أقلام حرة

العراق أسير الإرادات!!

الأزمة الاخيرة ودخول الجنود الأتراك الى شمال العراق كشفت بعداً جديداً في واقعه السياسي على المستوى الداخلي والخارجي، فما ان دخل الجنود الأتراك حتى تصارع سياسيوا في التصريحات، وكلاً استغل الموقف من جبهته هو، دون النظر الى مصلحة العراق العليا، وظرورة تكاتف الجهود من اجل توحيد الخطاب وإيقاف هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، لهذا نرى تصريحات الأتراك التي جاءت موحدة تماماً امام قادة العراق، ولا اعرف كم قائد لدينا، ليعبروا عن رفضهم سحب جنودهم والذين انتشروا قرب مدينة بعشيقة قرب مدينة الموصل، ورغم المهلة التي حددها السيد وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري، والذي جوبه برفض السفير التركي لقاءه، وأجاب انه ينتظر تعليماته من السفارة الامريكية وهي من تعطي لنا الإذن بمقابلة من ؟!

القوات التركية المنتشرة قرب الموصل بتعداد يصل الى ٣٠٠ جندي تدعمهم ٢٠ دبابة جاءت لتبقى، وليس بداعي التدريب او التبديل مع قوات تركية مرابطة هناك، وان هذه القوات تلقت تعليماتها المباشرة من قائد القوات الامريكية في العراق، والذي يجب ان نسلّم انه القوة الوحيدة على الارض التي لها سلطة القرار، وهذا ما يثبت توقف المعارك ضد داعش، وبقاء القوات الامنية والمتطوعين من الحشد الشعبي في حالة استنزاف خطيرة بانتظار الموت بالسيارات المفخخة او الهاونات او القناص، ويؤكد الرواية التي تتحدث عن رفض الأمريكان دخول اي حشد شعبي الى مدن الانبار او الموصل (المدن السنية)، مما يعطي للمتابع ان المعركة بأسرها هي حرب مكونات وليست من اجل القضاء على ارهاب تفشى واستفحل واستطاع من مسك الارض، وتوسيع دائرة انتشاره، حتى باتت العاصمة بداد مهددة بهذا التهديد، والمتابع المنصف يجد ان هناك ضغوطاً تُمارس على القيادات الامنية من اجل منع الدخول والتوغل الى أراضي الانبار والموصل من الحشد الشعبي، وضرورة ان يكون السنة العرب هم من يحررون مناطقهم بأنفسهم، وهذا الشي جيد ونحن نثني على من يقول بهذا الرأي، ونتمنى ان يعود ابناء الجنود الى مدنهم سالمين بدل ان يكونوا وقود نار طائفية شعلتها منابر الحقد والفتنة، وكانت سبباً مباشراً في استباحة الارض من إرهابيي داعش، ولكن في نفس الوقت نتساءل هل سيكون القضاء نهائياً على داعش في الموصل والانبار، ام سيتم تهريبهم او هروبهم، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه من هو داعش، وممن يتكون هذا التنظيم الارهابي؟!

الأتراك وبعد التدخل الروسي في سوريا، وقلب الطاولة على مخططات توسع النفوذ التركي في المنطقة وجدوا انفسهم قد خسروا جميع أوراق سيطرتهم، خصوصاً بعد تدمير القوافل الكبيرة من صهاريج النفط المهربة من داعش باتجاه تركيا والتي كانت تعود للحكومة التركية وبإشراف مباشر من اين اردوغان، مما خلق جوا انتقامياً باتجاه الروس، وكانت ردة الفعل الاولى هي ضرب الطائرة الروسية وإسقاطها، وقتل احد الطيارين، مما ولد حالة الارتباك في الجبهة التركية، في سعيها الداعي لإيقاف الغارات الروسية على تجمعات داعش في الاراضي السورية .

الامر المهم هو التماهي الواضح للحكومة العراقية امام هذا الانتشار التركي، وتعدد التصريحات والخطابات، وبالتالي هذا التخبط يؤكد رواية ان هذه القوات موجودة بعلم الحكومة العراقية سواءً كانت حكومة السيد العبادي او حكومة المالكي، والتي تؤكد التقارير ان هذا الانتشار كان بموافقة حكومة الاخير، وعلم السفارة الامريكية وتعليماتها المباشرة، وهذا ما يؤكده التغاظي المقصود من الحكومة التركية وعدم التعاطي بدبلوماسية عالية وتنسيق مباشر مع حكومة بغداد، الامر الذي يجعلنا امام استغراب من المواقف المتذبذبة وغير الحاسمة من هذا الاجتياح الذي يدخل في خلط الأوراق، ومحاولة جر المنطقة الى المواجهة المبكرة بين حلفاء واشنطن وروسيا.

يبقى على الجانب الامريكي الالتزام بتعهداته، والاعتراف ان هذا التدخل هو بعلم السفارة الامريكية، والذي جاء التاكيد على لسان وزير الخارجية التركي، وضرورة الإعلان عّم موقفها الرسمي دون محاولة التغطية على دورها في جر العراق الى محورها وجعله خط مواجهة مع محور الممانعة المتمثل بروسيا وإيران، كما يجب على الحكومة العراقية ان تقرا الواقع جيداً وتضع مصلحة الامن القومي للبلاد في سلّم أولوياتها، دون النظر الى مصالح البيت الأبيض الذي لا يعرف سوى مصلحته ومصالحه بلاده، سواء بالعراق او بغيره، لان الحكومة الامريكية وهذي سياستها المتبعة منذ تأسيسها، ابقاء الدول التي تخرج من سيطرتها تشتعل، والشواهد كثيرة في هذا الصدد، وضرورة ان يكون العراق راس الحربة في المواجهة المباشرة مع داعش دون النظر الى مصلحة الدول الإقليمية او الدولية، والسعي وبكل قوة من اجل إنهاء تواجد جرذان داعش وطردهم خارج البلاد .

 

‏‫ محمد حسن الساعدي

 

في المثقف اليوم