أقلام حرة

يا بنت المدينةعليك كنغني!

hamid taoulostوأنا أتجول ذات عشية وزوجتي كالعادة، في دروب وشوارع أكدال أحد أحياء الرباط، اخترقت سمعي نغمة مطربة من الفن الأصيل والإبداع القويم الذي يصْفو له الدّمُ وترتاح له النفوس وتخف له حركات القلوب رغم قدمه، منبعثة من أحد الهواتف المحمولة، فاهتزتُ لها جَوارِحي، وارتاح لها قلبي، وجرى مفعول الصَّوْتَ الحسنَ مجْرى الدَّمِ من جسمي، التفتت إلى زوجتي متسائلا، هل سمعت؟ فردت بحكاية طريفة لها مع هذه الأغنية وقالت: كنت يوم ملأت هذه الأغنية الجميلة الدنيا، واكتسحت كافة مناطق بلادنا، وشاغلت الناس برقتها ورمانسيتها وأصلاتها، في مستوى الشهادة الابتدائية ...

أغنية أعجبنا بها جميعا أيما إعجاب، واستقر إجماع تلاميذ الفصل على كتابة كلماتها ومحاولة حفظها في فترات الاستراحة، وتم الأمر . وأحضرنا الأغنية مكتوبة على الأوراق .

كانت حصة العربية، حينئد، تستغرق الصباح كله، من الثامنة والنصف إلى الحادية عشر والنصف .

في حدود العاشرة، كنا نخرج، كالعادة يوميا، إلى ساحة المدرسة للاستراحة مدة ربع ساعة، لكننا عدنا سريعا، في ذلك اليوم، إلى الطابق الأول حيث فصلنا، وفي الممر افترشنا الرض، وأخرجنا الأوراق وطفقنا نغني : "يا بنت المدينة عليك كنغني .. بنت بلادي زينة زينة، نهدي لها فني .. شعرك ذهبي كيسطع والنور في خذودك يلمع .. يا بنت المدينة ".

طوح بنا الطرب، ورفعنا أصواتنا الرفيعة : " معاك تزيان العشرة، وأنت قدامي كمرة، يابنت المدينة "..

فجأة سمعنا نحنحة شديدة .. صعقنا بالمعلم يقف أمامنا، ياللهول ؛ فهو (الله يذكره بخير) كان بقدر تفانيه في عمله وإخلاصه في واجبه، شديد الشكيمة، حازما إلى أبعد الحدود ...

رفع عصاه المشهورة، وأمرنا بالاصطفاف مثنى مثنى أمامه، نال الأربعة الأوائل في الصف نصبيهم من الضرب .. جاء دوري، فوقفت أمامه مرتجفة، فتغيرت سحنته، وشعرت باضطرابة وتردده . هتف صائحا : نعم نعم من يناديني، وأمر أحد التلاميذ بأن يستطلع الأمر في الفصل المجاول، ويسأل زميله الأستاذ عبد اللطيف إن كان هو المنادي .. ثم أمرنا بالدخول إلى الفصل، وذهب بنفسه إلى زميله لعله يريده في شيء مهم...

كنت أشعر دائما أن السي "شعيب غنيم" يعطف علي ويحبني ويقدر إجتهادي وامتثالي وحسن سلوكي ..

سلام عليك معلمي العزيز، وسقيا لأيامك الطيبة على نغمات : "يا بنت بلادي عليك كنغني" ...

 

حميد طولست

في المثقف اليوم