أقلام حرة

لماذا لم أكتب عن السنة الهجرية كعادتي !!

hamid taoulostسألني أحد المعارف بالمقهى التي ارتادها، لماذا لم تكتب عن حدث الهجرة النبوية كعادتك مع حلول ذكراها هذه السنة؟ .. أجبت المتسائل وقلبي يعصره الأسى ويقطعه الألم، ليس بسبب ما حمله سؤاله من استفزاز وأشياء أخرى، لكن عن سبب عزوفي عن التغاضي -مضطرا -عن الكتابة عن مناسبة السنة الهجرية لهذا العام كعادتي، ليس تقصيرا ولا تقليلا من أهمية حدث مهم كالهجرة النبوية، التي لم تكن انتقالاً ماديًّا من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة فحسب، وكانت انتقالاً معنويًّا،و كانت فاتحة خير ونصر وبركة على الأمة الإسلامية، وبداية لتاريخها، وانطلاقة لبناء دولة الإسلام بها، وتعزيزا لدين الله تعالى، ونشرا لنوره في الأصقاع .

ولكن الأمة الإسلامية التي تشرفت بحدث الهجرة النبوية الشريفة قد عميت عما حملته من دروس وعبر قيمة لا ينقطع مداها، ولم تعد تأخذ بمعانيها التي لا تنتهي مقاصدها، وزاغت عن أهدافها وغاياتها الكبرى، التي ظلت على مدى قرون محفزا على النصر، والانتقال بالأمة الإسلامية من حالة الضعف إلى القوة، ومن حالة القلة إلى الكثرة، ومن حال التفرقة إلى الوحدة ولم الشمل، ومن حال الجمود إلى الحركة والعمل على الدفاع عن الحقوق. وحولت، مع الأسف الشديد، مزايا هذا الحدث العظيم وقيمه إلى شعارات جوفاء، يُتغنى بها في المناسبات، ويُطبل بها في اللقاءات والاجتماعات، إلى أن أصبحت مستندا لتشويه العقيدة، وإضعاف الأمة، وتشتيت كلمتها، وتفرقة صفها، وآل وضعها إلى ما هي عليه اليوم من التدهور والانحطاط، تموج بالفتنة والضلال الموجب للاقتتال والذبح وممارسة الفحش وهتك الأعراض وإحراق الزرع وتجفيف الضرع، الذي تذكيه التنظيمات المتطرفة التي اكتسحت الأمة، و تحظ عليه الجماعات التكفيرية التي اخترقت الوطن العربي الكبير، وجعلته ينزف دما في معظم أرجائه، في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس…، ودفعت بأبنائها إلى ركوب مجاهل البحر بحثا عن البقاء، وليس الحياة الكريمة، كما هو حال اللاجئين السوريين الذين فضلوا عليها بلاداً قاصيةً، وحكوماتٍ غير شقيقة، بعضها صديقٌ وكثيرٌ منها خصمٌ غير ودود، بعد أن تآمرت قوى الشر العديدة، على تدمير بلادهم، و إخلاء أرضهم، وإفراغ بلادهم، تغيير هويتهم،وشطب ثقافتهم، وقتل مئات الآلاف منهم، ما دفع بالغالبية العظمى من الناجين من إزهاق الأرواح الذي يشرعنه الجهَّال والفتاك والمرتزقة المتأسلمين، للاحتماء بالاوروبيين الذين استقبلوا مئات الآلاف منهم، وقدموا لهم العون والمساعدة، وفتحوا لهم مدارسهم وجامعاتهم، ووفروا لهم فرص العمل، ومنحوهم جنسياتهم واقاماتهم الدائمة، التي ستؤهلهم خلال زمن قليل للتأقلم في مجتمعاتهم الجديدة، التي قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وأمنعهم من ظلم الملوك. كما جاء في صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والرّوم أكثر الناس. فقال له عمرو: أبصر ما تقول؟ قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة .

وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة .

وأوشكهم كرة بعد فرة .

وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف .

وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك.

لهذا وغيره كثير، أيها المحترم، لم أكتب عن هذه الذكرى العظيمة لهذا العام، واسمح لي أن أسألك بدوري، هل تفيد الكتابة عن مثل هذه المناسبة، في أمة لم تفهم بعد أربعة عشر قرنا، بأن الأخذ بمعاني ومقاصد الهجرة الحقيقية ضرورة حياتية ؟؟..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم