أقلام حرة

حشوة جذر

akeel alabodهنالك مثل قيرغيزي على ما اتذكر يقول: ان عملية بناء الانسان وتكامله يتطلبان وقتا طويلا، اما قتله فيجري بسرعة خاطفة.

ثقب بسيط في الضرس الأمامي يكلف علاجه بحسب فاتورة الحسابات الطبية لأمراض الأسنان اكثر من الف وثلاثمائة دولار أمريكي، باعتبار انه نوع من التآكل الذي ينتج عنه دخول الاطعمة الى داخل التجويف الفمي المحيط بالسن، مسببا آلاما تمنع المصاب من تناول حتى الماء البارد، وبما ان المبلغ المطلوب غير مقدور عليه، فقد قرر صاحبي الانتظار حتى استلام موافقة العلاج على نفقة التأمين الصحي المخصص لكل مواطن مشمول بالمساعدات الحكومية الخاصة بأصحاب الدخول المحدودة ال law income.

المهم كانت الفرحة كبيرة عندما اجريت عملية تحشية التجويف الخاصة بما يسمى حشوة الجذر.

كانت الطبيبة المعالجة ماهرة وقادرة على القيام بعملها بطريقة بارعة ودقيقة. هنا اثناء زرع الحشوة المصحوب بتنظيف وتطهير المنطقة المصابة، ثمة شيء راح ينساب الى الذهن، حيث رغم ان هذا الجزء البسيط من الجسم الإنساني الذي لم يعد أمرا ذا اهمية بحسب المقاييس العامة لحياة الانسان، الا انه استغرق وقتا للانتظار، وآخر للعمل والصبر، وآخر للخبرة التي يجب ان يمتلكها الطبيب المعالج، لتأدية عمله بالدقة المطلوبة، لم يكن الامر يشبه عمليات تركيب الكلى التي كانت تجرى في مشفى الخيالي ايام زمان، يوم كانت تباع في المقهى المجاورة للمشفى المذكور في شارع المغرب في بغداد، اوكما قناني الدم التي كانت تباع هي الاخرى، او يتم التبرع بها احيانا، ثمنا لمن تتوقف حيواتهم عليها، ولم تكن على شاكلة فتح الجمجمة التي يستغرق العمل الجراحي فيها على يد المتخصصين بالجراحة العصبية في مستشفى الرشيد، ممن هم على نمط خبراء الطب العراقي ايام الدكتور سعد الوتري، حيث كانت العمليات المذكورة تستغرق اكثر من ثماني ساعات، كما لم يكن على شاكلة زراعة القلوب او الأطراف التي تعتمد عليها حياة البشر، لكنه يؤكد ثمن وعظمة هذا المخلوق الذي لأجله يتم تدريس وإعداد الأطباء والمستشفيات، والمدارس والكليات التي تخرج الآلاف من الأجيال.

لقد خلقت الحياة ثمنا لاكرام هذا الكائن، الذي أختصه الخالق بكل ما يحتويه، بعد ان قدر كل شيء فيه، حتى هذا الضرس الذي جعل لأجل ان يكون واسطة بينه وبين الطعام، لعله يعيش حياته بلا وجع، اووباء.

المعادلة هو كم ثمن هذا الانسان الذي يحتاج علاج اي جزء من اجزاء جسده هذا الكم من الجهود، والمهارات، والأجهزة الطبية، ناهيك عما يتم تسخيره بحسب المتعلق، حيث جميع الإنشاءات الخاصة بحياته، ومستقبله بما فيها النقل والأسواق والشوارع والفنادق، وحماية البيئة، ما يؤسس الى الأمن والترفيه، ذلك بغية ضمان حياته وحياة من يأتي بعده، ذلك بحسب القوانين الفطرية المتعلقة باي شكل من أشكال هذا الإكرام.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم