أقلام حرة

صور أيقظت الضمير العالمي وأخرى أنامته .. لماذا؟!!

أثارت صورة الطفل السوري الغريق "ايلان" موجة سخط عارمة حول العالم لم تهدأ بعد فأطلق الشعراء على إثرها العنان لمخيلاتهم و قصائدهم ونظموا في رثائه العشرات وكذلك فعل الرسامون حين أبدعت ريشاتهم 17 رسما ستخلدها المعارض الفنية لوقت طويل ولاشك ، الا ان السؤال المطروح وبقوة هو " لماذا أثارت صورة ايلان مشاعر الناس في أرجاء المعمورة فيما لم تنجح صورة شقيقه "غالب " الغريق على بعد امتار منه وأمهما "ريحان "في تحريك الأحاسيس ذاتها وإيقاظ الضمائر نفسها كما فعلت صورة ايلان معهم ؟ لماذا لم تثر صورة الطفل "الدوابشة " الذي احرقه المستوطنون الصهاينة قبله بعدة اسابيع مع والده ووالدته وكلاهما قضى متأثرا بحروق شديدة ما أثارته صورة ايلان ؟ لماذا لم تفعل صورة لجثة طفل بصري يبلغ من العمر ست سنوات تعرض الى تعذيب شديد وتم قتله بعد اختطافه من امام منزله في ابو الخصيب مافعلته صورة ايلان الغريق ؟ لماذا لم تثر صور عشرات الألوف لآطفال قتلوا في سوريا والعراق والصومال واليمن وليبيا ومثلهم ممن اصيبوا بالتوحد واليتم والتشرد والنزوح والأنيميا واللوكيميا والغرق على ضفاف اليونان وقبرص وماطا وبقية سواحل العالم ما اثارته صورة ايلان رحمه الله ؟

الجواب باختصار لأن الصورة مهما بلغت من العصف الوجداني والذهني فأنها لاتكفي لوحدها لأثارة الضمير العالمي مالم تنشره وتركز عليه صحف ووكالات انباء ومحطات إعلامية عالمية ، لن يهتم احد اطلاقا لجثة طفل لم تنشر صوره في " الواشنطن بوست ، نيويورك تايمز ،الديلي بيست ، مجلة التايم ، ساينس مونيتور ، نيوزويك الأميريكة ، الديلي ميروروالديلي تيلغراف و التايمز البريطانية ، اللو فيغارو واللوموند والليبراسون الفرنسية ، دير شبيغل الألمانية ، رويترز ، فرانس بريس ، اشوسيتدبرس ، س ان ان ، بي بي سي ، سي بي اس وغيرها " لن يهتم احد قط بطفل لم تتصدر صورته اغلفة الصحف والمجلات العالمية كما تتصدر خلفيات كارديشان ومادونا ونعومي كامبل وليدي غاغا وشاكيرا وريهانا وبينوسيه وبقية – فرقة هز ياوز - ممن لاعد لهن ولاحصر .

ويبقى السؤال هو لماذا يتم التركيز على صورة من دون أخرى ؟ وأقطع جازما ان القضية لها أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وستراتيجية كبرى وليست عفوية كما يتصور البعض واهما !

الصورة التي التقطها المصور الجنوب إفريقي "كيفن كارتر" خلال مجاعة السودان من العام 1994 وحصدت جائزة "بولتزر "وانتهت بانتحاره بعد ثلاثة اشهر، جاءت بالتزامن مع ، اعلان مقاتلي جيش الرب للمقاومة عبورهم الحدود الشمالية وتأسيسهم قواعد في جنوب السودان بموافقة حكومة الخرطوم والتي شكلت نهاية مبادرة بيجومبي للسلام والتي شكلتصاغت بدورها تحولا جوهريا في طابع جيش الرب للمقاومة فمهدت لأثارة المزيد من العنف والذي تمخض بدوره عن تقسيم السودان لاحقا .

صورة الطفلة الفيتنامية العارية "كيم فوك " الهاربة من قنابل النابالم والفسفوري الأميركية بعدسة المصور "نيك اوت" والتي حصد جراءها جائزة "بولتزر" عام 1973، انهت الحرب الفيتنامية التي غرقت أميركا في مستنقعاتها ماديا وبشريا وسياسيا وامنيا .

صورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة في قطاع غزة في الـ 30 من ايلول من العام 2000، غداة انطلاقة الشرارة الأولى من انتفاضة الأقصى، اسهمت في افراغ غضب الشارع العربي لعدة اسابيع وتوجيهه مؤقتا الى القدس بدلا من الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة وفتحت باب التطوع الشعبي في ليبيا والعراق وايران من دون ان يرسل متطوع واحد الى فلسطين "لقد تم تحويلهم في العراق الى جيش القدس وفي ليبيا الى اللجان الثورية وفي ايران الى الحرس الثوري " وأبوك الله يرحمه .

بل وصرفت الأنظار كليا عن حصار العراق ووفاة الالاف من اطفاله بالجوع والمرض وفقر الدم وسوء التغذية وكذلك الحال مع اطفال الصومال والسودان ممن فتكت بهم المجاعات والأوبئة فتكا آنذاك .

صور ابو غريب في أوائل 2004 والتي فجرت فضيحة انتهاكات جسدية ونفسية وإساءة جنسية تضمنت تعذيب واغتصاب وقتل بحق سجناء في سجن أبو غريب ، لتخرج إلى العلن ولتعرف باسم فضيحة أبو غريب وغايتها ليست انسانية بقدر ماكانت تتمثل باذلال الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية فضلا عن جر المقاومة العراقية المسلحة آنذاك الى مساحة عاطفية ، ثأرية ، انتقامية ، اكثر منها عقلانية ، عسكرية وإستراتيجية لإرتكاب أخطاء وحماقات تشوه صورتها داخليا وخارجيا وهذا ما حدث بالفعل .

لم يختلف الحال مع صورة الطفلة الكولومبية أوماريا والتى تم العثور عليها بين حطام منزلها بعد تعرضه للحمم البركانية عام 1985، بعد مصارعتها الموت لمدة ثلاثة أيام، وكانت تلك الصورة سبباً فى مطاردة المسئولين الكولومبيين ممن يعارضون السياسة الأمريكية وتمهيدا لسياسة " التعثين " المعروفة لمحارية مزارع المخدرات – بالغازات السامة- بدلا من الأقتلاع اليدوي الآمن الذي اقترحه المزارعون والتي اسفرت عن رحيل المزارعين عن اراضيهم فتسنّى للشركات الأميركية التنقيب واستخراج الفحم والبترول ، وبالأخص اذا ماعلمنا ان الشركات الأميركية كانت مؤلفة من ضباط عسكريين أميركيين بموجب عقود موقعة مع البنتاغون .

ولن نناقش صور - الهولوكوست - ومحارق النازيين بحق اليهود والتركيز عليها لأن مراميها معروفة ولاتحتاج الى توضيح .

وللتذكير انوه الى ان الموضوع لايقلل من انسانية الصور الأشهر في العالم ومدى تأثيرها بقدر ما يتناول اسباب التركيز على صور من دون أخرى؟ ولماذا يتأثر الناس بصورة كارثية فيما يمرون على نظيرات لها تفوقها بشاعة واجراما مرور الكرام؟.

 

احمد الحاج

في المثقف اليوم