أقلام حرة

المشهد السياسي العراقي .. قراءة تحليلية!

لا شك ان المتغيرات في السياسة الداخلية للبلاد تخضع وترتبط ارتباط وثيق بالمتغيرات في المنظومة السياسية الاقليمية والدولية، وهذا الامر ليس وليد الساعة، بل هي لعبة كانت وما تزال تتمثل بالنشاط والتحرك الاستعماري الحديث الهادف الى اعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة عموماً، وكان الهدف الاساس في هذا اعادة توزيع الهيمنة الاستعمارية على منطقة الشرق الاوسط تحديداً، وهو بالتأكيد يدخل في توفير الحماية الامنية للمصالح الغربية في هذه المنطقة والتي تعد من اهم مناطق العالم، كونها تحمل بين اراضيها منبع الحياة والوجود البشري ألا وهو " النفط"، كما انه يحمل بين ثناياه الكثافة البشرية والتي يمكن استغلالها كطاقة عاملة في نهب خيراته وثرواته .

المشهد السياسي والأمني في العراق بدأ يزداد تعقيداً، خصوصاً مع التعقيد الذي دخلت فيه منطقة الشرق الاوسط في ظل التحول الاستراتيجي الذي تشهده المنطقة، والصراع الدائر بين القوى العالمية لرسم معالم جديدة تسعى الى تقوية نفوذها تارة وإيجاد نفوذ جديد وبسط سيطرتها وحضورها، كما ان الصراع ليس مكشوفاً ويصعب للقارئ فهم طبيعة هذا الصراع خصوصاً مع وجود المصالح المشتركة بين هذه القوى، وتبادل الادوار والتسويات السياسية في المنطقة .

يمكن الاعتماد في قراءة هذا الصراع على التجربة السورية، والتي تعد خير دليل على هذا الصراع بين الجبهة الروسية والأمريكية وحلفائهما، فدخول الدب القطبي على الخارطة السورية قلب جميع الموازين، وغير المشهد السياسي والأمني المعقد والمتشابك لتتضح الصورة وتنجلي الغبرة عن ظهور لاعب جديد في المنطقة لا يمكن الاستهانة به، ويبقى القارى والمحلل في خيرة من امره عن سبب هذا التحرك المفاجئ، وطبيعة الصراع في سوريا، وطبيعة هذا التحرك الروسي والتفرد به، فما هو طبيعة الصراع الدائر في سوريا ؟، وهل حصل فعلا توافقاً بين الروس والاميركان، كما يجب ان نقرأ واثع المنطقة خصوصاً مع وجود الآلاف من الدواعش بين العراق والشام، وامن اسرائيل المهدد مع وجود جيش منظم وقادر على تحطيم المنظمة الاسرائيلية أسمه " حزب الله "، وشعور الاسرائيليين بالخذلان من هذا التحول الاستراتيجي الجديد .

الولايات المتحدة من جهتها شعرت بالعجز في ادارة المنطقة وتراجع نفوذها فيها، وعدم قدرتها حتى على السيطرة على حلفائها، الامر الذي جعلها مجبرة القبول بتدخل عسكري روسي في سوريا، ويبدو انها رضخت للإرادة الدولية، واستسلمت للأمر الواقع ان المعادلة قد تغيرت تماماً خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي مع ايران، وهذا ما اكده وزير الخارجية الامريكية أثناء لقاءه نظيره الروسي " ان اميركا قررت تعديل سياستها في الشرق الاوسط ولكن المسألة تتطلب وقتاً "، كما ان المعادلة على الارض فرضت الكثير من المتغيرات في هذه المعادلة بين قطبي الصراع الروسي الامريكي، ناهيك من ان حلفاء أمريكا فقدوا الثقة بها وباتت أولوياتهم تتعارض مع أهدافها، فميزان الاخيرة يقيس درجة مصالحها، الى جانب الموقف الروسي الذي تمكن من أعاده الانتشار في المنطقة، وتقوية نفوذه، وبسط سلطته، ويحاول كسب بجهات اخرى في العراق ومصر، بينما حلفاء الروس وفي مقدمتهم ايران يعملون بتنسيق عالي ومستمر، وهذا ما يجعل الإميركان وحلفاءها لا يملكون اي قوة او منطق سيطرة في المنطقة .

المشهد العراقي هو جزء من هذه الخارطة، واحد أطراف الصراع شاء ام لم يشأ، ويحاول ان يكون متوازناً في مواقفه، وهذا هو امر ليس بصحيح، خصوصاً بعد وضوح خارطة الصراع في المنطقة، وانكشف قطبي الصراع جيدا، الامر الذي يرشح ان تكون المعركة المقبلة جزء منها في الاراضي العراقي، خصوصاً كما قلنا سابقا تنامي الحضور الروسي في المنطقة والتدخل العسكري هو احد خذا الحضور، والذي يعكس التراجع الامريكي، وبالتالي انهيار منظومة الدفاع الإسرائيلية التي تحاول جاهدة من سد اي ضعف في موقعها من محاور الممانعة دون انتظار الدعم الامريكي لها، وهذا ما يجعلها وبخطوات تصعيدية ان تحاول الدخول المستنقع السوري او اللبناني لتعويض خسارتها وانكسارها، او التعايش مع الوضع القادم والجديد في ظل حضور لافت لمحور الممانعة المتمثل بخط المقاومة وصمودها والانتصارات المتحققة والقبول بالخارطة التي وضعها الدب الروسي للمنطقة .

 

محمد حسن الساعدي

 

في المثقف اليوم