أقلام حرة

من وحي الانتخابات .. متسلقو المجالس!!

hamid taoulostالسرج المذهب لا يجعل من الحمار حصانا، لكن الغرور قد ينفخ البعض إلى حد الامتلاء، لكنه لا يرفعهم إلى أعلى القمم بأي حال، ورغم أن الخداع والكذب والغرور ليس عملا واعيا عند السياسيين، لكنه يبقى غريزة فيهم، لا يعدلها عمل آخر من سلوكياتهم، لما يرون في أنفسهم من التميز وأنهم الأجدر بأرقى مناصب البلاد، وأفضل خيراتها، تثار كلما حال بينهم وبينها حوائل العرف والعدل وحقوق الوطن والمواطنين عليهم.. فلا يتورعون في اللجوء إلى أساليب قدرة لحيلولة دون وصول كل مناضل شريف لمراكز القرار، وذلك بتبني كل من ضعفت صلاتهم بالوطن والمجتمع من أنذال الحزب، الذين يعيشون في أحضان ورعاية شفعائهم،الذين يدفعهم لذلك قلق غريزي لترصين وجودهم المادي وتكديس أكبر كم ممكن من ضمانات البقاء في السلطة .. ويبدو ذلك بجلاء كلما راقبنا ما يدور بساحتنا السياسية والاجتماعية - التي أهوى تتبعها منذ أن وعيت – حيث نقف على قصص غريبة تأخذ العقل في رحاب متاهات الخيال الفسيحة، قصة أحد الذين قلبت الانتخابات حياتهم رأسا على عقب، فأصبح غنيا يملك السيارات الفارهة، و العمارات الشاهقة، والضيعات الممتدة، ويرتدي السلاسل الذهبية المتدلية والأزياء "السينيي" الغالية، بعد أن كان يتستر بخرق بالية، ويستجدي السيجارة وأشياء أخرى أخطر، يوم كان صعلوكا وقحا، سليط اللسان، سيء النية، يكثر النفاق، ويجيد التلاعب بالكلام، لا يصون لسانه عن أكل لحوم البشر غيبة ونميمة وفتنة وسخرية، إذا سمع خيرا عن أحد كتمه، حتى لو كان من أصدقائه، وإذا سمع عنه شرا أذاعه، حتى لو كان من أقرب أقربائه، لقد كان من أخلص شيعة إبليس وزبانيته، الذين ووطدوا أنفسهم على كل ما يعيبها، لا فرق لديه بين الخطأ والصواب، ضعفت صلته بالحق والعدل منذ عقود، عينه صغيرة لا ترى إلا الدنيا، وقلبه ضيق لا يفكر إلا بها، لا يحزن على قلة ما عنده، ويغتم على ما عند غيره، يدفعه تعطشه ليكون مهما لقبول أن يكون أداة تهديم ووسيلة تحطيم لآمال كل خلوق أمين، بالوشاية والتزوير والكذب والخداع، وقد يستعمل أحياناً كثيرة في تهشيم ضلوع كل مناضل أمين شريف ..

لابد انك صادفت أو تعرفت في مكان ما على شخص أو أشخاص في مثل مواصفات هذا الكذوب الخدّاع المنافق، ممن يجيدون التسلق على أكتاف غيرهم بالخفة البهلوانية، ويتقنون الصعود على الرؤوس بالقفزات الشمبانزية، ليبقوا وحدهم في الصورة، بحثا عما هو أعلى، ليس بجهدهم ولكن بسلب جهود غيرهم، وبمباركة شفعائهم، الذين يمنون النفس بيوم يصبح فيه المناضل الصادق غريباً منبوذاً، خالي الوفاض من إي تطلع إنساني، لا يطالب بإصلاح أو بمحاربة فساد، وقد تحول إلى عبد مستسلم، لا يؤخذ له رأي، ولا تسند إليه أمانة، يتوارى من الناس حياء، ويعتزل كل محافلهم خجلاً، من مجتمع عمه الأنذال وأصبح سلوكهم وكأنه سنة من سنن الحياة، أو كأنه من مبدأ من المبادئ الوطنية..

ونكاية في كل شريف عفيف في حزب كان عتيدا بهم وبمناضليه الغيورين، وفي تواطؤ سافر مع أحد القادة نصف المشهورين، وجد أحد الأشخاص -الذين تنطبق عليه نفس الصفات السابقة- طريقه نحو الظهور والثراء والسلطة، من خلال أيادي شفيع حزبي Sponsor، parrain متخاذل، والذي كان صاحبنا المتسلق عينه المسلطة على المناضلين، أي أنه كان مجرد "شكام " من باقي مخبريه وزبانيته، وساعِده القوية الضاربة، التي يُحملها أقدر أعمال التشويش وأخس أنواع البطش، التي يندى لها الجبين، كلما حال بينهم وبين تحقيق رغباته وأهوائه -التي لم تُنزل الله بها من سلطان في عالم الحزبية والتحزب .

وفجأة، انفتحت أمام صاحبنا الباب على مصراعيه إلى عالم السياسة، وإذا به يصبح، وبدون استئذان أو مقدمات، شخصا مهما في البلاد .. يلوح من وراء زجاج السيارات الفارهة، بيد ملطخة بعار خيانة الأمانة، ونذالة تبديل المبادئ وضرب القيم، ويظهر على الفضائيات كخبير سياسي وزعيم نقابي، بعد أن مهد له شفعاؤه خوض الانتخابات البرلمانية، وفي ثقافة مطبوعة بالأميّة السياسية، يروي الشفعاء متباهين، من الحكايات عن صنيعهم أنواعًا وأصنافًا، منوّهين بين الجمهور بفضائل الديمقراطية، على أنه من إفرازها، بينما هو وهم ينبعث من متطلبات النفوس المواطنين الحائرة، التي تتلاعب بها الدعاية السياسية، التي تساعدهم على خداع أنفسهم ..

كم أحزن لغباء أولائك الشفعاء parrains الذين يمهدون الطريق إلى خيرات البلاد، سالكة أمام المفسدين من متسلقي جدران المجالس -الذين لا خطط لهم من اجل خدمة ورقي هذا الوطن، أو حتى من أجل مساعدته للخروج من عنق الزجاجة سياسيا.. واقتصاديا واجتماعيا - ليعيثوا في كل طيب فيها فسادا، ويضيعوا عليها وعلينا مواعيد ثمينة ووقتا غاليا، وهم لا يدرون أن ذاك الذي يشتروه اليوم بالمال، سوف يأتي يوم و يشتريه غيرهم، لأنه إرهابي لا دين له ولا لون ..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم