أقلام حرة

وطني مثل ارض زرعها الطيبون وسرق ثمارها الساقطون

akeel alabodباعتباره غير قادر هذه المرة على دفع إيجار البيت نظرا لارتفاع المبلغ المقرر، وكونه لم يجد من يقف معه في هذه المحنة، حيث مرارا حاول ان يسال أشقاءه الذين يعيشون بحال يمكنهم من مساعدته والوقوف معه في هذا الامر، ولكن دون جدوى، فما ان يشكو حاله لهم حتى يأتيه الجواب "الله كريم، الله ما يعوف عبده"

ما يذكره بقول يردده الأردنيون اوالسوريون، ايام تجربته معهم في المنفى، حيث عندما يتعرض صاحبهم الى أزمة مادية او حياتية، ينبري البعض منهم مواسيا" يا سيدي الله بيعين"

ما معناه بالنسبة لوضعه المعيشي الذي صار يزداد سوءا يوما بعد يوم "نحن البشر غير قادرين على مد يد العون"

لذلك قرر ان يستأجر غرفة رثة، وفي حي بعيد مرغما، لعله يستطيع ان يدفع راتبه الشهري ثمنا للإيجار المطلوب، ويوفر ما تبقى منه لدفع قوائم الكهرباء، وتأمين السيارة، وتوفير المتيسر من الطعام، حيث هي هكذا تقتضي طبيعة الحياة في الدولة التي يعيش فيها، ذلك بحسب ما يقال في الاقتصاد، "حياة لاجل البقاء" surviving

ومن الطبيعي ان تكون مثل هكذا حلول حافزا لان يفكر بالعودة الى وطنه، لعله يحضى ببيع ما تبقى له من عرصة دار اتعبها الدهر منذ رحيل والده عنها، قبل مغادرته العراق، اي قبل اكثر من عشرين سنة، حيث لم يبق منها الا حطام جدار هش وحديقة جفت ارضها كما جف النخل فيها، بعد ان استطاع اخوته اقتطاع، تلك الارض التي كانت تجمع شملهم قبل ان يودعهم من بناها وضحى بنفسه قربانا لهم، ليتفرقوا بهذه الطريقة.

هي ظروف العراق، هذه التي أغنت البعض وافقرت البعض الاخر، حتى آلت الى ان يفترق المحبون، بضمنهم أفراد العائلة، بطريقة جعلت الجميع يفكر بمصلحته ومنفعته، دون ان يكترث لحال أخيه، مهما كانت الامور.

المهم عاش الاخوة الذين فرقهم أخطبوط التناحر والتفاخر بنعيم ورفاهية تمكنهم من العيش

المطمئن، ولم يبق الا ذلك الذي عاش بعيدا، ليكون شاهدا على دوامة وطن، حكم بعد سقوط طاغوته من قبل مجموعة أفراد أحاطوا أنفسهم بشرنقات ما يسمى بالكتل السياسية والأحزاب ليزدادوا وعوائلهم حتى الذين يعيشون منهم في دول الخارج ترفا لم يحلموا به ذات يوم، حيث تحول المتسكع منهم الى صاحب سلطة وسلطان، ذلك على حساب ارض وحضارات وكرامة وهوية.

لقد اشترك المتآمرون على بيع العراق بطريقة تضمن لهم الجاه والمال، على حساب ألمباديء والأخلاق والدين والقيم.

لذلك قصته بقيت عالقة في ذهن صاحبي، كما قصة الأشقاء الذين باتوا لا يهمهم استغاثات أخيهم اللاجئ في احدى دول اللجوء، ومثل قصة المتسكعين الأغنياء من النواب والنائبات الذين واللواتي، لا يهمهم من صيحات هذا الفقر الذي يستهدف حياة وطن يسرق ويعرى كل يوم، بفعل من فقد نخوته وضميره وعفته.

 

عقيل العبود

في المثقف اليوم