أقلام حرة

ماذا يعلمنا كاظم الموظف الأقل راتبا في دائرتنا؟

zaheed albayatiكاظم .. انسان طيب .. موظف بسيط .. هو الأقل راتبا في الدائرة التي أعمل فيها رغم أنه يعتبر الأكثر حظا بمحبة المنتسبين واحترامهم له..

قبل أيام فقط علمت بخبر أسرني وأسعدني كثيرا عن كاظم حينما سألني عن انواع الحاسبات واللابتوبات وعن اسعارها ؟ فعرفت بأنه يسعى لشراء حاسبة لابنتيه فاستفسرت منه عن عمريهما ومستواهما الدراسي ..

- أجابني كاظم: عمريهما عشر سنوات وفي الصف الرابع الابتدائي ..

- سألته: ما شاء الله هل هن توأم؟

- قال: كلا

- سألته بدهشة: كيف؟

- قطع على واستغرابي وقال: واحدة ابنتي والاخرى يتيمة الأب والام وانا توليت كفالتها

- متى ولماذا وكيف واين لماذا لم تخبرني بذلك؟

- قلة نادرة يعلمون ذلك .. انا اتخذت قراري منذ نحو عشر سنوات حينما نجت هذه الطفلة (وهي من أقاربي) من حادث تفجير ارهابي بمفخخة استشهد فيه والديها ..

- وزوجتك كيف تقبلت الأمر .. زما كان رد فعلها؟

- تقبلت الفكرة على الفور بأن تكون الطفلة مريم اخت توأم لابنتنا والفرق بين عمريهما بضعة اشهر فقط واستقبلتها بكل رحابة صدر وأحاطتها بحنانها ورأفتها ..

- وكيف تتعامل معها بعد تجربة عشر سنوات؟ الا تفرق بين هذه وتلك؟

- أبدا وانما تلبس وتوكل وتشرب الاخرى قبل الاولى محبة ربانية يا سبحان الله..

يا لحظك يا كاظم ..كم انت نبيل .. كم انت انسان ناصع ورائع وراقي ..

تيقنت بأن الكرم والعطاء لا يرتبطان بالغنى او الفقر وانما الغنى غنى النفس فعلا ولا يمكن للعطاء أن يأتي من فراغ .. ولا يمكن ان ينبع الحب من الجفاء وانما من القلوب الطيبة .. ولا يمكن للتكافل الاجتماعي ان ينمو الا في العقول النيرة التي تؤمن بأن الإنسان هو عون لأخيه الإنسان في واقع مرير كواقعنا في العراق الذي تعصف به موجات الموت العاتية اكثر مما كانت تخلفه اوبئة الطاعون والكوليرا من شهداء المفخخات والجبهات المشتعلة ..ضحايا وايتام وارامل ومهجرون بالملايين يواجهون الحياة الصعبة المليئة بالمتاعب والتحديات ...

كاظم الانسان العراقي البسيط الذي يسكن في حي شعبي بكفالته لهذه اليتيمة بصمت وهدوء وكتمان الذي استطاع الارتقاء بالعلاقة مع اليتيم من الجانب المادي الى الجانب المعنوي الابوي والروحي وارى بأنه يرسل بعمله الانساني الينا والى كل انسان رسائل عديدة منها :

- خطاب حب وعطاء لأخيه الانسان العراقي بأن الدنيا بخير رغم تخريب المخربين.

- ينشر أريجاً وعبقاً فواحاً ليخفف بها عن آهات وأنات الأيتام بالاتجاه المعاكس لما يقوم

به الارهاب وداعش وغيرها من قتل وتدمير وخراب .

- يعلمنا بأن كل منا بإمكانه تكفل اليتيم او اعانة الآخرين مهما كانت ميزانيته محدودة.

- رسالة تشجيع الى كل ما تفيض به النفوس الطيبة والخيّرة من عطاءات للاقدام

على الخير والمشاركة في مسيرة الخير والعطاء.

- تجربة حية عن معنى ان تكون انسانا وسندا ومعينا ومشاركا حياة الايتام الذين حرموا من حنان الأب وحضن الام .

ونختم قصة كاظم بحديث شريف ينقله أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عن الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليهما: (أنا وكافل اليتيم في الجنة ...)

وفي حديث آخر: (من عال يتيماً حتّى يستغني، أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة ... )

في المثقف اليوم