أقلام حرة

عيد المعلـم

hamid taoulostكل من ولج فصلا من فصول مدرسة تعليمية، ولو لفترة وجيزة في حياته، لاشك يحتفظ في أعماقه بذكريات قوية كانت أو ضبابية، تطفو على السطح كلما حل موعد الدخول المدرسي، كما هو حالي مع كل دخول مدرسي، حيث تتبادر إلى ذهني ذكريات من أيامي الأولى في المدرسة، تمر أمام عيني بحلوها ومرها، وتتقاطع وتتلاحق صور أول مدرسة عمومية ولجتها في ستينات القرن الماضي بحي فاس الجديد بفصولها وساحاتها وتلامذتها ومعلميها، الذين أحببت الكثير منهم، وانبهرت بالعديد منهم، ونفرت من البعض الآخر، خلال تلك الأيام الحلوة بشخوصها من زملاء الفصول، الذين تحولت زمالة بعضهم إلى رفقة وخلقت صداقات، تعدت في بعضها أوقات الدراسة، لتصبح علاقات وطيدة خارج أسوار المدرسة، ومن بين الذكريات التي لا أنساها أبداً وبقيت مرتبطة وجدانيا بالذهنتي الطفولية، ولا تفارق ذاكرتي التلميذية مهما تقدم بها العمر وتباعدت المواعيد، تلك الشخصية الفذة، صاحبة الرسالة الإنسانية النبيلة، رمز البدل والعطاء، وعنوان نشر العلم والمعرفة، وبناء الأنفس وإنشاء العقول، وأداة تخليص الإنسانية من ظلمات الجهل والأمية، تلك الشخصية التي طالما رددنا في حقها مع أمير الشعراء أحمد شوقي قوله الشهير:

قم للمعلم وفيه التبجيل :::::::: كاد المعلم أن يكون رسولا .

لقد مضت سنوات طويلة دون أن أنسى الكثير من المعلمين الذين تتلمذت على أيديهم في الصفوف الابتدائية الأولى "بمدرسة درب الزاوية ذكور، الذين كانوا لي ولبقية أترابي خير قدوة ومثال في الإخلاص وتحمّل المسؤولية وحب الوطن والوطنية، الذين لازالت صور بعضهم ماثلة بشموخ في ذاكرتي، لا تغيب لحظة، وعلى الخصوص منهم معلمي "مسيو السوسي " كما كنت أسمعهم ينادونه، ذاك المعلم القوي الشخصية الذي علمني مبادئ الحساب واللغة الفرنسية وقواعدها الأولية، والذي كنت وزملائي نهابه ونحترمه في نفس الآن، لكفاءته وطيبوبته إلى جانب وسامته وأناقته، التي طبعت نفوسنا ببصمته الخاصة، والتي اعتقد اعتقادا راسخا، أنها كانت وراء محبتي للأناقة ولمهنة التعليم، والسبب الرئيس في اختياري لها كمهنة دون سواها من الوظائف التي كانت متوافرة بكثرة في ذاك الزمان، تلك الشخصية التي يحتفظ لها جميع التلاميذ، باعتراف وجميل خاصين، على عواطفه الجياشة، وتَميُزَه في طريقة تعامله الخاص، الذي استطاع به تحويل ما كان يصادفنا من معوقات إلى محفزات تفتح المجال رحبا أمامنا ، وتدفع بالمتعثر منا– وما أكثرهم بيننا أنذاك- لتوظيف إمكاناتهن وقدراتهم في التعلم، واستكشاف المعلومة واستيعابها، حسب قواعد تعليم علمي متطور، مكن الكثيرين منا من التفوق وولوج مستويات تعليمية عليا و الالتحاق بسهولة بعالم الشغل .. ما زاد من احترامنا له وتقديرنا لمكانته.

كم أنا ممتن للمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو" التي أقرت يوما للاحتفاء بمعلمي العالم المخلصين، حتى أتمكن من الاحتفال بمعلمي العظيم "مسيو السوسي" وكل من يستحق التكريم والتبجيل من المعلمين .

فإليك يا معلمي مني تحية زكية في عيدك، وهنيئا لك على تأدية رسالتك الإنسانية الوطنية على أحسن وجه، ولك كل التبجيل والإكبار، ليس في يوم المعلم العالمي فقط، بل في كل آن وحين إلى يوم الدين.

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم