أقلام حرة

القيادة ممارسة وليست خطابات سياسية بذيئة جوفاء!!

hamid taoulostمن التجارب الناجحة للحكومة المغربية، والتي لا يمكن لأي كان أن ينكرها أو يشكك فيها، أنها استطاعت، وفي مشهد مضحك مبك، برئاسة السيد بنكيران أن تستحدث خطابا سياسيا جديدا، لم يكن معروفا من قبل عند غيرها من الحكومات، ولم تتداوله الطبقة السياسية في مزاولتها لعملها السياسي إلا لماما، خطاب بمصطلحات وعبارات رنانة مستقاة من لغة الشوارع وقواميسها اللاأخلاقية والقابلة لكل التأويلات المشينة، التي لا تليق لا بالمنصب ولا بالمقام الذي تُفُوِهَ به فيه وأثنائه، والتي كان من بين أشهرها عبارة "ديالى كبير عليك"، وأخيرها، وليس آخرها،"والله ما نحط تررم ...في ذاك" وغيرها من العبارات "الزنقاوية " الكثيرة، التي أبى السيد بنكيران، منذ توليه مسؤولية التدبير الحكومي إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2011، إلا أن يشنف بها آذان المغاربة الذين يقابلون مجملها بالاستهزاء والسخرية والتنكيت لبذاءتها وانحطاطها الذي لا يطاق، كما حاء في وصف العلامة أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة "التوحيد والإصلاح" : "أن الخطاب السياسي والحزبي بالمغرب "بذيئ ومنحط ولا يطاق ".

الأمر الذي يطرح أسئلة حقيقية حول خلفيات هذا الخطاب البذيء والمنحط، وحول طبيعة مرجعياته، وحول سبب الإصرار على تبنيه والتمسك به وتطويره وتصعيده في سياق تجاذبات العمل السياسي، كما أشار إلى ذلك الريسوني، في مقال له على موقعه الرسمي: " إن السياسيين بالمغرب وخاصة منهم رؤوسَ الأحزاب ووجهاءَها مصرون على التمسك بهذا الخطاب البذيء المنحط، بل يسيرون به من سيئ إلى أسوأ"، رغم سطحية ذلك الخطاب عدميته وقلة جدواه ونفعه، كما جاء في رسالة الأستاذ عصيد الموجهة إلى رئيس الحكومة : "إن الشعوبية السطحية لا تنفع في السياسات الكبرى، وإن كانت تحقق بعض المتعة الخادعة والمؤقتة، لأن الذين يصفقون للتصريحات الخرقاء، سرعان ما ينقلبون على صاحبها بمجرد معرفتهم باتجاه الرياح ... وأن إقبال الصحف على تصريحات الزعماء الغوغائيين، علاوة على أنه يتمّ من باب الإثارة والرغبة في إمتاع القراء وإتحافهم بما هو شاذ أو غرائبي "

فإذا حلل الواحد منا بعض من ذلك الخطاب السياسي النتشر عبر وسائل الإعلام، وبعض مما يدور من أحاديث واهتمامات وطرق الطرح وأساليب الحديث، بين المسؤولي الكبار في المجالس واللقاءات والندوات الرسمية وغير الرسمية، التي يصرف عليها ببذخ من جيوب "المزاليط" ، فإن آماله ستخيب لدرجة كبيرة جداً أمام اكتشافه أن معظم تلك الجلسات تعتمد في غالبيتها على الشكل والمظهر، وأن جوهر وعمق معظم ما يدور فيها، هي من مواضيع مكرورة ومفلسة وعقيمة وسطحية ومصابة بآفة النيل من الآخرين والحديث عنهم وعن شؤون حياتهم الخاصة، وببساطة متناهية هي مواضيع ولا تهم المواطن في حياته، ولا ترجى منها فائدة، اللهم تلك النتيجة السقيمة المتحصلة من استراتيسجية الإلهاء، وتحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغيرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، العنصر الأساسي في التحكم في المجتمعات كما قال "نعوم تشومسكي "والتي تتم عبر ذلك الوابل المتواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة، التي تتخذها الأغلبية الحكومية بموازاة سلوكياتها السياسية، عبر خطابها السياسي الجديد، بلغة مصطنعة، لمسرحية سياسة عبثية، من أجل الهروب من مواجهة العواصف السياسية، وتغطية مواقف العجز والتردد التي تطبع عمل سياسي "العدالة والتنمية"، الذين يروجون لفكرة "الدولة العميقة" والعفاريت والتماسيح، ويحملونها سبب فشل برنامجهم، وإحباط مخططاتهم ، وابتلاع دواليب الدولة والمجتمع، الفرية التي يصارعون من أجلها الجميع، بلا عقل وبلا حكمة، ويعملون باستمرار وبدون توقف، على شل حركة الخصوم والسيطرة عليهم والهيمنة الكاملة، لرغبتهم في إظهار قدرتهم على المصارعة، أمام مؤيديهم ومشجعيهم، والظهور بمظهر الأبطال الذين لا يقهرون، وتصوير غيرهم من الشركاء السياسيين بصورة الجبناء والضعفاء والمهزومين ..

فأين نحن اليوم من الكلام الجميل، المثلج للصدور والناثر للغبطة والحبـور، الذي عودنا عليه مسؤولو وقادة أيام زمان، الذين نحييهم ونرفع لهم قبعاتنا احتراما لمناصبهم ، وتقديرهم لحجم مسؤولياتهم، وعلى ما كانوا يملكون من خبرات وقدرات مادية ومعنوية ومعرفية، يوظفونها لخدمة الصالح العام وخدمة من حوله من الناس الذين يتوسمون فيهم الخير ويتوخون فيه التضحية من أجلهم حتى لو كانت سعادة من حولهم على حساب وقتهم وجهدهم ومالهم .

 

حميد طولست

في المثقف اليوم