيرا، فتحولت فجأة هي الأخرى، إلى انتهازيين، لا يهمهم ما صل إليه حال الوطن والمواطن من شقاء تعدى كل حدود تحمل أصبر إنسان، وصار أذاهم اليوم على ألسنة الناس، وتناقلته كل وسائل الاتصال على صفحات التويتر والفيس بوك والانستغرام، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتناوله آلاف المعلقين والباحثين عن النواقص والرذائل المثيرة للضجيج والفتة، المادي والمعنوي منها، كتلك التصريحات المهينة للمغاربة، والقاتلة للحياء، والمدمرة للأخلاق والفضيلة، والقاضية على كل المعاني الجميلة، الواردة في مقطع فيدو وزير في الحكومة الموقرة، والتي تفضح بالمكشوف، لعبة المصالح أقوى من كل ما نسمعه ونشهده في الإعلام من مفبركات وبيانات وخطابات وعنتريات فماموية بعيدة عن الوطنية التي ليست أقوالا ومهاترات وإنما هي أفعال تؤتى، ومواقف تسجل.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول مع الأستاذ نجيب محفوظ "إن لم ينقرض الجهل من بلدنا، فسيأتي السياح ليتفرجوا علينا بدل الآثار".

حميد طولست

في المثقف اليوم