أقلام حرة

رحيل نقابي متميز .. وداعاً "با التهامي لعسل"

hamid taoulostعدت قبيل حلول رمضان، لمدينة فاس، التي يهواها الفؤاد، ويعز القلب أهلها الكرام، وكلي شوق عارم لرؤية بعضا ممن أعز من الأحباب، وأجل من الأصدقاء، وأقدر من الزملاء، وأحترم من المعارف، و تغمرني رغبة استعادة ما عشت معهم من ذكريات سعيدة، وما أكثرها.. وخاصة منها تلك التي تقاسمت فرحها مع رفاق درب النضال النقابي،الذي لازالت ذاكرتي المتخمة بصور لمناضليه القدامى، وتزدحم بذكريات جميلة ورائعة لأيام النضال الخوالي، حيث كانت الاحتجاجات مستعرة وفي أوج اشتعالها على امتداد ربوع المملكة، وعلى رأسهم جميعهم المناضل الفذ - الذي لم أره مند زمن، ليس لتقصير أو إهمال مني، ولكن لظروف فوق طاقتي - الذي جمعتني به مسيرة ربع قرن من ذكريات العمل النقابي - الذي تربطه بأهله علاقة أخوة وصداقة، وله فيها رصيد كبير من الوفاء والتضحية، والنشاطات والإسهامات، تشهد له بأصالة النضال وسعة أفقه ودقته، وغزارة الثقافة النقابية، والتمكن من أدواتها ولغتها "الحوار" الذي تميز به وغدا علما فيه، حيث كان من بين النقابيين القلائل الذين كانوا يجرؤون على مناقشة القرارات، والاعتراض عليها، وطرح المقترحات الصالحة للمهنة، والتي كان يعرف مسبقاً أنها لا ترضي السلطة، بل وتغضبها، في الوقت الذي كان فيه الآخرون يبصمون بالعشرة –كما يقال- على كل ما يقوله المخزن، ويصفقون لكل خطوة يتخذها، رغم خطأها أو ضررها على مهنتهم، وذلك خوفاً أو تملقاً أو في مقابل شيء ما ؟..

لقد كان يوما أغبرا، يوما بلا عنوان، بلا ملامح، بلا نور، وبلا ضياء، سقط فيه آمال، وتكسرت فيه الأماني ..يوم علمت بنبأ رحيل "با التهامي لعسل "، رحيل أبكى القلوب قبل العيون، وخفق له الجنان، واهتز له الوجدان، واقشعرت له الأبدان، رحيل اختزل أعواما طوالا من كرم الأخلاق، ونبل السجايا، وحميد خصال الود والإخاء، والصدق والعطاء، والإخلاص والوفاء في أعلى درجاتها..

وإنها سنة الله في خلقه أن يرحل المبدعون عن أسرهم وأهاليهم وأصدقائهم، كباقي البشر، لكنهم لا يرحلون عن محبيهم وجماهيرهم على مر الأجيال، ويبقون كروائح طمي الأنهار ونسائم البوادي والواحات، بما تركوا من مناقب كرم أخلاقه، ونبل السجايا، وحميد الخصال التي أهلتهم للتربع على سويداء الأفئدة مع صفوة الأحباب والأصدقاء الحقيقيين الذين، يصعب تركهم، ويستحيل نسيانهم، وتبقى مناقبهم منارة لمعارفهم وأصدقاءهم الذين لن ينسوهم ما امتدت بهم الحياة، ويبقى رسمهم محفورًا بالذاكرة التي تظل تدعو لهم بالرحمة والمغفرة ..

ســــأودعك أيها الصديق، بصمت وهدوء ، ســـأودعك وأتجرع كأس الوداع، وإن جاء متأخرا عن موعد الوداع... فوداعا يا رائد النضال الصادق الذي فقد المغرب برحيله قيمة نقابية كبيرة،   وبهذه المناسبة الأليمة، أتقدم بأحر التعازي المشفوعة بعبارات المواساة إلى أسرتك الكبيرة والصغيرة ..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم