أقلام حرة

ما أبشع طعم الديمقراطية في بلادنا المغرب (3)

hamid taoulostوزراء لا عهد لعائلاتهم بالمناصب المرموقة:

تتطلع جل الأمم والشعوب عبر مختلف العصور إلى حكومات مسؤولة بوزراء أهل للحكم، يملكون الحنكة والكفاءة ومميزات الريادة وصفات القيادة القادرة على تمثيلهم وتمثيل قيمهم التاريخية وأرصدتهم الحضارية في كل تصرفاتهم، وترجمتها إلى ممارسات وقرارات وقوانين وتشريعات تحافظ على تلك القيم والأرصدة وتغنيها وتوسع من دائرة إشعاعها . وقد سارت أمم وشعوب عصرنا الحاضرِ على نفس النهج في تطلعها إلى القيادات الحكيمة، والزعامات الرزينة، والكبراء المتنورين، الذين يصونون هيبتها، ويحافظوا على مكانتها وتلميع صورتها بالداخل و بين الدول في الخارج، ويسوقون صورتها، ويكرسونها في أذهان الشعوب الأخرى، على اعتبار أنهم مرايا عاكسة لتلك الأوطان دولا وشعوبا وحضارات،التي تُنسب -دولا وشعوبا وحضارات - لقادتها وزعمائها، وتستمَدُّ منهم هيبتها واحترامها، وربما حتى جبروتها الذي تفرضه الكثير من البلدان والأنظمة من خلال زعاماتها وقادتها وصنّاع القرار السياسي بها. مناسبة هذا القول هو أن الشعب المغربي لم تحد هو الآخر عن هذا المنحى الذي سارت عليه الأمم والشعوب، وتطلع إلى حكومات ووزراء يصلون إلى مقاليد الحكم عن طريق الديمقراطيّة بمعناها الأوسع والحق الذي تتجلى فيه ثقافة وأخلاق ومفاهيم تداول السلطة سلميا وبصورة دورية، وقد تم له ذلك بنسبة كبيرة مع دستور 2011 الذي مكن بعض الأشخاص المغمورين من الاستوزار، حيت وصل إلى منصب الوزير عدد من الذين لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب-كما يقال- ولا عهد لعائلاتهم بالمناصب المرموقة، وزراء من عائلات بسيطة ومتواضعة وفقيرة أحيانا، عاش بعضهم في خصاص تام، وذاق لسعات الفقر وضائقة الحرمان . جلهم من أبناء الشعب قضوا جزء من حياتهم في البوادي والمداشر البعيدة، وفي الأحياء الشعبية الهامشية الفقيرة، ودرسوا في المدارس العمومية، وكافحوا من أجل شهادات جامعية تؤمن لهم وظائف محترمة…

شيء جميل ومشرف وليس فيه ما يخجل، بل هو المسار الصحيح الذي يُفتخر به ويُعتز كنظام يطبق الديمقراطية الحقة لكسر قاعدة هيمنت العائلات المعروفة والنافذة في تصدر لوائح الإستوزار ومجمل المناصب الكبرى والمرموقة في البلاد، وتقلب الأمور وتغيرها، ويصبح -منذ تسعينات القرن الماضي- متاحا أكثر لغير المنحدرين من العائلات الميسورة والأوساط الثرية، من "أولاد الشعب" كما يسميهم البعض، أن يدخلوا عوالم الوزارات والشهرة .. كما هو حال عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، ومحمد مبديع الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، ولحسن حداد وزير السياحة، وشرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة الجديدة المكلفة بالماء، وأوزين وزير الشباب والرياضة السابق قبل أن يقال من منصبه ..

لكن وجه الغرابة والإثارة أن جل هؤلاء الوزراء الجدد إن لم يكن كلهم أتوا بما لم يأتي به الأوائل، بعد أن تغير واقع أحوال بعضهم المادية، ومناصبهم الاجتماعية، وقدموا للشعب المغربي ما لم يكن ينتظرهم منهم، من حكايات مختلفة شغلوه بها، من قصص شكلاطية ومغامرات عاطفية، وسلوكات زنقاوية وتهور كلامي محتقر لآدمية المغاربة ومستهتر بالمسؤولية وبالأمانة،، ميعت المنصب السامي للوزير .

ــــــ إن واقع التشكيلة الجديدة للوزراء، بتركيبتها وأيديولوجيتها وأسلوبها ومبادئها ومنهجها وفكرها وطريقة أدائها التي لم ترتق إلى مستوى تحقيق مطالب الإنسان المغربي والاستجابة لانتظاراته، والتي لم تستطع أن تقدم الحلول المناسبة لمشكلاته، وتحقق له الرفاه والرخاء في حياته وتأمن له المستقبل وتغير واقعه المعاش إلى ما هو أفضل، دفع بالكثير من المتتبعين للشأن السياسي، لطرح أسئلة كثيرة حول أهلية هؤلاء الوزراء الجدد، وهم أهل للحكم والتسيير ويملكِون صفات القادة والقيادة، وهل لديهم حَميِّةٌ وغيرةٌ على هذا الوطن ومواطنيه ؟

والتساؤل عما يشغل بالهم ويحتل مركز أنشطتهم واهتمامهم، أهو الشأن العام ومصير الشعب ومستقبله أم هة الشأن الخاص والميول العاطفية والبطنية ؟ وهل المنصب الحكومي مسؤولية من أجل خدمة الشعب والعمل على وتلبية حاجاته الأساسية ورغباته وآماله وطموحاته، أم هو من أجل ....؟

وأختم مقالي بالتساؤل التالي : هل هؤلاء الوزراء في نفس مستوى الوزراء المنحدرين من العائلات الميسورة والأوساط الثرية ؟.. لاشك أن المشكلة ليس في الأشخاص الذين يحكمون، بل في المجتمع الذي جاؤوا منه، أو في الديمقراطية التي جاءت بهم ؟؟

 

حمد طولست

 

في المثقف اليوم